إن هناك سلوكيات اقتصادية بدأت في الظهور والانتشار في المجتمعات المعاصرة تمثل عبئًا اقتصاديًا لها آثار ضارة على الاقتصاد الأسري، وكذلك الاقتصاد الوطني فضلاً عن اقتصاد المجتمعات.
فما زلنا نجد عند أغلب الأسر حتى ذات الدخل المحدود تصرفات لا مبرر لها سوى العادات والهوى والتقليد والمباهاة، خدمًا ومربيات وسائقين مستوردين من الخارج، واحتفالات مكلفة وملابس للنساء والأطفال بأسعار مرتفعة جدًا، وبنودًا استهلاكية أخرى تثقل كاهل ميزانية الأسرة، وما ذاك إلا لتلبية دواعي الاستعراض الاجتماعي وحب الظهور.
كما أن تخمة الاستهلاك وعادة الصرف والإنفاق غير الموجه من العادات السيئة التي أدت إليها ظروف الحياة الجديدة.
وقد ساعد على انتشار تلك السلوكيات والعادات، وبروز العقلية الاستهلاكية المدمرة وانتشار الثقافة الاستهلاكية الخاطئة عوامل عدة منها: إغراق السوق بصنوف الكماليات والإعلان عنها بطريقة مثيرة، وكذا انخفاض الوعي الاستهلاكي لدى أفراد المجتمع، وعدم توجيه أفراد المجتمع بشكل مباشر.
ومن المعلوم، أن أوجه الصرف الباذخ ينبغي على الأفراد والأسر والمجتمعات إعادة النظر فيها والتخلص من الأنماط البذخية والاستهلاكية المفرطة ومظاهر المباهاة والتعالي المتمثلة في مناسبات الأعراس والولائم والمآتم.
فمن في المعروف اقتصاديًا في كل دول العالم بأن أنسب وسيلة لتقريب القرارات الاستهلاكية للأفراد هو الرشد الاقتصادي المتمثل في الأسعار، بحيث تكون لهذه الأسعار فعالية في التخلص من الاستهلاك التبذيري أو لأغراض التفاخر.
إن ضوابط السلوك الاستهلاكي السليم تؤدي بصورة مباشرة للحد من آثار تلك السلوكيات والعادات الاقتصادية الخاطئة، وتحقق للمجتمع مزيدًا من النمو والرفاه والاستقرار.
يسود عالم اليوم بدوله كافة، متقدمة كانت أو نامية، ظواهر سلوكية استهلاكية عدة، جعلت من الإنسان المعاصر مجرد آلة أو أداة استهلاكية، لا همَّ له إلا أن يقتل نفسه جهدًا ليزيد دخله ويحصل على ما يشتري به من أدوات استهلاكية مادية غير ضرورية، فرضتها على تفكيره وسائل الإعلام وفنون الإعلان، بزعم أنها مقاييس المكانة الاجتماعية ومصادر للهناء الفردي، ومن ذلك:
أولًا: ظاهرة المجتمع الاستهلاكي: والمجتمع الاستهلاكي مجتمع يسوده المال من حيث يلهث فيه المرء وراء الكسب ليتمكن من استهلاك أوفر ورفاهية أفضل، ومن حيث إن حركة الاستهلاك هذه موجهة بالفعل ومخطط لها بشكل مدروس ومبرمج.
وللأسف فإن العالم الإسلامي قد تحوّل إلى مجتمع استهلاكي تسوده تطلعات عارمة للثراء الفاحش على حساب كثير من القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية.
لقد فهم العالم المتقدم الصناعي أوضاعنا الدينية والاقتصادية والاجتماعية قبل غزوه لنا بفكرة المجتمع الاستهلاكي.
فمن الملاحظ أن العالم الغربي ومن خلال تبنيه لمبدأ حرية المستهلك، حريته في اختيار ما يشاء من السلع والخدمات، وحريته في توزيع دخله بين تلك السلع والخدمات، قد أكسب مجتمعه عادات استهلاكية سيئة نقلها إلى مجتمعنا الإسلامي المعاصر بوسائل عديدة ومن خلال وسائط مميزة.
ثانيًا: ظاهرة الشراء النـزوي: والشراء النـزوي هو شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري قبل دخول المتجر أو السوق.
وقد أصبح هذا النوع من الشراء عادة استهلاكية وظاهرة سلوكية نتيجة لحدوثها باستمرار خاصة بعد انتشار المتاجر التي تعرض السلع بشكل جيد وجذاب، وتستخدم أسلوب الخدمة الذاتية.
إن هناك العديد من الدراسات التي أثبتت أن 60% من قراراتنا قرارات نـزوية.
ثالثًا: ظاهرة حمى الشراء: إن الإدمان على الشراء لا يقل خطرًا ودمارًا نفسيًا عن خطر الإدمان على الكحول والمخدرات.
جاء في بعض التحقيقات الصحفية ما يلي:
تقول إحداهن: أنـزل إلى السوق وليس لدي نية للشراء، فخطرت على بالي أشياء فاشتريتها، وتقول أخرى: إننا نستسلم للإغراء، فنشتري ما لا نحتاج إليه، وتقول ثالثة دائمًا ما أشتري أشياء زائدة على حاجتي، وتقول إحدى النساء: إن السبب الرئيس الذي يكون وراء دفع النساء إلى الإفراط في إنفاق المال هو السعي الدائم منها من أجل الحصول على إحساسها بالرضا.
لقد باتت حمى الشراء والتسوق تستشري كثيرًا، لأن ضغوط الشراء الدعائية والتسابق من أجل رفع مستوى المعيشة وتسهيلات البيع وأسلوب العرض تتحكم في الإنسان، وقد أوقعت بأسر كثيرة في شباك هذا الهوس.
رابعًا: ظاهرة الاستهلاك التبذيري: حيث تنتشر هذه الظاهرة في بعض المجتمعات على شكل إسراف في الإنفاق على سلع ترفيه وكمالية.
وعادة ما يكون هذا النوع من الإنفاق والتبذير مقترنًا بمستويات عالية من الدخول.
إن الاستهلاك التبذيري إنفاق على سلع غير ضرورية وفي مناسبات غير ضرورية، يشوبه الإسراف والترف بقصد حب التباهي والظهور وتعويض نقص اجتماعي معين.
كما أن الاستهلاك التبذيري يعد استنزافًا للموارد والدخول، إذ هو إنفاق بدون عائد.
ويعد من جهة أخرى استهلاكًا غير ضروري يدخل في إطار إهدار الثروة.
وخطورة هذه الظاهرة أنها بدأت في الانتقال إلى ذوي الدخول المحدودة غير المدركين لحجم مخاطر هذا الاستهلاك.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
zrommany3@gmail.com