يتداول الحكم والأمثال أكثر الناس معايشة وملامسة للواقع الاجتماعي، ولقد كان من الطرق والوسائل الهامة والمعتمدة والدارجة لمعالجة أوجاع ومشكلات المجتمع والحياة بأسلوب بليغ وسهل ومفهوم «يختزل أكبر المعاني في أقصر العبارات»، ولهذا جاء نعت الإنسان المتفوه بتلك الحكم والأمثال بالحكيم، وغالباً يكون منتج ذلك المثل أو الحكمة أو المقولة أناس غير معروفين، وذلك لأنها خرجت في لحظة (إبداع وإلهام) وأخذ الناس يتداولونها دون سند.. فهي تُنسب بقولهم قال الشاعر، أو تقول العامة أو يقول أهل الشمال أو الجنوب أو الحجاز..
فمن الأمثلة الكثيرة الاستعمال قولهم: «أبخل بخيل اللي يبخل بجاهه»، وهم يعنون ويقصدون الذي يبخل ويمتنع عن تقديم العون والمساعدة لغيره بكافة صورها ومجالاتها، فقد يكون الأمر فيه إصلاح ذات البين أو إرجاء معسر أو طلب معونة أو إنقاذ أسير أو علاج مريض أو إعانة محتاج، لكن مردها في النهاية إلى الجاه، فالقاصد والمحتاج لا يريد سوى الشفاعة بالكلام، وهو أبسط وأيسر درجات الشفاعة فمن يبخل به، فهو بالبخل بغيره أحرى وأجدى.
ولقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يجتهد في قضاء الحوائج والقيام مع الناس في حاجاتهم عملاً وإيماناً بقوله في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، ولقد كان ابن عباس حينما أراد بناء بيته من الطين يقول وينادي «من يُعين فيُعان»، ولقد أخبرني صديق بواقعة حدثت وشارك في أحداثها بجاهه رغم أن تدخله كان من باب «قمت بالواجب»، وما ظن أن تلك المكالمة ستنهي نزاعاً واحتقاناً أوصل أحد الطرفين للسجن، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحتقرن من المعروف شيئاً»، ولهذا فإن البخل بالجاه ليس بخلاً فحسب، بل هو دليل على احتقار المرء لنفسه وما حباه الله تعالى، ومن حقر نفسه فلا ملامة لمن حقره.
ما أجمل قول الشاعر:
فرضت عليّ زكاة ما ملكت يدي
وزكاة جاهي أن أعين فاشفعا
وقول الآخر:
ساعد بجاهك من يغشاك مفتقراً
فالجود بالجاه مثل الجود بالمال