محمد بن عيسى الكنعان
سألني بعض الإخوة: هل شاهدت خطاب حسن نصر الله؟ الذي كان خطابه المتلفز الأول في أعقاب انطلاق (عاصفة الحزم). فأجبت بالنفي، ليس لأنه فاتني، أو لعدم معرفتي المسبقة بتوقيت بثه؛ فهو على كل حال موجود في شبكة (الإنترنت)، ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لأني متوقع سلفاً مضامين خطاب هذا الدجاّل، من واقع مواقفه غير المشرفة، وتصريحاته المخزية المرتبطة بقضايا الأمة المصيرية، المتقاطعة مع أهداف المشروع الصفوي، وبالذات موقفه من (عاصفة الحزم)، التي لم تضرب أوكار الحوثيين فحسب، إنما وصلت الضاحية الجنوبية في لبنان، حيث مقر ما يسمى (حزب الله)، لهذا ظهر أمينه حسن نصر الله مرتبكاً في أدائه، ومتناقضاً في حيثيات خطابه وفق ما ذكره كثير من المحللين والكتاب السياسيين، الذين أكدوا أن تأثير العاصفة الموجع بدا جلياً في كل فقرات ذاك الخطاب.
لذلك؛ استدركت من باب العلم بالشيء، وسمعت الخطاب، فكان حسب توقعي ومعرفتي بدجال المقاومة، خطاب النياحة، الذي لم تخرج مضامينه عن ثلاث نقاط أساسية: الأولى؛ محاولته تبرئة الإيرانيين من كل ما يجري في الوطن العربي، مع تأكيده في سياق ذلك على أن علاقة حزبه بإيران هي قائمة على التشاور، وليست العمالة للمشروع الصفوي. والنقطة الثانية محاولته الرخيصة اتهام السعودية بما يحدث في المنطقة العربية خدمةً للوجود الأمريكي، وبالذات ما يتعلق بأزمة اليمن وقبلها أوضاع العراق، أما الثالثة فتتعلق بالكلام الممجوج، والكذبة المعتادة عن المقاومة في فلسطين ومحاربة الكيان الصهيوني.
هذه النقاط الثلاث تدل دلالة واضحة على أن الدجال حسن نصر الله فقد براعته الجسدية في التظاهر بالقوة والثبات عند وقوع أحداث سياسية وعسكرية جسام، كما فقد أسلوبه اللغوي في الكذب والتزييف خلال خطاباته النارية، التي كان يسحر بها أنصاره وأعضاء حزبه، لأن الإعلام الفضائي الموجود في كل بيت عربي صار اليوم يستند في أخباره وتقاريره وحواراته على بنك ثري من المعلومات المؤرشفة بالصوت والصورة عن كل ما حدث ويحدث في الساحة العربية، سواءً على مستوى الأحداث، أو المواقف، أو التصريحات، لهذا كان حسن نصر الله ولازال مادة إعلامية فكاهية لبرنامج (دي إن آي) للإعلامي اللبناني نديم قطيش، حيث استطاع تعرية دجال المقاومة في برنامجه من واقع خطاباته.
قد يقول قائل: ولماذا كان خطاب حسن نصر الله بشأن اليمن حاداً في عبارته وهجومياً تجاه المملكة، رغم أن المملكة اتخذت مواقف أخرى وقفت فيها ضد المشروع الفارسي (الصفوي)، سواءً في لبنان، أو سوريا، أو العراق، ولم تكن خطابات نصر الله تجاهها بهذا الهجوم الوقح. الجواب ببساطة؛ لأن حسن نصر الله (يصرخ على قدر الألم)، فهو يدرك فاعلية وتبعات (عاصفة الحزم) الإيجابية - إن شاء الله - على كل المنطقة العربية، وهذا الإدراك ليس نتاج وعيه السياسي، أو وفق قراءة صحيحة للمشهد العربي، إنما لأنه رأى انعكاس هذه العاصفة على القيادة الإيرانية التي يتبعها، ويعمل وفق مشروعها. ارتباك تجلى في الأيام الأولى للعاصفة من واقع تصريحات مسؤوليها، فعملية (عاصفة الحزم) لم تؤكد حجم المملكة بالمنطقة فحسب، إنما برهنت على قوة المملكة، وقدرتها السياسية على امتلاك القرار العربي وتنفيذه على أرض الواقع بسرعة مذهلة وترتيب متقن، إلى جانب قوتها الدبلوماسية (الناعمة) في حشد حلف دولي بدقة وسرية، ومن ثم قيادة هذا الحلف (العشري) بانسجام مع مراحل إطلاق العملية نفسها. وإضافة إلى ذلك؛ أن (عاصفة الحزم) ليست مجرد عملية عسكرية لإعادة الشرعية لليمن، إنما هي الفصل الأول والرئيس في مشروع نهضة أمة، وإعادة إحيائها بعد أن تكالبت عليها مشاريع الهيمنة في المنطقة. وهنا فقط فهم حسن نصر الله وأسياده في طهران الرسالة الجلية، التي كتبتها عاصفة الحزم في أجواء اليمن. رسالة تقول بلاد العرب ليست نهباً للأطماع الإيرانية، فسقوط بغداد، واحتلال دمشق، واختطاف بيروت لا يعني أن مسلسل حبات الدومينو سيستمر، فاليمن سيبقى سعيداً ما دام عربياً موحداً. خاصةً أن السعودية ليست حديثة التجربة في مثل هذه الأزمات الكبرى، بل هي أنموذج دولي وفاعل في حل وإنقاذ دول المنطقة، فمن يطمع باليمن عليه أن يتذكر الدرس السعودي في تحرير الكويت، وحماية البحرين. وخطاب دجال المقاومة المرتبك والمتناقض دليل على أنه فهم الرسالة.