لا شك أن تربية الأولاد من أهم الركائز الأساسية التي تقوم عليها التربية الإسلامية، ذلك لأن الأولاد هم أول من يمثل الأسرة بعد الوالدين، ثم يخرجون إلى المجتمع بسلبياتهم وإيجابياتهم ومن خلال ذلك نستطيع أن نحكم على هذه الأسرة ثم على هذا المجتمع من خلال تربية هؤلاء الأبناء. إن تربية الأبناء مسؤولية عظيمة يشترك فيها الوالدان في المقدمة والمدرسة والمجتمع عموما، ثم لا نغفل دور الإعلام المقروء والمسموع والمرئي الذي لاشك أيضا أن له مسؤولية عظيمة في بناء هؤلاء الأجيال وتربيتهم، فكل من هؤلاء يكمل الآخر ولا نحدد المسؤولية على نوعية واحدة لكن هناك بعض الاختلافات في المسؤوليات تجاه تربية هؤلاء الأبناء كل حسب مسؤوليته وتأثيره ولن أتطرق إلى ذلك، فكل مسؤولية واحدة من هذه تحتاج إلى مقال خاص لكنني سأتطرق إلى المسؤولية الملقاة على الجميع وفي المقدمة كما ذكرت يأتي دور الأسرة المتمثل في الأبوين ودور كل منهما في تربية هؤلاء الأبناء وان كلا من الأبوين له دور يختلف عن الآخر في التربية بحكم المسؤولية الخاصة التي يختلف فيها الأب عن الأم في هذه التربية ولن أتطرق إلى هذا مطولا حيث إنه يحتاج إلى مقالات كثيرة، لكن ما أريد قوله في هذه العجالة أن على الأسرة مسؤولية عظيمة ولن أتحدث كثيرا عن هذا الموضوع قبل قراءة أوامر ربنا سبحانه وتعالى في هذا المجال قال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ} (سورة يس 10).
ومعنى هذه الآية والله أعلم أنه سبحانه وتعالى لا يكتب للمرء أعماله فقط بل يجزيه أيضا عن آثاره بعد موته إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ولما كان الأولاد من أعظم آثار المرء لذلك فإنه تعالى يكتب لأبويهم ثواب ما يعملون من حسنات دون أن ينقص من حسناتهم شيئا كما يكتب لأبويهم سيئاتهم إذا أهملوا تربيتهم ويقول الله سبحانه وتعالى أيضا في هذا الموضوع {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (سورة التحريم 6).
ثم يقول أيضا {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان 74). فالمؤمنون الواعون حريصون على أن تكون ذرياتهم صالحة لتكون قرة أعين لهم وذخرا في حياتهم وبعد مماتهم، فما أشقى الذين يهملون تربية أبنائهم وبناتهم، كما أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول "ما معناه" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وولده ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته).
والشاعر يقول في أهمية الأم ودورها في التربية
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
نما وأورق أيما إيراق
الأم أستاذ الاساتذة الالى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
فالأولاد إذا أمانة كبرى استودعها الله سبحانه وتعالى عند الوالدين ليحافظا عليهم ويسدد خطواتهم في مناهج الحق والصواب ولينميا عقولهم وأجسامهم على أقوم المبادئ التهذيبية والصحية، ولذا يؤكد بعض الحكماء على أهمية التربية للأولاد حيث يقول " ماذا تقصدون أيها الإخوان المواطنون وأنتم تبذلون أقصى الجهد في جمع الثروة بينما لا تكادون تولون الرعاية لأطفالكم وهم من ستؤول إليهم الثروة يوما ما. ولذا فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو لوم الوالدين على ما قصروا في تربية أولادهم، ذلك لأن المنزل هو البيئة الأولى التي يترعرع فيها هؤلاء الأولاد ويأخذون منها المبادئ والعادات والأخلاق ولاشك أن هذه حقيقة لا جدال فيها إلا أن المنزل في عصرنا هذا لم يعد له كل هذا الدور في توجيه الأولاد وتربيتهم بل يشترك معه مؤسسات أخرى كما ذكرت في مقدمة هذا الحديث، فالأطفال يذهبون إلى المدرسة وهم لا يزالون في دور التأثير والقابلية بما يسمعون أو يشاهدون، لذا فإن المدرسة شريكة كبرى للمنزل في التوجيه والتأثير وتكييف السلوك سواء كان ذلك بالسلب أو الإيجاب، إن الأمم لا تقاس بالعدد وإنما تكثر بالنصر وتقل بالخذلان، أي أنها تقاس بالنتائج التي تحققها