اختار الغرب إيران شُرطياً له في الخليج عن قصد ودراية، فالغرب الذي يملك أدوات استشراف كافية ومحترفة - من أجهزة استخبارات ومراكز أبحاث ومفكرين - يدرك جيدا من يمكنه تنفيذ مخططه «الشرير» في منطقه الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي تمثل دوما سلم الاهتمامات العالمية التي لا يمكن لأي نظام عالمي أن يتشكل بعيدا عنها لما تمثله من مكانة في قلب العالم
ولكونها محرك أطماع اقتصادية لكثير من القوى غير أن هذه المنطقة تقف دائما على بؤر توترات دائمة بفعل ملفات حساسة لها أبعادها الاقتصادية والتاريخية وتؤثر بشكل مباشر بمستقبل البشرية ومصير العالم، ومن هنا تشكل التحالف الفارسي الغربي المغلف بنبرة صراع ظاهرية لا يخفى زيفها على من يتتبع الأحداث بدراسة عقلانية.
فرغم أن إمكانات المملكة العربية السعودية وإرثها الجغرافي والتاريخي والديني يؤهلها دوما لحجز المكان الأول ويجعلها تمثل منصة ارتكاز ورافعة سياسية مضمونة لأي دورمحتمل لكل قوة في منطقتها إلا أن المحددات الدينية والسياسية للمملكة العربية السعودية جعلت الغرب يدرك جيدا أنها ليست الشريك المثالي له في أي مخططات غير نزيهة في منطقه الشرق الأوسط الحساسة.
ولقد فرضت حساسية المكانة الدينية للمملكة العربية السعودية عليها مواقف سياسية تتسم في غالب أوقاتها بالحياء والهدوء وعدم المواجهة إلا أن ذلك التعالي تم استغلاله بشكل سيئ من طرف التحالف الغربي الإيراني المذكور وذلك لتحييد دور السعودية وتهميشها ولتشويه صورتها وإسقاطها من نفوس المسلمين بهدف ضرب القدسية والمصداقية التي يملكها الدور السعودي داخل الأمة حتى وجدت المملكة نفسها في غفلة من الزمن وهي محاطة بحزام غير محكم تغلفه الطائفية والهيمنة الإيرانية المدفوعة بالدعم الغربي الخفي، ذلك الحزام المعادي للأمة والمتمثل في التشيع السياسي الذي أصبح يمتد في منطقة الخليج العربي والعراق والشام وإفريقيا.
لقد استخدمت الدولة الفارسية بدعم من الغرب المال السياسي وشراء الذمم في كافة الدول العربية والإفريقية لتصنع طبقة سياسية و لوبيات عميلة، ليشكلوا حكام المستقبل ويكونوا إحدي أدوات إيران في مشروعها للهيمنة على كامل المنطقة، فأصبحت إيران قوة إقليمية لا يمكن تجازوها ووصل المد الشيعي مستوي الظاهرة حيث انتشرت المدارس والحسينيات وبعثات الدراسة ودخلنا بغير قصد في خطأ ثنائية التوازن القطبي بين الشيعة والسنة حتى يحصل التيه والتشكك في من يمثل الأمة بجدارة وهذا هو الهدف الأصلي من وراء كل هذا الجهد والتخطيط.
لقد كان من الخطأ اعتبار الحذر السياسي السعودي النابع من إدراك المملكة لدورها الكبير ومركزيتها في الأمة، في الماضي والحاضر، تقاعسا عن أخذ المكانة المناسبة لها دوليا، فقد كانت المملكة بالمقابل حاضرة دائما لتقديم الدعم المادي والمعنوي لكل الدول والشعوب الإسلامية ولكنه كان حضورا أبويا مسئولا وغير مدفوع بالأغراض التوسعية، ولم يكن لزاما على الدول المشمولة بالرعاية السعودية أن تقدم أو تظهر في أي يوم من الأيام عربونا لتبعيتها.
ولكن الآن وفي ظل كل تلك المتغيرات الإقليمية والدولية وفي ظل القيادة الجديدة للمملكة ممثلة في شخص الملك سلمان بن عبد العزيز والمدركة للتحديات الإستراتيجية وللخطة الإيرانية الخطيرة باتت المملكة مجبرة على لعب دور آخر غير دورها الدبلوماسي المعهود، والمتركز على البحث عن السلام والأمن الإقليمي، بل أصبح لزاما عليها أن تتخذ دورا يتسم بالأهمية والفاعلية وحيوية التأثير، كما أصبح على الدول الإسلامية والعربية أن تمنح المملكة العربية السعودية دعما ومساندة دوليين لاستعادة دورها المستحق والمتمثل في كونها الأصل والموجه والقائد وحامل لواء الأمة ليس في وجه الأطماع الإيرانية وحدها وإنما في وجه كل الأعداء والمتربصين بمكانة واستقرار ومستقبل أمة المليار ونصف المليار مسلم.
ولذا كانت المبادرة السعودية بمواجهة المد الشيعي في البحرين أولا و في اليمن حديثا، وكان اجتماع القمة العربية، كما كانت زيارة الدعم والمساندة التي قام بها بعض قادة العالم ومنهم رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد ولد عبد العزيز كان كل ذلك إيذانا باستعادة السعودية لدورها الفاعل الذي ربما يتوسع ليشمل سوريا و العراق و غيرهما، ومن أهم النتائج المرجوة من هذا التحرك أن تحتل السعودية مكان الفعل المبادر ويعود التحالف الإيراني الغربي إلى مكانه في ردة الفعل، وهذا بطبيعة الحال بتطلب من جميع الخيرين في العالم مساندة الموقف الحالي للمملكة حتى لا تكون عاصفة الحزم عزفا سعوديا منفردا بل سيمفونية عربية إسلامية تبشر ببداية تشكل عملا استراتيجيا عربيا-إسلاميا بقيادة سعودية ليست وليدة اليوم. فتحت لواء وزير دفاع المملكة البطل محمد بن سلمان ستستعيد الامة قيادتها.
مكفولة آكاط - أستاذة جامعية ووزيرة سابقة - نواكشوط