يجتهد كثير من ذوي الكفاءة والخبرة في البحث عن الوظيفة التي تناسب مؤهلاتهم وترضي طموحاتهم، في الوقت الذي يُفترض أن تحرص الجهات ذات الاختصاص -حكومية أو خاصة- على المبادرة في استقطاب الكفاءات واستثمار جهودها الاستثمار الذي يحقق عائداً مجزياً لها وتطويراً وتقدماً للجهات التي يعملون فيها.
ومع اجتهاد كثير من أصحاب الكفاءات في التقديم على عدة جهات لوجود شواغر وظيفية إما مُعلنة أو معروفة!! يتوقع أن يجد فيها سبيلاً سلساً لمستقبل يبني فيه نفسه ويخدم به وطنه ويرقى بمستوى الجهة التي منحته الثقة؛ إلا أنه وفي ظل الروتين الباعث على السأم التي درجت عليه كثير من الجهات والذي يبدأ -في معظم الجهات- منذ استلام الجهة طلب التقدم على الوظيفة دون تسلّم إثبات مادي على تسليمه ولا اسم الموظف الذي استلمه، والذي تكتفي فيه الجهة بوعد شفهي من الموظف مستلم الطلب بأنه سيتم الاتصال عليه في حال كان له نصيب في الوظيفة المعلنة.
ثم بعد انتظار يمتد أسابيع وأشهر وربما سنوات من الاتصالات والسؤال عن حال الملف الذي تم تقديمه وبعد إلحاح من صاحب الطلب قد يُحدد له موعد لمقابلة شخصية، فيستبشر على أمل أن استدعاءه للمقابلة إشارة خضراء وبوابة مشرقة لقبوله ولو مبدئياً للوظيفة.
فإذا حضر المقابلة وإذا به أمام عدد من الأشخاص وكأنما أنت في جلسة شاي!! دون معايير أو استمارات، يتدافعون الأسئلة كما يتدافع العلماء الفتيا!! وتسمع أسئلة واستفسارات غريبة وعجيبة لا تمت للوظيفة ولا إلى قياس الشخصية والفكر بصلة من قريب ولا بعيد.
ثم يخرج من المقابلة لا يدري عن حاله، ويتلقى وعداً آخر بعرض نتيجة المقابلة على اللجنة المُقرِّرَة، والتي تكون هي في غالب الأحوال من أجرتْ المقابلة!! ثم بعد انتظار وسؤال وتكرار يُفاجأ بأنه لم يكن جديراً بالوظيفة، والسبب الذي يجيب به المسؤول: أنه لم يجتز المقابلة الشخصية؛ دون أن يدري لماذا ولا كيف!!. مع أنه من حقه أن يعرف نتيجة مقابلته وسبب إخفاقه ومعايير عدم استحقاقه -إن وجدتْ-.
ناهيك عن العجب الذي يستحوذ عليه إذا علم أن الذي اختارته اللجنة الموقرة للوظيفة من يحمل مؤهلاً أقل من المطلوب وتقديراً أضعف وخبرات دون مستوى غيره من المتقدمين!!.
إن من حق المتقدم للوظيفة في ظل الشفافية التي تزعم كثير من الجهات أنها تتخذها لها شعاراً أن يعرف لماذا قُبل غيره ورُفض هو، ومن حقه في ظل تأكيد المقام السامي على مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص أن يحظى بالوظيفة الشاغرة التي تتوافق مع مؤهلاته، ومن حقه في ظل تقرير وزارة الخدمة المدنية عن تجاوزات بعض الجهات في منع مستحق الوظيفة من الحصول عليها أن يجد من يسمع له إذا تظلّم وهو صاحب حق.
إن واقع كثيرين يشهد أن معظم من يحمل المؤهلات والكفاءة والخبرة ثم لا يجد وظيفة ولو حتى من تلك التي يُعتبر ما لديه أعلى منها بسبب عدم اجتيازه المقابلة الشخصية قد تمت مقابلته نعم ولكنها مقابلة خالية -غالباً- من المعايير المهنية الصحيحة والتقييم الرقمي المنصف، وفي حال الزعم بوجود شيء من ذلك؛ فإن من حقه أن يطلع على بنود المقابلة التي أُجريت له، والدرجة التي استحقها في كل بند.
ويكون تقييمه الحقيقي من منطلق شهاداته وخبراته وفق الاحتياجات الوظيفية بعيداً عن الآراء الشخصية؛ إذ ليس المتقدم للوظيفة صهراً يتطلب الرضى عن نسبه وشكله ومستواه الاجتماعي و...!!.. في وظيفة لا تحتاج تلك المؤهلات!!.
ولنفرض أنه إذا كان لديه حاجة للتأهيل أو مزيد تدريب في أحد الجوانب أن يسعى لاستيفائه واجتياز المسوغات الوظيفية في مرات قادمة. ثم إن على كل مسؤول يُكلَّفُ بإجراء مقابلات شخصية للمتقدمين للوظيفة أن يتقي الله تعالى، وأن يعلم أن الله مُطّلع عليه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن تعيين الأقل في ظل وجود الأكفأ لأسباب شخصية أو نفعية ظلم للمتقدم وخيانة لأمانة من ولاه الأمر، وخفض للكفاءة والجودة على مستوى الوطن والمواطن.
وليكن على يقين أن عدم تعيين الأكفأ ظلم له ولنفسه ولصاحب العمل، وأن الله وعد المظلوم بالنصر ولو كان كافراً!! فكيف بالمسلم؟.. وليته لا ينسى أن الأيام دُولة، وأن الدهر قُلّب، وقد تدور الدائرة عليه في وقت يمكر هو فيها بخلق الله و يأمن من مكر الله!!.
لقد بدأت بعض الجهات مشكورة بتخصيص بوابة إلكترونية للوظائف المعلنة، والتقديم الآلي ولكنه إجراء لا يزال بحاجة لمزيد من الضبط، والشفافية والدقة والإنصاف.
إنها لفتة أتمنى أن تجد حيّزاً من اهتمام أهل الاختصاص من مؤسسات وأفراد. ودعوة للإنصاف والعمل بما يُرضي الله؛ لأن ذلك يُسهم في تحقيق أهداف المؤسسات ذات العلاقة وزيادة إنتاجها ورفع مستوى خدماتها ومعايير جودتها.
كما أنه يسهم في تعزيز الانتماء لوطن يسعى أفراده إلى خدمته ويجد فيه ما يحقق له الكفاية النفسية والمالية والمهنية.
ويُعطي للآخرين حقوقهم التي كفلها لهم النظام واستطاعوا بجدارتهم أن يحققوا ما عجز عنه الآخرون من مستويات تعليمية متقدمة وشهادات خبرة ودورات تدريبية. ويحفز على التميّز الذي بسببه يستحق صاحبه ما لا يستحقه غيره.
ويدفع إلى رفع الهمم وشحذ العزائم للتفوق. ويعطي صبغة حضارية تطمح للمعالي بالتفوق والتألق المبني على معايير منافسة صحيحة ومنتجة تحقق للمجتمع بأسرة تنمية مستدامة واكتفاءً ذاتياً في شتى المجالات، أقول هذا وأنا لا أعمم، فهناك جهات وأفراد ومؤسسات في كل من القطاع العام والخاص لا ينطبق عليهما هذا الكلام، بل إنها تمثل صورة جميلة في أدائها وعدلها وهو ما نتمناه ونريده من الجميع.