في يوم الأحد الموافق السادس عشر من شهر جمادى الآخرة من هذا العام فقدت الساحة الأدبية والثقافية علماً من أعلامها المتميزة والمخلصة الشاعر الكبير وابن جازان البار حسين بن جبران كريري، عُرف -رحمه الله- بحبه للشعر وتراث وطنه ومنطقته جازان، يمتاز شعره بقوته وجزيل وغزير معانيه وتأثيره في النفس، كان فناناً مبدعاً يرسم بشعره أجمل اللوحات الفنية التي تتحدث عن نفسها. تعاملت معه عن قرب بحكم عملي كإعلامي، جالسته وتناولت زاده في بيته عندما كان يسكن في سكن كلية الملك عبد العزيز الحربية بالعيينة، كذلك بعد إحالته إلى التقاعد في منزله بحي العريجا. رجل بسيط كريم مضياف خلوق جمعتني به صفة واحدة وهي حب الصراحة التي كانت شعاره، لذلك هُضم حقه إعلامياً وثقافياً.
تميز بالعديد من الأغنيات الوطنية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نشيد «مشع النور» للفنان صاحب الصوت المميز القوي محمد عمر، ونشيد «المجد الشامخ» الذي غناه الملحن والفنان الموسيقار محسن مهدي، ونشيد «رياض المجد» لعبد الله رشاد. كما قدم شعراً رائعاً خليجياً من خلال أوبريت الخليج العربي الذي قام بغنائه ستة فنانين خليجيين.
وعبر الأعمال الدرامية قدم من تأليفه ومشاركته كممثل المسلسل التراثي الذي يحكي التراث الجيزاني (مسلسل السراج) الذي صور في الرياض لظروف، حيث لم يكن راضياً وكان يريد تصويره بجازان لكنه -رحمه الله- عوض ذلك بالإشراف بنفسه على بناء القرية التراثية الجيزانية في حي الحائر بالرياض. هذا العمل المميز شد ونال إشادة كل من شاهده، وقد لعب بطولته الفنان حمتو ساعاتي وعبد الرحمن الخريجي والدكتور نايف خلف والممثلة البحرينية لطيفة المجرن والفنانة البحرينية فضيلة مبشر وناصر القصبي من إخراج خالد الطخيم.
كما قدم نشيداً وطنياً في مديح ووصف الملك الراحل فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - حمل اسم (توأم الجود).
كما قدم مسلسلات عديدة منها قطار الزمن، ومسلسل أدبي بالفصحى (نفائس الأدب)، ومسلسل «صور اجتماعية» بطولة عبد الرحمن الخريجي وشيماء سبت والفنانة اليمنية الراحلة مديحة الحيدري وغيرهم، إضافة إلى عدد من الأعمال لدى التلفزيون مجازة لم تر النور حتى وفاته.
في مجال الشعر والدواوين له أكثر من أحد عشر ديواناً، منها: مجالس الأنس في صور من حياة الأمس، ونفحات من عبير الذكريات، ودموع لا يمسحها الزمن، وزورق الشوق، وعزف على أوتار الحب، وحنين وشجن، وأبهى العقود، وقصائد من الوجدان، وغيث الربيع، ووسم على خد القمر، وطيوف حالمة، إضافة إلى دواوين مسموعة.
يقول -رحمه الله ووالدينا ونحن وجميع موتى المسلمين- في وصف قريته:
رعى الله ماضيك يا قريتي
وحيا زمانا مضى واندثر
رعى الله أيام عهد الصبا
وزهو الشباب ولهو الصغر
رعى الله بيتا لنا عشة
تغطي سماها غصون الشجر
ومن ديوانه قصائد من الوجدان، يقول:
أيها الشادي الذي أسمعني
نغمة الذكرى ولحن الصغر
صوتك العذب يناجي وترا
في فؤادي يا له من وتر
هيض الذكرى لأيام الصبا
يوم كنا في الربيع النضر
في العام 1435هـ قام الأستاذ ياسين أحمد قاسم مدير الشؤون الإعلامية بإمارة جازان بإصدار كتيب عن الشاعر حسين أسماه (إبحار في أعماق البحار)، ضم سيرة الراحل وقراءة نقدية لمعظم أعماله الأدبية.
وكان الشاعر -رحمه الله- في آخر مكالمة لي معه قبل وفاته بأشهر طلب مني المرور عليه لكي أحصل على نسختي من هذا الكتيب الذي أتمنى من زميلنا العزيز ياسين تزويدي بنسخة منه حيث لم أجده بالمكتبات.
كان -رحمه الله- يلقبني بالصحفي والإعلامي المقاتل والمجاهد، كوني أبحث عن الخبر بعيداً عن المصالح أو المادة، وكانت شهادة لا زلت أطوق بها عنقي.
مما لا شك فيه أن الساحة الأدبية والثقافية في الوطن العربي عموماً والمملكة على وجه الخصوص فقدت علماً لا يعوض، فقد كان صادقاً ووفياً لوطنه، معظم دواوينه طبعها على حسابه.
قال عنه أحد أدباء جازان حسين جبران: لقد استخرج اللؤلؤ الثمين المختزن في داخل أعماق هذا البحر المتلاطم الذي غاص في بحور الشعر بكل أغراضه وأشكاله وأوزانه بحور القصة، وما تتطلبه القصة من خيال واسع وقدرات فينة متكاملة بحور الفن تمثيلاً ومتابعة وكتابة نصوص بحور الوصف وسعة خيالاته وتصوير جماله بكل أنواعه وصفاته بحور الإبداع، فهو شاعر الوطن وشاعر الحب وشاعر الوصف والجمال، تغنى في وطنه فأجاد وأبدع كثيراً.
رحمك الله أبا عبد الله وأسكنك فسيح جناته، عزاؤنا لأبناؤك وأسرتك ومحبيك ولكل المثقفين، وجمعنا الله بك في جنته.
- محمد بن عبد العزيز اليحياء