كان قراره من البداية أن يكون منافقاً... فمنذ تخرج من الجامعة وهو يوقن أن أقصر الطرق للوصول هي التقرب لذوي النفوذ والسلطان.. وهو ما نفذه بكل نجاح.. بل وأبدع في سلوك مسالكه.. يتغير الرؤساء وتتغير السياسات.. لكنه كان قادراً في كل مرة أن يجتاز المحنة بفضل عبقريته الفذة في تغيير الجلد.. حتى صار علماً من أعلام مجاله..
يقربه الجميع منهم.. ويطلبون وده بالنفائس.. ويتجنبون غضبه حتى لا يبريهم بألسنة حداد يمتلك نواصيها بعد أن ترقى في منصبه المميز..
جلس إلى مكتبه الفخم في حجرته وثيرة الأثاث.. وبدأ يخط بقلمه الذهبى المهدى إليه سطوراً تدعم قرارات صدرت.. مشيداً بالحكمة التي تتجلى بين سطورها.. استمر في إبداعه لبعض الوقت.. حتى قطع الصمت المخيم على المكان صوت جرس الهاتف.. سارع بالإجابة من فوره.. فهذا مصدر الإلهام اليومي له.. جاءت التعليمات بإلغاء القرارات فوراً..
مزق الأوراق.. ألقاها في سلة المهملات.. فتح صفحة جديدة وشرع يكتب مشيداً بعبقرية من ألغى قرارات ما أنزل الله بها من سلطان.. أنهى مقاله.. ونظر إلى وجهه المنعكس على علبة التبغ الذهبية أمامه..ورسم على وجهه ابتسامة الرضا.
- هشام السحار