هنا الرياض...
أتى الصوت
قوياً مجلجلاً كالرعد
كصوت ارتطام النجوم
كنداء المآذن
مجللاً بالبياض.
هنا الرياض...
وعادت بي الذاكرة
عمر مضى...
أحلام تُرسم على ورق...
على جدار بيت من طين...
وباب من خشب عتيق...
يصدأ خلفه النحيب.
هنا الرياض...
كان الغبار يملأ الفراغ الفسيح
كان التراب يحثو الطرقات ووجيه العابرين
كان القيظ ولفح السموم...
وكسرة من ثلج في جردلٍ ماؤه كالطين.
هنا الرياض...
يؤذن المؤذن...
للصلاة
الله أكبر...
يأتي الصباح...
تطرق الشمس النوافذ المغلقة
هبوا إلى الحياة...
إلى العمل...
يقبل الطلاب إلى المدرسة
نصف عراة...
ونصف حفاة...
جيوبهم مثقوبة...
حقائبهم مرتقة
إلا من صلصلة بضع هللات
كانت الكنز والحلم الدفين.
هنا الرياض
كبر الولد...
اتسعت حدقة عينه...
أصبح مدى الرؤية أوسع...
غدا يرى شارعاً هنا...
حديقة هناك...
وعمارة تُبنى في الحي
على أنقاض ذلك البيت الرميم
كبر الصبي..
وكبرت معه الرياض...
أصبح يشاهد التلفاز في المساء
قرآن كريم وحديث شريف...
فيلم كرتون...
ثم برنامج الأطفال...
ويخلد عقبها لنوم عميق
متوسداً حلماً يأتي بغد جديد.
هنا الرياض...
زاد عمر الصبي بضع عشر من السنين...
بدأ يركب الدراجة...
اتسع دكان الحي الصَّغير...
الشارع الترابي مرصوف...
وعليه أرصفة وشجر
ينبه المطوع للصلاة سائراً على قدميه
ينادي الصلاة... الصلاة.
هنا الرياض...
كبر الصبي...
وكبرت معه مدينته...
الرياض...
لم يعد المكان محصوراً خلف السور
وبوابة الثميري...
لم يعد السوق هو الديرة وحلة القصمان
وهناك في طرف الحي...
افتتح محل سوبر ماركت...
يا الله...
سوبر ماركت...!!
يبيع كل شيء وأي شيء جديد
هناك في الركن الآخر الموازي لشارعنا...
مخبز جديد يبيع أصناف أخرى من الخبز
الكيك والكعك اللذيذ
هنا الرياض...
كبرت الرياض...
غدت عروسة تنير الظلام
تسابق التاريخ والزمان
تجاوزت الرياض يفوعة أحلام الصبي الصَّغير...
لم تعد الحارة هي الحارة...
ولم يعد الرفاق هم الرفاق...
لم تعد الرياض هي الرياض
هنا الرياض...
كان هناك ذلك الأمير الشهم النبيل...
كان هناك سلمان بن عبد العزيز...
عاشق الرياض وحبيبها الأثير
هنا الرياض...
ونادى المجدُ سلمانا
تلفت الزمان...
من أين يبدأ التاريخ...
ومن يكتب التاريخ..
وصبية صغار يلعبون في الأزقة والحارات...
هناك ذلك الرجل النحيل...
القادم من البلد البعيد
يجلس داخل حانوته الصَّغير...
يبيع الحلوى والسكر
يقول للصغار سأروي لكم حكاية عن الرياض
تبدأ فصول الحكاية بعد اسم الله الرحمن الرحيم...
باسم سلمان بن عبدا لعزيز.
هنا الرياض...
فجأة انطلق صوت...
ارتجف له الكون...
واهتزت الأركان...
الكل يتساءل عن ماذا في الرياض...؟
هنا الرياض...
وسلمان ملكاً على البلاد...
خادماً للبيتين...
وإماماً لأمة الإسلام
سلمان نسل سلالة يكتب عنها التاريخ
على مر السنين والأزمان
سلمان...
شمسٌ تشرق على وجه الدنيا فيبسم ثغر الزمان
وتزهو به الرياض.
- محمد الخضري