مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
وصف الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى والباحث في الشؤون الإسلامية استقبال الناس لـ «عاصفة الحزم» بفرح وسرور واطمئنان وهذا الأمر جيد ومحمود، ذلك لأن المؤامرة الصفوية على المسلمين لم تعد أمراً خافياً على أحد وفي الزمن الماضي كانت المؤامرة الصفوية لا يدركها إلا أفذاذ العلماء، وفي الوقت الحاضر أصبحت هذه المؤامرة متضحة لكل ذي عينين عالم أو جاهل والذين ينكرونها إنما ينكرونها تعصبا لرأى معادٍ أو حزب.
ومضى د. السعيدي يقول : في عام 1400هـ لم يكن يدرك أبعاد المؤامرة الصفوية إلا علماء المملكة العربية السعودية وأخص العلماء الرسميين، حيث قام العلماء بمحاربة الثورة الإيرانية التي تسمى «ثورة الخميني» حاربوها فكرياً بكل الوسائل حتى إنهم استكتبوا الباحثين وقد كتب الباحث عبد الله الغريب، كتاباً كبيراً اسمه: «وجاء دور المجوس» يتحدث فيه عن الثورة الخمينية، وكان يوزع مجاناً في المملكة، وهو كتاب يتحدث فيه عن حقائق تاريخية وعن الفكر الصفوي، وقام الإيرانيون باستئناف مشروعهم القديم وهو مشروع التقريب بين السنة والشيعة وهو مشروع أسس في الأربعينات الميلادية ما يعرف بـ«بيت التقريب» أو «دار التقريب» ونشط هذا المشروع وأصبحت الحكومة الإيرانية تدعم المشروع، وأمام هذا النشاط الكبير جعل الفكر السلفي في المملكة العربية السعودية يحذر من المد الصفوي وجعلها تضعف.
فانتقلت إيران إلى النشاط العسكري في اليمن وغيرها، بدأ الناس يعون شيئاً فشيئاً حتى أصبحت إيران تجاهر بهذا الأمر ولا تخفى كلمة «علي شامخاني» حينما قال بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين قال: إن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية وإنها وصلت إلى مياه البحر المتوسط.
وبعد دخول ما يسمى الحشد الشعبي وهو حشد إيراني وتكلم بعض النافذين في مكتب «علي خامنئي» مرشد الثورة الإيرانية وقال بلسان صريح: إن الدولة الفارسية استعادت العراق عاصمة لها حينما اتضح هذا الأمر للناس وعرفوا حقيقة الخطر على دينهم وأمتهم وجدنا هذه الفرحة الكبيرة الإيجابية وأتت في وقتها، لأن هذه الحملة حققت مراد النفوس، حينما كان الناس يشعرون بالهزيمة تجاه إيران في كل مكان يتحدثون عن نشاط إيران ونجاحات إيران ويتحدثون عن فشل السنة في كل مكان، جاءت هذه الحرب وعوضت أشياء كثيرة في نفوس الناس.
ونبه د. محمد السعيدي إلى أن هناك أمرا مهما يجد التقصير فيه من الناس وهو كثرة الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى، لأن أي أمة تنظر إلى قوتها وحسب، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يؤدّبها، ونحن نعلم أن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلَّم - قد بشره الله سبحانه وتعالى بالنصر في معركة بدر منذ كان في مكة حينما قال الله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (45) سورة القمر، ومع ذلك فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلَّم - يرفع يديه يوم بدر ويقول: « اللهم إن تهزم هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً «.
ويقول وعدك الذي وعدت حتى سقط رداءه عن كتفيه الشريفتين ورفعه أبو بكر - رضي الله عنه - وقال: حسبك يا رسول الله لقد ألححت على ربك. وانتصروا في المعركة. وأخبرنا الله في بني إسرائيل ومعروفة قصة النهر، جاء بنو إسرائيل ليقاتلوا فقال لهم نبيهم: إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنه منّي إلا من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلا قليلاً. الذين لم يشربوا منه هم صفوة بنو إسرائيل ومبشرون مع نبيهم، فعلّمنا الله أدب الحروب قال: {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامنا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (250) سورة البقرة.
دعوا الله ولم يتباهوا بأنفسهم. وكذلك في قصة حنين فيه من العبر والدروس، الذي ينقص في استقبال هذه الحرب هو كثرة الضراعة إلى الله، وهذا ليس واجب الجنود وحدهم بل واجب على الجميع، والنصر نصراً لنا، والنبي - صلى الله عليه وسلَّم -يقول: (لا تتمنوا لقاء العدو فإذ لقيتموهم فاثبتوا) والنبي - صلى الله عليه وسلَّم - علمنا من سيرته أنه لا يتشوف لقتال الناس بل يتشوف لدعوتهم، ومع ذلك قد تكون الحرب حلاً لأن العدو يمنع الدعوة، كما حصل جهاد الطلب في العصور الأولى.
وتساءل د. السعيدي.. هل الحوثيون يستحقون الحرب عليهم؟ الجواب: نعم.
والسبب القرآن الكريم، وقياس الأولى
أما القرآن قال الله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فإنَّ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأخرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (9) سورة الحجرات.
قد يقول قائل هذا في المؤمنين؟ فنقول: نعم، إذا كان الله أمرنا بقتال باغي المؤمنين، هذا المؤمن الكامل، يعني معنى ذلك ليس مبتدعاً أو منحرفاً دينياً وليس له مشروعات، فما بالك بالباغي الذي اجتمع مع بغيه آفات أخرى، فقد اجتمع مع بغيهم انحراف ومشروع صفوي وقتل وتشريد وغير ذلك، وكلها اجتمعت في طائفة الحوثيين.
بدأ الحوثيون بالتسليح، وكان مشروعهم سنة 93 ميلادي، ثم خرجوا على الناس واستحوذ على مدينة صعدة وما جاورها وطردوا أهلها وسلبوا أموالهم، ومع ذلك هم يحملون مشروعاً إيرانياً الذي يرمي لاستولى على الحرمين الشريفين، وإلى جعلها منبراً للرفض.
وفي رأيي لو استشرت بأن تقوم المملكة العربية السعودية بالحرب على الحوثيين..
لأشرتُ بالمنع!
لماذا؟
لأن الدعاية الكبيرة والتهويل بالإيرانيين، أخاف الناس وزعزع قلوبهم فتعاظمت قدرة إيران في أعيننا وظننا أن المفروض إيجاد حل آخر غير الانسياق للحرب.
ولكن حينما قامت «عاصفة الحزم» وجدنا أن المملكة العربية السعودية، أعدت لها إعداداً عسكرياً متميزاً وإعداداً سياسيا أكثر تميزاً، وهذه الحرب لحماية السنة وقطع المشروع الإيراني، ومما يسعدني كثيراً حيث قال السفير السعودي في واشنطن: أمران لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتفاوض عليها (العقيدة والأمن).
ولكل حرب مخاطر، ونحن ننظر حتى الآن إلى الوجه الجميل من هذه الحرب وذهول العالم وذهول إيران والصدمة التي أصابت إيران، ستكون هناك عقبات وستكون هناك أخطار، فلنحذر أن نتضعضع أو نخضع بل نكون يد واحدة ولا نيأس ونلح على الله بالدعاء. اللهم احفظ أمننا وعقيدتنا.. اللهم احفظ أهلنا في اليمن.. اللهم أمين.