بكل تأكيد أن القانون الدولي العام يهدف إلى تنظيم علاقات الدول فيما بينها ويصب جل نظرياته حول تحقيق الأمن والسلم الدولي وهذا الأمر لم يمنع الدول من استخدام حقها المشروع في الدفاع عن شعبها وأرضها ومكوناتها السياسية والاقتصادية والجغرافية أو الدفاع عن الشرعية الدولية وحماية الأبرياء من القتل والاضطهاد وخاصة إذا كان استخدام هذا الحق يهدف إلى تحقيق أمن وسلم إقليمي ويدفع ضرراً حقيقياً عن مواطنيها ومواطني دول أخرى.
لقد ظهر مفهوم الحرب العادلة في الأطر الفقهية للقانون الدولي قبل إنشاء ميثاق الأمم المتحدة وحتى بعد إنشاء الأمم المتحدة أصبح مفهوم الحرب العادلة أكثر اتساعاً وشمولاً ليكون دفع الضرر جزءاً أصيلاً من مسببات الحرب العادلة. لقد حاول فقهاء القانون الدولي التفريق بين الاستخدام المشروع للقوة المسلحة والاستخدام غير المشروع, فتأصلت العديد من النظريات وتنوعت في مفاهيمها ومخرجاتها ولكن جميعها اتفقت نحو معايير محددة لاعتبار أن الحرب التي تخوضها الدولة مشروعة وعادلة. أول هذه المعايير عدالة القضية وتعني أن القضية التي تخوض من أجلها الدولة أو مجموعة من الدول حربها لا تخرج عن نطاق القانون الدولي فتكون إما من أجل الدفاع عن ضرر حقيقي يستهدف كيانها السياسي والوطني أو وجود طلب قانوني من الحكومة الشرعية في الدولة أو منظمة دولية لحماية الأبرياء من الاعتداءات الوحشية وارتكاب جرائم الدولية بحقهم. ثانياً معيار النسبية أي أن المنافع التي تهدف إليها الحرب هي حماية القضية العادلة وتكون هذه المنافع أكثر من المفاسد التي ستحدث إذا لم تخض الدولة أو مجموعة من الدول حربها العادلة. ثالثاً معيار النية الحسنة بمعنى إن الدولة تخوض حربها فقط من أجل قضيتها العادلة وليس من أجل توسيع أراضيها وكسب مقدرات اقتصادية. وأخيراً معيار الحل الأخير بمعنى أن الدولة اتخذت كافة الوسائل السلمية التي من شأنها أن تساهم في حل الإشكال والتهديد المتحقق ضدها ولم تجد تجاوباً حقيقياً أو تخاذلاً من قبل الطرف الآخر في الوصول إلى حلول سلمية حقيقية.
في عاصفة الحزم نجد أن تلك المعايير متسقة مع غاية هذه العمليات العسكرية ومسبباتها فعندما ننظر إلى المعيار الأول وهو عدالة القضية نجد أن القضية التي نشأت من أجلها هذه العمليات يجتمع فيها عنصران أساسيان: أولاً وجود استدعاء قانوني من قبل الحكومة الشرعية في اليمن برئاسة الرئيس عبد الرب منصور التي وصلت إلى سدة الحكم بطرق قانونية وتحت إشراف الأمم المتحدة: لصد انقلاب دموي على الشرعية الدولية في اليمن وتبني الانقلابيين الحوثيين ومن يساندهم من قوات المخلوع علي عبد الله صالح سياسة القتل وسفك دماء ضد كل من يعترض على هذا النهج وبالتالي هناك انتهاكات خطيرة وممنهجة بحق الشعب اليمني من أجل السيطرة على المؤسسات الحكومية ومقدرات الدولة اليمنية. العنصر الثاني الدفاع المشروع للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي نحو توسع المشروع العدائي للحوثيين ومن يدعمهم فلغة التهديد والوعيد التي تبناها زعماء المسلحين الحوثيين نحو المملكة ظاهرة وواضحة قبل بدء عاصفة