في مجالات النصر والتفوق الحربي والصناعي والمعنوي، يقاس ذلك بما غرست المدرسة في نفوس أبنائها من الإيمان بالله والثقة بالنفس وطلب بذل الغالي والرخيص في إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى. ثم تأتي بعد ذلك أدوات التوجيه الأخرى من المجتمع ووسائل الإعلام التي تدخل حياتهم وتعمل عملها في توجيههم، والتأثير على سلوكهم، وبهذا فإن المنزل كما ذكرت سابقا لم يعد وحده صاحب السلطان المطلق في التربية وتوجيه الأبناء ولم يتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك بل يشترك مع عدة عوامل أخرى التي أصبح الوالدان في حاجة ماسة إلى أن تتظافر معهم تلك العوامل لإحاطة هؤلاء الأبناء بسياج من حسن التربية والتوجيه والإرشاد حتى تكتمل كل هذه الجهود في تنشئة جيل مؤمن قوي سلاحه الأول والأخير تقوى الله ومخافته. إننا في الوقت الحاضر نمر بمرحلة خطيرة جدا فيها التقدم الفني والتطور الفكري ما يشمل كثيرا من جوانب حياتنا ولذا أصبح علينا لزاما نحن الآباء والمربين أن نشارك في صنع هذه المرحلة، وأن نعمل ما في وسعنا في توجيه أولادنا التوجيه الإسلامي الصحيح الذي أمرنا الله به سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (الآيات من 13 حتى 19 من سورة لقمان). إن تبصير الأبناء بكل ما يؤدي بهم إلى الطريق المستقيم الذي يعينهم على التمسك بالقيم الدينية والخلقية التي تجعل منهم رجالا يضعون المستقبل المشرق لهذه الأمة بإذن الله، وهذا ولا شك أمانة عظيمة ومسؤولية كبرى على الجميع ومن العدل ومن واجب الشعور بالمسؤولية، كل على قدر اختصاصه التي ألقاها الإسلام على عواتق المربين جميعا من والدين ومعلمين وخطباء مساجد وكتاب وخلافهم حتى تشترك تلك الجهات جميعا ذلك لأن لها مساسا مباشرا بالتربية والتوجيه مع الآباء وألا يتركوا لوحدهم يعيشون المسؤولية العظيمة وهم يحاربون جهات مختلفة أخرى، فنحن حينما نجعل المسؤولية على الأب لوحده في توجيه أبنائه فللحق والعدل أننا نظلمه في الوقت الحاضر، وذلك لكثرة المسؤوليات الأخرى الملقاة على عواتق جهات أخرى في التربية ويبين لهم المساوئ وخلافه، نجد أن صاحب البقالة مثلا من العمالة الوافدة يحاول أن يوقع بهؤلاء الأطفال في شرب الدخان ويضع لهم الإغراءات المختلفة حتى يقعوا ومن ثم يعيش الأب في دوامة لوحده، ولا يجد أحداً يساعده، ونجد كل يكيل له اللوم على تفريطه وعدم تربيته.. فبالطبع لا شك أن عليه مسؤولية لكنه ربما يكون عاجزا، ولذا فإن إشراك المسؤولية من الجهات المختلفة في الوقت الحاضر أمرمهم جدا في مسؤولية المدرسة في التربية إذا كان بها معلم وللأسف محسوب على التربويين وهو منهم بعيد !! وما مسؤولية الخطباء في المساجد إذا لم يعرفوا حقيقة التوجيه والإرشاد وما مسؤولية وسائل الإعلام التي تحارب ما يلقنه الآباء والأمهات لأطفالهم، وما مسؤولية المجتمع إذا كان الطفل ينخرط فيه بأي أسلوب من الأساليب فيكتسب من العادات المختلفة بسلبياتها وإيجابيتها كذا فإن من مصلحة امتنا الإسلامية أن ترتبط بين النشء والقرآن في كل أمور الحياة وهذا أمر حتمي لأن كلام الله سبحانه وتعالى هو الأساس في يقظة النفوس وتفتح العقول ونقاء القلوب وهو الأساس في إقامة مجتمع طاهر نظيف يسمو بدوافعه ويوزع طاقاته بين السماء والأرض وبين الدنيا والآخرة وبين الحاضر والقادم وهو الأساس في إعطاء الفرد كيانه واعتباره والاعتناء بعقله وضميره وتهيئة أسباب الحياة الحرة الكريمة له وضمان كلما يحقق العزة والقوة لذاته.
وبهذا كله ثم بتوفيق الله سبحانه وتعالى تقضي الأمة على أسباب الضعف والانحدار في نفوس أبنائها وتتخلص من المؤثرات الأجنبية التي سيطرت عليها منذ أمد بعيد وتتبوأ مكان القيادة في العالم وتكون خير أمة أخرجت للناس.
آمل من الله العلي القدير أن نكون جادين في تربية أبنائنا على كتاب الله وسنته تجاه هذا النشء، فهم فلذات أكبادنا تمشي على الأرض. متمنيا للجميع التوفيق والسداد. والسلام عليكم.