قد تُحتِّم إرادة المولى العزيز الحكيم أن تنفرج مسارات الشعوب والأمم لتمر عبر منعطفات حرجة تمثل ابتلاءً واختباراً لعزائم الأمم والشعوب وتكون طاقة متفجرة للتجديد والابتكار.
إن قرار نصرة أمن وسلامة وسيادة دولة اليمن على مُشيعي الفوضى من الفئات الحوثية المتمردة على الشرعية الدستورية كان وسيظل قراراً حازماً وحكيماً من قيادة المملكة العربية السعودية وعلى رأسها الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله.
ولعل هذا المنعطف السياسي العسكري الأمني بمجابهة الفئة الباغية في اليمن يعيد ذكرى تاريخ إسلامي حافل بالقيادات العسكرية التي استطاعت بيقينها بالله وتوكلها عليه أن تُظهر عند الشدائد بأساً وقوةً ادهشت الأعداء وحنكة وفهماً عسكرياً خلده التاريخ الإنساني بأحرف من نور.
إن أبناء الأمة الإسلامية والعربية يرتكزون على مجد خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي سيف الله المسلول وهو من قادة الجيوش القلائل في تاريخ الإنسانية الذي لم يهزم في معركة شارك فيها أو خطط لها، وتخطى عدد المعارك مائة معركة بغض النظر عن عدد العدو أو عتاده، بداية بالإمبراطورية الرومية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم بالداخل والخارج.
أما القادة الذين توشحوا بيقين العقيدة السوية تيمناً بأن الله ناصر من ينصره فقد اخضعوا شبه الجزيرة الأيبيرية وبلاد الأندلس في بداية القرن الثامن الميلادي وتركوا أثراً عسكرياً حضارياً وإرثاً إسلامياً معرفياً توجته الشعوب بأسماء المضائق البحرية وما مضيق جبل طارق إلا مثالاً يبقى ما بقيت الإنسانية على وجه البسيطة.
أما عن أسامة بن زيد فحدث ولا حرج فهو الابن البار للصحابي زيد بن حارثة وأم أيمن، وقد تكلل شبابه الغض النضير وهو ابن الخامسة عشرة بالدفاع عن رايات الإسلام الحق في غزوة مؤته التي استشهد فيها والده واشترك في فتح مكة وفي غزوة الخندق وحارب المرتدين عن الإسلام في عهد الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
وقصة صعود أسامة بن زيد جاءت بقرار نبوي حكيم عندما هدد الروم بلاد المسلمين بما لهم من عدة وعتاد، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ورغم العتبى من الأصحاب رضوان الله عليهم، بأن يتولى أسامة بن زيد قيادة الجيش رغم صغر سنه فعسكر قرب المدينة بالجرف؛ وحينما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى عاد أسامة للمدينة حباً وحزناً على الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظر القرار من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فجاء قرار الخليفة الصديق مصداقاً لقرار النبي صلى الله عليه وسلم في تأكيد قيادة أسامة للجيش الذي اعتذر تأدباً مع غيره من الصحابة الأكبر سناً إلا أن الخليفة أبي بكر أصر على القرار وقال حينها «لو خطفتني الذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم»، بعدها خرج الخليفة لوداع الجيش ماشياً على قدميه فاستحى القائد أسامة وقال : «يا خليفة رسول الله لتركبن أو أنزلن» فرد عليه خليفة رسول الله: «والله لا نزلت ولا أركب وما علي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله»، وعندها اتضحت معالم قانون الحرب الإسلامي جلياً أو ما يسمى اليوم بالقانون الدولي الإنساني الذي أرسى دعائمه الرسول صلى الله عليه وسلم وسار على هديه الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكانت أوامره موجهات إنسانية تتعلم منها الأمم المتحدة الآن وتسير على موجهاتها في برتوكولاتها ومعاهداتها واتفاقياتها المختلفة الخاصة بإدارة الحرب، مثل برتوكول حماية المدنيين وحماية النساء والأطفال أثناء النزاعات المسلحة وحماية البيئة وحسن معاملة الأسرى والجرحى.
وذلك الإرث المشرّف مُوثق عند فقهاء القانون في مختلف أرجاء العالم وتكفينا الإشارة للفقيه الأوروبي آرثر ناسوم في كتابه موجز تاريخ الأمم والذي عبّر فيه بوضوح عن أسبقية الحضارة الإسلامية الحقة وعلو كعبها في مجال تنظيم الحروب متفوقة على قريناتها من الحضارات الأخرى.
