« لا اعتقد انك بهذه الجرأة لتزوريهم وتشوهي أجسادهم وتغلقي منافذ السعادة في حياتهم كما فعلته بي».. كانت هذه الكلمات ترددها ندى يومياً وهي تنظر للمرآة تتحسس تلك الوحمة الحمراء الَتِي تغطي نصف رقبتها وتمتد إلى نصف صدرها الأيمن.
خرجت لعيادتها مسرعة فالكثير من الأطفال ينتظرونها اليوم ففصل الشتاء هو موسم الأمراض الذي تخشاه كل الأمهات ويرهق الأطباء من بداية العمل إلى نهايته.
تخصصت ندى في طب الأطفال لأنّها معهم تجد المتعة والصفاء معهم كل بياض الدنيا وصدق الكلمات، ولكنها حرمت من كلمة ماما بسبب وحمتها التي أصابتها فجأة عند بلوغها الثالثة عشرة من عمرها في الوقت الذي كانت تسير فيه على خطوات المراهقة وعنفوانها لتعانق الشباب بطموحه وأحلامه. عانت كثيرا من هذا اللون الذي بدأ يتمدد على رقبتها ليصل إلى نصف صدرها ويتوقف. راجعت الكثير من أطباء الجلدية إلى أن عرفت أن هذه الوحمة تصيب نسبة قليلة جدا من الأشخاص عند بلوغهم وللأسف اختارتها هذه الوحمة لترافقها طول العمر.
اجبرها هذا الوضع على ملابس معينة من فساتين مغلقة من جهة الصدر إلى شالات ملونة كانت لا تفارقها لم تستمتع بملابس المراهقات وكل ما كان في تلك الفترة. مرت سنوات التعليم العام صعبه بسبب نظرة زميلاتها والمجتمع المحيط بها لذلك كانت ترفض غالباً الخروج للمناسبات العامة والخاصة، لكن بعد دخولها كلية الطب وانشغالها وبعدها عن المناسبات الاجتماعية نسيت تماماً الألم وتعايشت مع جسدها بكل رضا.
في محيط العائلة ما بين العمات والخالات والأقارب كانت وحمة ندى الفاصل بينهم وبين التقدم لخطبتها بالرغم من جمالها الذي يُعدُّ سفير وجودها في مجتمع لا يتقبل إلا الجميلات، لكن مشكلتها في هذا اللون الوردي الذي لون بعضاً من جسدها..!
في يوم حدثتها والدتها على الهاتف واستعجلتها بالحضور إلى المنزل» هناك من سيزورنا اليوم يا ندى.. صديقتي القديمة حصة أم سامي تذكرينها..!» اقتحم اسم سامي ذاكرة ندى وانتفضت في مكانها.
«وش تبي أم سامي هذه بعد كل هالسنوات».
«اشتاقت لنا وجت تزورنا وش فيك يا ندى المفروض تفرحين اني فرحانة بزيارة صديقتي»
كانت حصة من أحب الصديقات لوالدة ندى وبعد أن تخرج ابنها سامي من الثانوية سافرت للعيش مع زوجها الدبلوماسي في الأردن وسافر سامي لأمريكا لدراسة الأعمال. تنقلت والدة سامي مع زوجها بين دول كثيرة بحكم عمله وكانت زياراتها القصيرة للرياض تنحصر في محيط العائلة لذلك مضت أكثر من خمسة عشر عاما على آخر لقاء بينهما كانت رسائل التهنئة بالعيد ورمضان هي ما تجمعهما.
خرجت ندى من العيادة بعد أن تأكدت أنه لا يوجد صغير يحتاج لها. في الطريق عادت بها الذاكرة إلى سامي وكيف كان يسخر منها ومن وحمتها (ما راح يتزوجك إلا أعمى، أجل فيه أحد يتزوج البنت الوردية) كانت كلمات سامي أول ما عاد إلى ذاكرتها عندما أخبرتها والدتها بزيارة حصة، مطر من الجروح كان يتساقط عليها كلما جلست مع سامي وشقيقاته عند تبادل الزيارات بينهم.
عانقتها رائحة البخور والسعادة على وجه والدتها فهي جدا وفية لصديقاتها وكل من تعرفهم لا يبدلها الزمان ولا يغيرها» يا ليت كل الناس مثل قلبك يمه ينسى ويسامح ويحب الجميع وما يكره أحد». كانت هذه الكلمات على طرف لسان ندى لولا أن رن جرس الباب وخرجت والدتها مسرعة لتستقبل صديقتها. لم تتوقف حصة وأم ندى عن الحديث وكانت ندى الحاضر الصامت بينهما، التفتت أم سامي لندى» ما شاء الله ما زلت جميلة وزاد جمالك أكثر بعد ماكبرتي وصرتي عروس» كلمة عروس لم تسمعها ندى من سنوات نسيت حتى فكرة الفستان الأبيض والحلم به. غادرت ندى المكان وتركت والدتها وصديقتها لتعود بهم الذكريات.
غادرت والدة سامي بعد أن احتضنت ندى بكل حب وودعتها بالدعاء لها» الله يوفقك ويسعدك».
جلست أم ندى معها وأخبرتها أن زيارة أم سامي لم تكن فقط شوق لها» أم سامي جات اليوم عشان تخطبك لولدها سامي تذكرينه»،
« أكيد اذكره ومستحيل أنساه» ردت ندى وهي تتحسس مكان الوحمة.
« لكن سامي عنده مشكلة قبل خمس سنوات تعرض لحادث سيارة وفقد البصر لكنه سليم ومعافى» قالت لها والدتها هذا الكلام وهي على أمل أن توافق، لأنه فرصة ندى الوحيدة لتهرب من شبح العنوسة وترزق بأطفال..
وقفت ندى وخرجت بسرعة من غرفة الجلوس ولكنها قبل أن تخرج قالت لوالدتها:
«قولي لها حتى البنت الوردية ترفض تتزوجه»..!
- بدرية الشمري