نجد اليوم، كل شي في الحياة صار قريبا، وبتناول اليد، خاصة في مجال المعلوماتية، فالتقنية أصبحت هي النافذة، التي من خلالها نطلع على كل جديد في أرجاء المعمورة...
فأنت في مكتبك، أو في منزلك مع أفراد أسرتك، تتطلع على أسرار العالم.. فتنبهر عندما تشاهد بعض المناطق الطبيعية الخلابة... انبهارك من هذا الجمال الساحر، يزيد من إيمانك بالله سبحانه وتعالى، على هذه المناظر الجذابة... فكل منظر له رونقه، وسحره الفتان.. فتتعايش معه بفكرك، ويسرح خيالك بتلك اللوحات الربانية الجميلة، التي تتداخل فيها كل مكونات الحياة، بألوانها وأشكالها وأحجامها، فتجد التكامل في التكوين، والروعة في التنسيق، فترى الحياة تدب في كل مكونات اللوحة، إن كان في الأشجار التي تنطق من جمال تفرعاتها واخضرارها، والأزهار التي تبتسم لكل من ينظر إليها، وجداول المياه التي تحكي قصصاً تاريخية في الحياة، والطيور التي تتنقل من مكان إلى أخر، بنغمات موسيقية بارعة، والحيوانات بأنواعها، تستمتع بهذا التكوين الجميل...
لا أنسى كذلك الإبداع البشري، في الاختراعات والانجازات، وهي من صنع الإنسان، لكن الإعجاب يكمن في مقدرة الإنسان البسيط، في أن يطوع الطبيعة، وخاصة الطبيعة ذات الخصوصية القاسية، فهي صعبة المراس، مكلفة عند التعامل معها.
أعتقد أننا في بلادنا الحبيبة المملكة العربية السعودية استطعنا شعباً وحكومة، أن نطوع الطبيعة الصعبة لصالحنا، حتى نستفيد من المقدرات والإمكانات التي حبانا الله سبحانه وتعالى بها.
يوم السبت 1-6-1436هـ، الموافق 21- 3-2015م، دعاني الابن حمد على الغداء في أحد مطاعم الرياض، استغربت... المعتاد أن دعوات المطاعم تكون غالباً مسائية، خاصة في السنوات الأخيرة، الناس لا تفضل دعوات طعام الغداء، بل تحبذ دعوات العشاء مساءً، وقد يكون بسبب التزام الناس بمشاغلهم أثناء النهار، حتى في أيام إجازة نهاية الأسبوع، ومع ذلك نزلت عند رغبته، وأكد عليْ كثيراً، بأن المكان ممتاز، ومميز خلاف الكثير من المطاعم في مدينة الخير والعطاء (الرياض).... سألت من باب الفضول فقط، النية إن شاء الله، إلى أين؟؟
قال، بابتسامة، مكان جميل سيعجبك... وكأنه يقول يا أبا حمد تحلى بالصبر لترى.
وفعلا اتجهنا خارج مدينة الرياض، وإذا بنا في منطقة الثمامة، التي طالما خرجنا لها للتنزه، وإذا بصرح جميل، له مدخل رئيسي منظم، عليه حراسات عسكرية، ولوحة برونزية مكتوب عليها، ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية.
سألت الابن حمد، أعرف أن للفروسية نادي داخل مدينة الرياض منذ زمن،،
قال لي، نعم مقر النادي داخل الرياض لا يزال قائماً، أما هذا فهو موقع جديد، في وضع مختلف في الإمكانات والاستعدادات.
وصلنا البوابة الرئيسية، ودخلنا بهو المبنى، وإذا بصورة جميلة مشعة، للمؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، وهو يمتطي صهوة جواده، أخذت جولة سريعة، رأيت ما يثلج الصدر، من صور لشخصيات عالمية زارت النادي خلال السنوات الماضية، وبعض الهدايا القيمة المقدمة من بعض رؤساء الدول، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، صاحب فكرة إنشاء هذا الصرح الرياضي الاجتماعي الشامخ، (فهو رحمه الله فارس ابن فارس)، حيث أحيا التراث العربي الأصيل في بلادنا الغالية... (الفروسية).
ذهبنا إلى صالة المطعم، وجدنا الكثير من العائلات حضروا للاستمتاع بسباق الخيل، وتناول أشهى أنواع المأكولات في مطعم راقي يطل على مضمار السباق، فهو يأخذ بالتقييم أكثر من خمس نجوم.
من هذا المنطلق، ما شاهدت من شرفة المطعم، إنما هي لوحة ناطقة في الصحراء، مضمار السباق، يحيط به أرض خضراء تحوي الأشجار الكبيرة والمتنوعة، ومناطق الشتلات المزهرة في بعض الأماكن، كما تجد نوافير المياه، كذلك هناك مسارات خاصة بالخيول قبل السباق، كل ذلك مع كافة التجهيزات والاستعدادات المكتملة, كوّنت منظرا خلابا جميلا، يبعث بالنفس القوة والشجاعة والحماس.
بعد ذلك وقفت على مكان منظم خاص، بعموم الناس الراغبين في مشاهدة سباق الخيل، مزود بطاولات وكراسي في الهواء الطلق، وأخرى صالات داخلية، حتى يستطيع هؤلاء القادمين الاستمتاع بمشاهدة السباق، وهم يتناولون طعامهم، حيث سمح لكثير من السيدات السعوديات، وقد أعددن وجبات شعبية متنوعة، لخدمة الحاضرين، وبعض مستلزمات وتسالي الأطفال، كما أن هناك برامج ترفيهية للحضور، وخاصة الأطفال.
هنا أقف مشيداً، بما شاهدت حيث المتعة، لكني أقول إننا في بلادنا الغالية لم تثننا صعوبة الأرض، وقسوة الصحراء من أن نبني ونشيد، ونعيش في عالمنا السعودي المميز، مثل ما يعيش أي مجتمع آخر، تضاريس أرضة سهلة سمحة تساعده، بأن يبدع ويبتكر.
نحن في السعودية نعم أبدعنا، وابتكرنا وسنصنع كل ما يخدمنا في بلادنا، وسنذلل كل الصعوبات، ونتجاوز كل العقبات، بإذن الله.
في نهاية الجولة التقيت بمدير النادي، وهو شاب سعودي متعلم ومثقف، متحمس لعمله، يفكر ويقترح ليطور في هذا الصرح الشامخ، فهو يبذل كل جهده، بإظهار ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية، بالمكانة العالية، التي يستحقها، هذا الشاب هو الأستاذ عادل المزروع، أتمنى له التوفيق والسداد في كل خطواته.
هذا الانجاز الرائع سميته (وردة الثمامة)، يعود الفضل منه لمن فكر وصمم، ووجه ونفذ، حتى تكون لوحة سعودية فريدة في صحراء المملكة، هذه المسيرة، بإذن الله مستمرة، وبخطى ثابتة ومدروسة، من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، فهو ابن الرياض البار، وهو مهندس نهضتها، وبنظرته الثاقبة المستقبلية جعل مدينتنا الحبيبة الرياض، في مصاف أفضل مدن وعواصم العالم، من حيث التخطيط والتطوير والإنشاء، أسأل الله أن يحفظه ذخراً لهذه البلاد وشعبها، وأن يعم الخير والبركة على يديه الكريمتين، وأن يسود بلادنا الغالية الأمن والأمان، وأسال الله التوفيق للجميع.
المندوب الدائم للمملكة لدى اليونسكو - سابقاً