إن استدعاء الذاكرة التاريخية الإسلامية تأتي ضمن الواقع السياسي العسكري الآني الذي أثار ما آثار من التداعي الحميد لتلك الحقبة وذلك بصعود صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين لمقدمة الجيوش العربية المستردة لسيادة وأمن اليمن السعيد، فقد تمت تنشئته الميمونة في كنف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه-، وتزوَّد بالمعارف القانونية المختلفة في أم الجامعات السعودية جامعة الملك سعود بكلية القانون والعلوم السياسية مستقياً المشارب المتعددة للنظم والقوانين وما يدور تحت هذا العلم من أحاديث ونظريات علمية عن سيادة الدولة وأركانها من شعب وإقليم ونظام حكم، ومستنداً كذلك على إرث الأجداد الميامين من معرفة لقوانين إدارة الحرب وأبعادها الإنسانية ثم مدركاً لجوانب التنظيم الدولي العالمي منه والإقليمي ومع كل ذلك مرتكزاً على شجاعة وحنكة القادة الأوائل للحروب الإسلامية كالقائد خالد بن الوليد.
إن استناد إدارة عاصفة الحزم بجوانبها السياسية والعسكرية والقانونية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لهو أمراً متماشياً مع السنة النبوية الحكيمة في حتمية صعود الشباب لمقدمة العمل الأممي قفزاً فوق معيار العمر لمن هو أهل لذلك، وهو قرار صائب صادف رجله وما تلى يثبت ما قيل، فالمهمة ثلاثية الأبعاد سياسياً وعسكرياً وقانونياً تمت وتتم أجزاء فصولها أمام أعين الناظرين في إجادة تامة وتفوق جلي.
فعلى صعيد الدبلوماسية الإقليمية كان لقاؤه مع الرئيس السوداني بمثابة انعطاف كبير لتوجهات السياسة الخارجية السودانية وحينها استعاد البيت العربي جهود الدولة السودانية فكان نصراً دبلوماسياً يقاس بمؤشرين وهو فض الأصدقاء عن العدو ثم كسب مجهوداتهم في منافحته وهي ضربة دبلوماسية مزدوجة وتم كل ذلك خلال ساعتين من الزمان.
كذلك كانت علامة فارقة قبيل بدء عاصفة الحزم مقابلة سموه لابن علي عبدالله صالح الذي حمل شروطاً مسبقة لم تلن لها قناة القائد الشاب فتعامل معها بحزم وشدة أكدت دُربته ودرايته لتفاصيل قيادة المفاوضات الثنائية والجماعية والتي تُدرَّ في كليات السياسة والحرب.
وما يؤكد صحة النشأة القويمة والعزم والعزيمة لهو تفقد الجيوش المرابطة في الجنوب والشمال واستكمال متطلباتهم من العتاد والسكن وشحذ الروح المعنوية للمقاتلين في الصفوف الأمامية في حركة لا تتوقف ونشاط لا ينقطع وجهد لا يفتر ولا يمل، إذ تجده تارةً شمال المملكة يتفقد حدودها وقواتها، وما تلبث إلا أن تجده في جنوبها للأمر ذاته، ثم تتفاجأ به في الرياض مستقبلاً إحدى الشخصيات الدولية السياسية أو العسكرية، ثم لا تبرح أن تجده في نشرات الأخبار في زيارة لدولة ما لبحث أمر معين أو الاتفاق على موضوع ذا اهتمام مشترك، ثم بعدها بسويعات تجده في زيارة لدولة أخرى، وبعدها مترئساً لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية في الرياض، وقبلها حاضراً جلسة مجلس الوزراء، ثم تدور الدائرة، وهكذا هي حياة القائد العربي المسلم الشاب الأمير محمد بن سلمان، حينها تعلم علم اليقين أنك أمام قائد متفرد وشاب حازم وعازم، ليس إلا محمد بن سلمان.
إن الخيارات العسكرية المفتوحة والتركيبات السياسية المعقدة في الإقليم العربي وما يستدعي كل ذلك من جهد ومجهود متواصل يستلزم عملاً متواصلاً ليل نهار ويستوجب إعمالاً ذهنياً يستند على تربية في أكنافٍ موطأة بالخير والعلم والحزم والالتزام مع الصبر على إعلاء كلمة الحق والدين والدفاع عن إرث الشباب الإسلامي في تولي المهام العظيمة والجسيمة بجسارة وحسن خلق وخلقه وهذه شيم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين فهنيئاً للمملكة العربية السعودية وللأمة الإسلامية بصعود القائد الشاب إلى مقدمة الركب.