جولة وتصوير - عبدالله الهاجري:
«سأرخص نفسي للحفاظ على أمن دولتي. لن أسمح لأي عدو بالاقتراب من حدودنا، حتى وإن كانت النتيجة موتي». هذه كلمات جندي سعودي، يقف في آخر نقطة حدودية بين السعودية واليمن. كان يتحدث مع «الجزيرة» من قمة جبل مشرق بمنطقة جازان. فيما يقول عريف، يعمل بحرس الحدود، وتحديداً في مركز الحصن الحدودي بمنطقة عسير، الذي يشرف على جبال صعدة، وهي التابعة للحوثيين: «أنا هنا مشروع شهادة. رأسي موجَّه للأعداء. لن تخيفني أعيرتهم النارية، ولست في قلق عن أسرتي؛ أعلم بأن وراءهم دولة وقيادة وشعباً سيهتمون بهم. أن هنا لأحمي أسرتي - يقصد بأسرته المواطنين - وأحمي حدودنا، والموت هنا شرف». ويجمع عدد من زملائهم الذين تحدثوا لـ»الجزيرة» على أنهم هنا للحفاظ على «الدين، العقيدة، الوطن، الراية، الولاء والعهد تحت مظلة قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية».
«الجزيرة» جالت الشريط الحدودي بين السعودية واليمن من جهة منطقتي عسير وجازان، ووقفت بين الرجال البواسل في ميدان الشرف والعز والحماية. وضمن جولتي كنت أتتبع هؤلاء الأبطال، أتعرف على مشاعرهم وأحاسيسهم، كنت هناك أتلمس بطولاتهم وتضحياتهم، أشاهد بكل فخر حمايتهم حدود بلادهم، كيف أن همهم أن لا يقترب العدو من حدودنا. كانت الصورة الواضحة، هي أنهم نذروا أرواحهم فداءً للوطن.
ظللت أتتبع شجاعتهم، عين تراقب بمنظار حراري تلك الحدود، ويد تتسلح بالكلاشنكوف والآر بي جي، وتصوبهما على المعتدين. هناك رجال القوات المسلحة جنباً إلى جنب مع رجال حرس الحدود، لكل منهم وظيفته وعمله، يعملون بديناميكية مذهلة، لا يتقاطعون في العمل، هدفهم مشترك وواضح «الموت لمن يقترب من حدودنا». رجال القوات المسلحة بعرباتهم وآلياتهم وأسلحتهم الثقيلة ينتشرون في كل مكان، وإخوانهم من حرس الحدود يراقبون الوضع، ويتمعنون في كل شبر.. لم تُعِقهم هيبة الجبال ووعورتها، ولا تضاريسها الصعبة.. لم تكن الزواحف السامة مصدر قلق، ولم تُعِقهم الأجواء الغابرة التي تشهدها المنطقة.. والأهم أنهم كانوا يتصدون لنيران العدو بصدورهم، لم تجعلهم تلك النيران يختبئون خلف الصخور وبين الجبال كما يفعل العدو، بالعكس تماماً، كانوا مقدمين، يردون الصاع صاعين. صحيح أننا في حرب، ولا بد من ضحايا؛ فقد استُشهد لدينا بضعة رجال فقط، وفي المقابل كان هناك نحو 500 قتيل من العدو، وهنا نعلم حتى الآن أن النصر كان حليفنا والقوة هنا.
في جولتي كان هناك مراسلون من بعض القنوات والوكالات العالمية، كانوا في قمة انبهارهم وهم يشاهدون أبطالنا، وكانوا في قمة الاندهاش وهم يتحدثون عن هؤلاء الأبطال. يقول أحدهم: «قبل أن تملكوا السلاح القوي أنتم تملكون رجالاً يمتلكون الشجاعة والإقدام، لا يهابون الموت، ولا يخشون العدو، وهذا سبب رئيس لقوتكم العسكرية».
خلال الزيارة على الشريط الحدودي بين السعودية واليمن وصف أحد جنودنا البواسل الوضع فيقول: «نحن هنا نهتم بحماية حدودنا، وفي حال ملاحظتنا العدو من خلال تحركاتهم المسلحة نرد عليهم فوراً، ونردعهم فيعودون أدراجهم. إنهم جبناء». ويضيف زميله «جميعنا يد واحدة، نعمل وسط هذه الظروف، لا نهاب أحداً، ولا نخشى الموت، بل نسعى للشهادة دون الدين والوطن». ويعلق آخر «يصلنا دائماً الأخبار، نشعر باصطفاف المواطنين معنا، هم سند لنا، كلماتهم في حقنا تعطينا الكثير من الشجاعة، نستمد شجاعتنا من وقوفهم بكلماتهم، حتى قيادتنا الحكيمة ظلت - ولا تزال - تقدم لنا القوة بتوجيهاتهم الحكيمة».
في الأيام الماضية، ومنذ انطلاقة عاصفة الحزم، ضرب المواطنون والقبائل أجمل صور التلاحم بين الشعب. هناك من القبائل من ذهب وهو محمل بالكرم لجنودنا البواسل، مرددين الشيلات الحماسية والكلمات الوطنية، وقدموا لجنودنا أروع وأجمل أحاسيس الشجاعة.. وهناك أفراد التقوا الأبطال، وقدموا ما يملكون من الغالي. هذه هي عادات السعوديين الوطنية، التي من الصعب وجودها في أي دولة، بل ذهبت بعض القبائل لتجنيد أبنائها ليقفوا صفاً إلى صف، يحمون وطنهم، وطنهم الذي ينعم بالأمن والأمان والاستقرار وسط محاولات بعض الدول الإقليمية التي تحاول منذ سنين المساس بأمننا دون أن يتحقق لهم النجاح، ولن يتحقق - بإذن الله - في ظل قيادة حكيمة، ووسط شعب قدموا ويقدمون أرواحهم فداءً لهذا الوطن الشامخ.