لو وجهنا بوصلة النقد قليلاً على بعض مشاهير تويتر من العلماء والفضلاء في مختلف التخصصات المختلفة، لوجدنا تويتر قد أضعف نفوس بعض هؤلاء الفضلاء. وأقصد بالفاضل هنا، من كان لديه أثارة من علم سواء في مجال العلوم الشرعية أو الإنسانية أو التطبيقية كالطب والهندسة الخ، وفضل على غيره في عطاء أو منصب. ولا يعني ذلك تفضيلاً لأحد على أحد في مرتبته الحقيقية عند الله، ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض -: إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب». ولكن خصصت هؤلاء بحديثي، نظراً لأنهم قدوة لغيرهم، ويُتوقع منهم أن يقودوا المجتمع في مشاريع علمية وعملية وتنموية واجتماعية. الخ. وبالطبع لا تستوعب هذه المقالة، الجوانب السلبية الأخرى لتويتر، وكذلك لا تتطرق لفوائده الكثيرة. وما يقال في حق تويتر، يمكن أن يُعمّم ليشمل باقي وسائل التواصل الاجتماعي. وسألخص نقدي في النقاط التالية:
أولاً: شيوع التفاخر والتكاثر
فمن خوارم المروءة، أن يتفاخر أحد بمدح تلقاه أمام جمع من الناس، أما الآن، فقد صار عُرفاً شبه مقبول في تويتر، أن يتروى فاضل تغريدة مادح له، فيسارع إلى تدويرها. وغالباً، يلجأ بعض مغموري تويتر لإزجاء بعض عبارات المديح الممجوجة في حق بعض المشاهير، لكي (يرتوت) له هذا الشهير، فيزداد متابعوه!!! يحدث هذا بالرغم من أن حبيبنا صلى الله عليه وسلم قال «احثوا في وجوه المداحين التراب». ومن ذلك الاحتفاء المبالغ فيه بازدياد عدد المتابعين، والتكاثر والتفاخر بذلك، وربما اشترى بعضهم متابعين أو من (يرتوت) له تغريداته. ويعرف هؤلاء أن من طبائع الأمور، ألا ينال العلماء وخُدّام المجتمع ما يستحقونه من الشهرة، وتثمين العطاءات؛ ولذلك فالأولى بهم أن يتساموا عن صغائر العاجلة إلى فضائل الآخرة، ولا يتنافسوا مع مشاهير الفن والرياضة والإعلام في اللهاث المحموم خلف أضواء الشهرة الخادعة، وأحياناً قد يتفاخر بعض الفضلاء بعبارة موهمة عن إنجاز حققه، مثل أن يغرد، بأنه يحضر حالياً المؤتمر العالمي الفلاني، فيفهم العوام أنه أنجز شيئا ذَا بال، وما علموا أن طالب الجامعة يستطيع حضور ذلك المؤتمر العالمي لو استطاع دفع رسوم الحضور!!
ثانياً: الانجراف في سلوكيات التغريد السلبية
فمن المعلوم أن لكل شارع لغته بحسب رواده، وقد جمع شارع تويتر الغث والسمين، وفيه من المجاهيل والنكرات أكثر من المعروفين بأسمائهم، ولا يستغرق التغريد فيه سوى بضع ثوان. فليس فيه لا تمحيص لرأي، ولا مراجعة لمقال قبل نشره من جهة محايدة. وبالطبع ليس كالكتاب الذي يسهر كاتبه على تحبيره الشهور الطوال، ليخرج بصورة قشيبة للقراء بعد طول عناء.
ولذلك، من أكثر التغريد في كل واد، فالأغلب أن خطأه سيكون أكثر من صوابه. ومن ذلك، التسرع في طرح حلول مبتسرة وسطحية لمشاكل نفسية أو اجتماعية عويصة، قد تحتاج لساعات من متخصص لفك طلاسمها، بينما تُحلّ بتغريدة من 140 حرفاً. ومن تلك الأخطاء، الاستماتة في الدفاع عن الذات بدلاً من الأفكار، والتشنج في الردود، والتهافت على التغريد في معظم الأوسمة (الهاشتاقات) بلا روية، وإنما انسياقاً مع ضغط جمهور تويتر، والجمهور لا عقل له. ولذا فلا تسل عن خطل الرأي، وطرح الآراء الفطيرة، وقد قالت العرب: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
ثالثاً: خداع الناس
فللأسف يلجأ بعض الفضلاء لتوعية الناس بغرض تجاري مبطن، وباستخدام طرق ملتوية وللأسف الشديد. بالطبع، لا مانع من وجود حساب ترويجي بحت لسلعة ما، أما الترويج المبطن بطرق خفية فمما قد يخرم المروءة.
رابعاً: ضعف الإخلاص
فبعض الفضلاء لا يكاد يفعل شيئاً من أعمال الخير إلا أظهره، بل وتفاخر به. ويدخل في ذلك المبالغة الممجوجة في التصوير في كل الأحوال، وما يسمى بـ(السيلفي)، وبما لا طائل منه، ولذا لا ينقضي مني العجب، كيف يرفق فاضل ما صورته في صفحة توعوية يبغي نشرها بين الناس!!
وقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي»، وحتى تعلم عِظم منزلة الإخلاص عند الله، تذكّر أن أول من تُسعَّر به النار: قارئ ومجاهد ومنفق! لما تزيَّنوا للناس بما يجب أن يكون خالصاً لله. ولذا اهتم السلف الصالح بتحقيق مقام الإخلاص، فقد قال الحسن البصري: «لقد أدركت أقوامًا ما كان أحدهم يقدرُ على أن يُسِرَّ عمَلَهُ فيعلنه، قد علموا أنّ أحرز العملين من الشيطان عمل السرّ». ويحكي الخُرَيْبِي عن السّلف أنّهم» كانوا يستحبّون أن يكون للرّجل خبيئةٌ من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها». ومما يُروى عن علمائنا المعاصرين رحم الله الجميع، أن الشيخ ابن باز، كان كثيراً ما يطوف حول الكعبة مردداً دعاءً واحداً وهو «اللهم أصلح فساد قلبي»، فلما سئل عن ذلك، قال: إذا صلح القلب صلحت أمور الدنيا والآخرة. وقد داوم على هذا الدعاء منذ شبابه إلى أن توفاه الله.
الخلاصة، أخشى أن تويتر قد أكسب بعض الفضلاء نصيباً من كعكة الشهرة التي يتسنم زمامها مشاهير الرياضة والفن والإعلام، لكنهم في المقابل ربما خسروا بعضاً من صفاء قلوبهم ونقاء أنفسهم.
يا معشر القراء يا ملحَ البلد
من يُصلح الملحَ إذا الملحُ فسد؟!!
والله المستعان.
- أستاذ مساعد بكلية الطب بجامعة الملك سعود، واستشاري الطب النفسي والطب النفسي الجسدي