إلى جند بلاد الحرمين وحلفائهم، رجال عاصفة الحزم..
أوصيكم بتقوى الله، اغزُوا في سبيل الله، فقاتلوا أعداء الله، فإنَّ الله ناصرٌ دينَه، ولا تغدِروا، ولا تجبنوا، ولا تُفسدوا في الأرض، وأطيعوا، ولا تعصوا من ولاه الله أمركم واعملوا بطاعة الله، وتناهوا عن محارمه، وأنتم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه، ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين، والجد والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه، قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله تعالى رشده، فإن الله تعالى مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه، فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله تعالى من النصر والشهادة، واحذروا الاختلاف والتنازع والتثبيط فإنه من العجز، والضعف الذي لا يحبه الله تعالى، ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر.
وجددوا نياتكم وأخلصوا فأنتم تدافعون عن الإسلام وبلاد الإسلام وترفعون الظلم عن إخوانكم وتنصرون الضعيف، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن أعرابيا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه البخاري ومسلم، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه) رواه أبو داود وهو حسن.
واعلموا أنكم في رباط في سبيل الله، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها. رواه البخاري ومسلم.
وعن سلمان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان. رواه مسلم، فرباطكم وذهابكم ومجيئكم خير من الدنيا وما فيها، وسبب لاستمرار العمل بعد الموت والأمن من فتنة القبر.
وأنتم تحرسون تذكروا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله». رواه الترمذي وهو صحيح.
وليتذكر كل من يخرج ويرجع في قتال العدو، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد -يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. رواه البخاري ومسلم.
وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت. رواه مسلم.
واعلموا أن دعاءكم مستجاب، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الغازي في سبيل الله والحاج إلى بيت الله والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم. رواه ابن ماجة وابن حبان وهو حسن.
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلّما ترد على داع دعوته، عند حضور النداء والصف في سبيل الله. وفي لفظ (ثنتان لا تردان أو قال ما تردان، الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعض بعضا). رواه أبو داود وهو صحيح.
وقد ضمن الله الجنة للمجاهدين لإعلاء كلمة الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك، والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل. رواه مسلم واللفظ له ورواه مالك والبخاري والنسائي ولفظهم: تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق بكلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة.... الحديث
ومن أصابكم من غبار أو مشقة أو جهد فهو سبب للنجاة من النار، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم. رواه الترمذي وهو صحيح.
وعن عبدالرحمن بن جبر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار. رواه البخاري.
ورواه النسائي والترمذي في حديث، ولفظه: من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار، وسيكتب الله لكم كل ما تلقونه في ميزان حسناتكم، قال الله تعالى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (120-121 سورة التوبة).
وليبشر كل من قاتل في سبيل الله ولو سويعات، فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك. رواه أبو داود وهو صحيح.
وليبشر كل من رمى العدو بهذه البشارة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله فبلغ به العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة، ومن أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار عضوا بعضو. رواه النسائي بإسناد صحيح.
وروى ابن ماجة: من رمى العدو بسهم فبلغ سهمه أصاب أو أخطأ فعدل رقبة، وعن معدان بن أبي طلحة رضي الله عنه قال: حاصرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطائف فسمعته يقول: من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة) رواه ابن حبان وهو صحيح.
وليحذر المجاهد من شياطين الإنس والجن الذين يثبطون عن الجهاد، وليثق بوعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن سبرة بن الفاكه -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الجهاد، فقال تجاهد وهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال فعصاه فجاهد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة). رواه النسائي وهو صحيح.
وليبشر كل من جرح في سبيل الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من جرح جرحا في سبيل الله، جاء يوم القيامة ريحه كريح المسك ولونه لون الزعفران، عليه طابع الشهداء، ومن سأل الله الشهادة مخلصا أعطاه الله أجر شهيد وإن مات على فراشه. رواه ابن حبان وهو صحيح.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون دم والريح ريح مسك. وفي رواية: كل كلم يكلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها يوم طعنت، تفجر دما، اللون لون دم والعرف عرف مسك. رواه البخاري ومسلم.
وليبشر كل من تشرف بالشهادة، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وإن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة، وفي رواية: لما يرى من فضل الشهادة. رواه البخاري ومسلم.
واعلموا أنكم لا نصر لكم ولا تأييد ولا قوة إلا بالله، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي وأنت نصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل. فكرروا هذا الدعاء واستعينوا بالله وتوكلوا عليه حق التوكل فهو ناصركم ومؤيدكم وحافظكم قال الله تعالى: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) سورة آل عمران، وتذكروا دائما قول الله تعالى عن صفوة خلقه: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (146-147) سورة آل عمران، فلم تلن عزائمهم ولم تضعف نفوسهم، وسألوا الله مغفرة الذنوب لعلمهم أن الذنوب سبب للهزيمة. ودائما رددوا قول المجاهدين في سبيل الله، قال الله تعالى: قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) سورة البقرة.
واعلموا أن الله اختاركم واصطفاكم بهذا العمل، فاحمدوا الله واشكروا له، فما يغنمه المؤمن من الثواب خير له من الدنيا وما فيها.
وفي الختام، أسأل الله تعالى أن يحفظكم ويثيبكم بثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، وأن يردكم بالسلامة إلى أهليكم وأولادكم وبيوتكم ويجعلكم قرة عين لأمتكم وبلادكم، وأن يدحر الله أعداءنا ويرفع الظلم عن إخواننا ويوفق ولاة أمرنا ويسددهم،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- أحمد بن صالح بن إبراهيم الطويان