الحزم ونحن لا نغفل المناورات العسكرية التي قام بها الحوثيون على حدود المملكة بتاريخ 10 مارس، فضلاً عن اعتداء سابق على أراضي المملكة من قبلهم وحدث هذا قبل أن يكون لهم سيطرة على المؤسسات العسكرية في اليمن فما الذي سيحدث عند سيطرتهم على الأسلحة وعتاد الجيش اليمني. الأمر لا يختلف كثيراً في معيار النسبية فما الذي سيحدث لو تركت المملكة ودول المجلس الحوثيين يسيطرون على مقدرات الدولة اليمنية بانقلاب على الشرعية بكل تأكيد أن هذا الأمر يساهم في كسر إرادة الشعب اليمين وكذلك يخلق تهديداً مباشراً لأمن المملكة والمنطقة وتعريضها للخطر وبالتالي فالمملكة ودول المجلس وحلفائهم يدفعون بهذه العمليات العسكرية نحو صد الضرر وليس نحو توسيع جغرافيتها أو الحصول على المقدرات الاقتصادية للشعب اليمني وهذا تأكيد فعلي لوجود معيار النية الحسنة في عمليات عاصفة الحزم. أما على جانب معيار (الحل الأخير) فإن المملكة وأشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي ومنذ اللحظات الأولى للانقلاب الحوثي وبالتحديد في أوائل شهر مارس قدموا مبادرة للحوار بين الأطياف اليمنية ومنهم الحوثيين أنفسهم والحكومة الشرعية للرئيس عبد الرب منصور وحاولت المملكة وأشقائها في الخليج إيقاف الانقلاب الحوثي والتهديد الحقيقي لأمن المملكة من خلال الوسائل السلمية المتعددة سواء بالدعوة إلى الحوار أو الدعملسلمي للشرعية في اليمن ومع ذلك لم تجد هذه المحاولات استجابة فعلية من قبل الحوثيين أو ميلشيات المخلوع علي عبدالله صالح.
أما على جانب قواعد القانون الدولي وباعتبار أن ميثاق الأمم المتحدة هو المضمون الدستوري للعلاقات الدولية فإن المادة 51 من الميثاق وضعت المبدأ المتأصل للدول في حقها المشروع للدفاع عن نفسها من خلال استخدام القوة المسلحة، هذا المبدأ كرس حقاً طبيعياً للدول لا يقبل الجدل والطعن في استخدام القوة المسلحة عندما يكون هناك تهديد حقيقي لكيانها السياسي والوطني. إضافة إلى ذلك فإن المادة 52 من الميثاق أعطت المنظمات الإقليمية كامل الصلاحية في معالجة أي خرق قانوني أو تهديد للمنطقة الإقليمية التي تعمل فيها المنظمة، وهذا ما يتحقق في إطار مجلس التعاون الخليجي حيث إن التحالف الدولي المؤسس من قبل دول المجلس يعمل في فحوى هذا التصريح الممنوح قانونياً من قبل الأمم المتحدة لدول المجلس الذي يستند على استدعاء قانوني من الحكومة الشرعية لليمن تم توجيهه بشكل خاص إلى مجلس التعاون الخليجي وبشكل خاص وإلى المجتمع العربي والدولي بشكل عام.
وهكذا يتضح أن عاصفة الحزم لا تخرج عن نطاق المشروعية القانونية في عملياتها العسكرية من حيث الغاية والمضمون، حيث إن المملكة ومن معها من قوات التحالف الصديقة تمارس حقوقاً طبيعية في إطار القانون الدولي وتستند على مبادئ هذا القانون في تحقيق الأمن والاستقرار للشعب اليمني أولاً وثانياً في دفع الضرر عن الكيان السياسي والوطني للمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي وحماية شعوبهم وتحقيق الأمن والرخاء لهم ومواصلة أوجه التنمية المستدامة.
- د. يحيى بن عبد الله الشمري