ينظر العرب عموماً ومن يعمل في مجال السياحة على وجه الخصوص إلى شبابنا الخليجي وتحديداً السعودي نظرة الصيد الثمين، فما يكاد يحط أحدٌ منهم على أرض مطار دولةٍ عربيةٍ حتى تجدهم يجتمعون عليه كاجتماع النمل على قطعة السكر وكلٌ منهم يمني نفسه بالظفر به؛ ليكسب من خلاله ما لا يعد ولا يحصى من الغنائم.
فالكثير ينظر لهم على أنهم أشخاص مستهترون جاؤوا لينفقوا أموالهم الطائلة بغير حساب، وهذه فرصتهم ليستفيدوا منهم.
هذه الصورة السلبية عن شبابنا نتساءل باستنكار واستهجان عن سببها ومن رسمها في مخيلة غيرنا! ونتهمهم بالانتهازية والاستغلال ونتناسى نقطة أساسية أننا نحن من رسم لديهم هذه الصورة.
فلو نظرنا بعينٍ فاحصةٍ لحال أبنائنا في الخارج لعرفنا السبب فذاك يجلس على المقاهي يصرخ بأعلى صوته منادياً نادل المقهى وبصحبته فتاة أو فتاتان أحياناً ليس بالضرورة أن يكون وراء وجودهن معه ما قد يخطر ببال أحدٍ منّا حين يرى رجلاً وامرأة قد يكون مجرد احتكاك وتعرف على الجنس الآخر الممنوع الاقتراب منه في مجتمعه المحافظ، فيجلس مختالاً وكأنه هارون الرشيد محاطاً بالجواري، ولا يقتصر الأمر على ذكورنا فقط فإناثنا أيضاً لهن نصيب من هذا، فهي تجد نفسها في بيئة منفتحة بإمكانها الخروج والدخول بسهولة ليست بحاجة إلى من يقلها أو ينقلها إلى المكان الذي تريد، بعدما كانت في بيئة محافظة خروجها ودخولها يحكمه من سينقلها بسيارته من أب أو أخ أو حتى سائق وهي مرتدية حجابها، وجدت نفسها الآن في بيئة حرة لا تشعر فيها بأي تقييد، تخرج متى أرادت وكل ما تحتاجه هو كلمة واحدة فقط هي (سأخرج)، ترتدي ما تريد لا ضرورة لحجاب، فتجدها فرحةً بذلك. تستغل كل يومٍ من الحرية المؤقتة فتخرج كما تشاء وترتدي ما تشاء متناسيةً أن اللباس يمثل شخصيتها قبل أن يمثل بيئتها فترتدي ما لا يليق ومن المؤكد أنها لا تهدف منه إلا أن تنفض عن نفسها تلك القيود التي كانت تشعر بها في وطنها وبيئتها الأصلية!
هذه بعض من مظاهر شبابنا في الخارج والتي نتأسى عليها ونتساءل لِم وصلنا إلى هذه الحال؟، ولو فكرنا بدون تحيز وبحيادية لاكتشفنا أننا نحن السبب!!
الوالدان، المربون، المعلمون، كل من له يدٌ في التعامل مع هذا النشء هو السبب في ذلك، نغرس داخلهم عادات وتقاليد نعلمهم العيب ونبالغ في جعل كل شيءٍ حراما متعللين بـ -درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة- وننسى أن ديننا دين الوسطية ونكثر من قول (عيب، ما يصلح، وش يقولون عننا الناس)، رفضنا تعامل أبنائنا مع بناتنا ومنعنا اختلاطهم حتى في الأماكن العامة والسبب أنه سيجر إلى الرذيلة متناسين أن زمن الرسول صلى الله عليه سلم كانت الصحابيات يحضرن الخطب مع الصحابة في المسجد، وأن الصحابة كانوا يستفتون زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أشكل عليهم، وفرضنا على فتياتنا الحجاب فرضاً لم نشرح لهم هذا الحجاب لم يُلبس.
نشأت الفتاة حتى وصلت إلى سن معينة فوجدت نفسها لا تخرج إلا بهذا الحجاب فارتدته مجبرة لا تعرف له أهمية ولا قيمة بل تشعر وكأنه قيد قيدت به ضريبة لأنوثتها!!
حال شبابنا اليوم نحن من تسبب فيه! ونحن من يجب أن يحله ويعيده إلى مقامه الصحيح، علينا نحن أن نعيد حساباتنا في طرق تعاملنا مع أبنائنا وأن نتذكر أن ما يحركنا ليس العادات والتقاليد ولا العيب، علينا أن نتذكر أن ما يحركنا هو ديننا الإسلامي وأن علينا حين نلزم أبناءنا بأمر أن نقدم لهم الحجة والدليل ونقنعهم لا أن نفرض عليهم ما نريده فقط؛ لأننا حين نفرض عليهم شيئاً بمجرد أن يجدوا فرصة لا نراقبهم فيها سيتحررون مما فرضناه عليهم ليفعلوا ما يريدون. فلنغرس داخل أجيالنا القادمة (المراقبة الذاتية) ولنعلمهم الحلال والحرام لا العيب والمرفوض اجتماعياً فقط، ولنذكرهم دائماً بالمقولة (عين الرقيب تغفل وعين الله لا تغفل) فيكبر داخلهم خوفهم من رب الناس لا من الناس، ولنثق حينها أن ما نربيهم عليه وما نعلمهم لن يزول ويتبخر عند أول اصطدام مع بيئات أخرى مختلفة.
- ماجستير علم نفس - محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية