د. عبدالعزيز الجار الله
انتظرت صدوره طويلا لمعرفة ما سيكتبه الأستاذ عبدالله بن صالح العنيزان عن مدينته الرس المحافظة والبلدة التي شهدت ولادته قبل (60) عاماً، فقد أصدر الزميل العنيزان قبل أسبوع كتاب محافظة الرس (جغرافي - تاريخي - سكاني)، تأتي أهمية الكتاب من كون المؤلف العنيزان له سجلا طويلا في العمل الجغرافي من خلال موقعه السابق نائبا لمدير مكتب هيئة المساحة الجيولوجية بالرياض، والعمل في المساحة الجوية بوزارة البترول وهذا مكنه من مسح معظم مناطق المملكة، كما شارك في: إعداد وإنتاج خرائط الأساس للمملكة في معظم مقياس الرسم، شارك في لجنة تحديد خطوط الأساس للمملكة في البحر الأحمر والخليج العربي، ترسيم الحدود مع عمان، معاهدة الطائف ورسم الحدود مع اليمن، خرائط المنطقة المغمورة المقسومة مع الكويت. شارك في: إعداد أطلس المملكة المشروع الضخم الذي أصدرته وزارة التعليم العالي، كتاب دليل أسماء منطقة الرياض، موسوعة الأماكن بالمملكة، كتاب جزر المملكة، كتاب الربع الخالي، كتاب الحرات. بهذا السجل من المسح الجغرافي وبهذه الرؤية البانورامية الواسعة، والخلفية التاريخية والسكانية ألف كتابه محافظة الرس وهو ما كنت أنتظره لمدينة هي البوابة الشمالية الغربية للمنطقة نجد، البوابة التي كانت ممراً حضارياً عبرت من خلاله قوافل التجار والحجيج والغزاة الطامعين والحضارات المتعاقبة وكانت المنفذ الحضاري إلى المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة باعتبار الرس محطة التقاء لطرق القوافل القديمة التي تربط شرق العالم الإسلامي والعراق بأراضي المشاعر المقدسة، أيضا كونت لنفسها مركزاً للاتصال الحضاري مع ثقافة رأس البحر الأحمر وخليج العقبة وقناة السويس لتربطها بوسط الجزيرة العربية، من هذا الأفق الجغرافي والسكاني والتاريخي كتب عبدالله العنيزان كتابه العلمي الدقيق والغني بالمادة الجغرافية والمعلومات السكانية والتاريخية..
كتاب الرس وإن كان لمؤلف لمفرده المؤلف العنيزان إلا أن مادته العلمية تصل إلى العمل الموسوعي الذي تنفذه مؤسسات متخصصة في العمل الطبوغرافيا ورسم الخرائط لأن المؤلف غطى محافظة الرس بالخرائط (المقاسات) المختلفة والصور الجوية والمناظر الفضائية والوصف الطبوغرافي والجيولوجي الشامل، وصف العنيزان الرس حجراً حجراً: الأودية، الشعاب، المنخفضات، السهوب، العبل، الحزوم، التلال، الجبال، الهضاب. حتى الأحياء السكنية وصفها وأطال الوقوف عندها كأنه عاشقا ساح في بطاح الرس وقصورها القديمة، أحب ناسها وتراب أرضها ورائحة سهولها ونتؤات حزومها، هذه حالة العاشق لجغرافية المكان يغرق في التفاصيل حبا ويطيل في التضاريس لأنه يتعامل مع أرض أحبها طواعية، وأيضا لأن الأرض بالنسبة له روح ونبض ونفس فهذا حال من أحب مدينته يدفعه الحنين إلى مطامن الأرض والانحناءات التي تتحول إلى دوائر يصعب الانفلات منها.
أتمنى من كل باحث في مجال الجغرافيا والاستيطان أن يصدر كتابا عن محافظته أو مدينته بمثل المادة العلمية والمنهجية التي نفذ مؤلف كتاب الرس كتابه حتى نغطي جميع مدننا ومناطقنا، لأن لدينا نقصاً واضحاً في كتب جغرافية المكان التي تعتبر المكون الحقيقي للثقافة الشخصية، وهي كذلك -جغرافية المكان- نبض حياة المدن التي تعتبر واحدة من الرباط الخفي بين الإنسان ووطنه.