لما سُكب كوب القهوة، استبدل قميصك وابتع كوب قهوة آخر
لِمَ العصبية والاندفاع والصراخ؟
كأن كوب القهوة سيستحي على كافيينه ويجمع أشلاءه السابحة وينفض قميصك ويقبّل ياقته معتذراً ويعود للكوب طالباً منك رشفة تنسيك مُرّ الجرم اللا مغتفر.
لما تأجل الاجتماع الذي سهرت له طول الليل لإعداد النقاط الرئيسية لقولها والتحاور بها، وربما لم أستطع النوم لكثرة ما أشغلني هذا اللقاء، ثم يلغى في الساعة الأخيرة، وضعت أوراقي جانباً وأخذت فطوري مع الأصدقاء، فسحة من العمل والركض الدؤوب، ماذا كان سيتغير لو أصبت بحنق لأن تعبي لا يقبل التأخير؟ ما المانع أن يؤجل وأحظى بتمدد أفكاري قليلاً، وتوسع رئتي جراء استنشاق هواء صباحي بلا اجتماعات، لن تلغَى الأفكار ولن تتآكل طاولة الاجتماعات، ولن تتطاير الأوراق، احرص على وضعها في مكان يسهل عليك تذكره، واستودع الله لسانك ليحلل عقدته، وامض مع صديق في فسحة.
ما المشكلة لو ألغى الدكتور محاضرتك، وقد صحوت صباحا مجهداً ربما، وربما أتيت من أقصى المدينة تسعى، وربما لديك من المواعيد ما الله عليم به، فليسهل لك دربك، لا تنفعل وتشتم الإدارة التي لا تنبؤكم بإلغاء المحاضرات إلا في آخر الوقت ولا الدكتور الذي لا تدري بما قدر الله له فحبسه حابس عن أن يأتي يثرثر ساعتين على دماغك المشحون بمجريات اليوم، تنفس الصعداء وسلم بحوثك، أو أعدها أو احضر محاضرة أخرى مستأذنا من دكتور المادة ومقلل ساعات يوم آخر، أو إذا كانت وسيلة مواصلاتك تحت تصرفك، عش لذة الصباح واخرج ابتع قهوة مثلجة واجلس مع من لم تسنح لكم أوقات المحاضرات رؤيته، أو ادع أحد قرابتك للفطور في الخارج، اقرأ كتابا، استعره من مكتبة، ارجع للنوم مثلاً.
المشكلة أننا نضع طريقا واحدا، معادلة مشروطة، لا نتشعب لا نوسع حدقة عيوننا، لا نجبر أقدامنا أن تمشي أو حتى تستريح على مقاعد اليوم، ننتظر الحافلة التي تقلنا للمحطة المطلوبة لوتأخرت اتصلنا بشبكة النقل ورفعنا شكوى، جرب أن تأخذ نزهة سيراً على الأقدام ربما أنجزت ما لم تنجزه وأنت في انتظارك للحافلة، بمعنى إن تأجل موعد أو ألغي، اسع لغيره، حتى لو جلست تنظر نفسك في المرآة لا مانع من بعض الخلوة ربما رتبت أفكارك محدثات يومك بشكل جيد، كون محاضرتك تلغى وتتجه لفصل آخر لحضورها ربما التقيت ببعض المجموعات التي فتحت عيونك على مشاريع أخرى نبهت على أمور غفلت عنها، أخذت رقم هاتف صديق سيرسل لك من المعلومات والواجبات ما يسر لك ما استعسرته ربما، ليست مصلحة لأنك ما مددت يدك طمعاً بل لقاء خير، وشخص قيّضه الله في يومك تبريك جهدك وسعيك، بدل أن تندب الساعة التي تأجل فيها كل شيء، انظر ما تقدمه لنفسك في هذه الساعة.
أحياناً الساعات التي تفرغ نفسها من مشاغلها، فرصة حتى لحك الرأس، وإعادة النظر في بعض الحماقات، وتغيير خطة المشاريع، أنا أبحث عن الفراغ حتى أهش بأفكاري، وحتى أخاصمني، لا أبحث عن المثالية ‹المثالية ليست كنزا، أنا أبحث عن ماهيتي، أنا أصقلني، كيفما كنت، الله ماخلقنا من طين كي نطبق صنعتنا، بل لنشكل صلصاليتنا كيفما باءت بنا الظروف، تصلب حين البأس ولِن حين الرخاء تسلم، وتتعلم.
تعلم أن لا تخاصم الدهر يهبك لذيذه، اصبر مع الساعات وطول الأيام، ومماطلتها أحلامك ومساعيك، الوقت هو السيف لا يحب من يوظّف نفسه سيافاً عليه، لكن تحايل عليه، واقطعه.
لا تكن ممن يضعون عصبة على عين، وينظرون بعين واحدة، تلك العصبة أزلها، وإن كنت تضعها حتى تخبئ قلة حيلتك وضعف بصرك إذن افتح عين عقلك، تلافيف الدماغ حوّر إحداها عيناً، شكل أخرى لسانا، أو حتى قدماً امش بفكرك وأنت جالس الجسد، سافر بعقلك من غير تذاكر ولا متاع، عد بهدية السفر، طاقة للحياة.
الآن يشقون المدن يشعّبون طرقها، يخلقون من النفق شرايين تتجه في جميع الاتجاهات وتلتف الشوارع حول نفسها، وتتراكب فوق بعضها، الآن المدينة تشرع بالتمدد حتى أنها صارت تفزع الصحراء الممتدة الرمال، وتنام على البحر الذي انحسر ماؤه وحمل أسماكه وابتعد عن الساحل، وأنت تقف في المنتصف تنتظر سيارة أجرة تقلّك، بل وربما تشمئز من مقاعد الانتظار البالية، ما رأيك لو مشيت في آخر الشارع تصادف مقهى ذو مقاعد مترفة ولوحة حائط بعام افتتاح المقهى وضمان لك بجودة القهوة ونظافة الطعام بل وربما تصادف أحدهم يقلك لمسعى ما كان أبداً في الحسبان أنك قد تستمتع مشوارك، أو يكون الخلاص بأسلوب مرفّه.
لا تسلك نفس الطريق للعمل، لا تذاكر بنفس الطريقة لا تجلس بنفس المكان في المحاضرة، لا تستخدم نفس القلم، لا ترتدي نفس الزي، لا تمشط شعرك على نفس الاتجاه، لا تسن القوانين وتفرضها على نفسك أنت حر.
إذا كان العالم يمشي لأحلامه، اذهب لها راقصاً، أو طر لها، تقول نحن من الكائنات التي خلقها الله تمشي على رجلين، أقول لك: قدماك قد تحملك للطيران بمعجزة، ابتدع طريقتك الخاصة لمعالجة يومك، كن مبدعاً في حياتك.