تشرفت بقراءة مقال الأستاذة سمر المقرن، الذي كان بعنوان (كسر مخاوف مدمن المخدرات وأسرته). وإذ أشكرها على قيمة مقالها وأهميته أود التعقيب عليه من الجانب العلمي حول تدخل الأسرة في حياة المدمن، وأبدأ بهذا السؤال:
ما هي المخرجات المرجوة من تدخلك؟ هذا يعني، إذا كان المدمن أو الكحولي قد وافق بأنه/ أنها لديه مشكلة، وأنه يحتاج للمساعدة، فإنك تحتاج لمعرفة ماهية المساعدة. من المستحسن بالنسبة للأشخاص الذين يتدخلون أن يكونوا متفقين على البرنامج أو الطريقة الأفضل للمدمن عندما يوافق على تقبُّل المساعدة؛ فهناك الآلاف من البرامج، وأيضاً العديد من الفلسفات والمناهج للمراكز العلاجية، ويحتاج المدمن إلى المساعدة في تحديد واحد منها، يناسب حالته. نتيجة أي برنامج أو منهج يتم اتباعه في علاج المدمن تحدد ما إذا كان المدمن/ المدمنة سينتكس بعد العلاج، وهذا يسبب مزيداً من التعقيدات والمخاطر، فضلاً عن استمرار النضال والألم للأشخاص القريبين من حوله. وبمجرد اتفاق فريق التدخل على الطريقة التي سيقترحونها على المدمن للبدء في علاجه يجب عليهم الاتصال بالمركز العلاجي الذي اختاروه للتعرف على إجراءات الدخول والالتزامات المالية، وطرح أي أسئلة لا تزال قائمة بخصوص العلاج الذي سيتلقاه المدمن في المركز العلاجي. تذكر أننا نتكلم هنا عن حياة المدمن والصفات العامة لنوعية تلك الحياة، ويجب أن لا نتردد في أن نكون لحوحين نوعاً ما في طرح تساؤلاتنا، وإذا لم يقم المركز العلاجي بالرد على تلك الاستفسارات بشكل وافٍ، أو كانوا غير واضحين في توقعاتهم بمخرجات طريقتهم بالعلاج، فقد ترغب العائلة في إيجاد رأي آخر. يعيش المدمنون ويموتون من جراء قدرتهم على التعافي، وهذا ليس قراراً يجب التعامل معه باستخفاف.
المدمن لديه أشياء في ماضيه أو حاضره، تبدو كأحداث مدمرة، ولها علاقة بالمخدرات والكحول. مثال ذلك: الشخص الذي يفقد أعز أصدقائه بسبب الإدمان. مثال آخر: من يفقد زوجته وطفله بسبب سوء في استخدام المخدرات أو الكحول. يستطيع الفرد في الأسرة النظر في حياة المدمن ورؤية المئات من الأسباب لكي يتوقف المدمن عن التعاطي، ولكن - للأسف - هذه الأسباب لا تبدو حقيقة للمدمن. ومع ذلك، هناك مشاكل يواجهها المدمن، ويراها حقيقية ومهمة لحياته، ويرى أنها سبب للتوقف عن تعاطي المخدرات. هذه الأحداث مهمة لتحديدها؛ لكي تستخدم خلال التدخل لتذكير المدمن لماذا يجب عليه طلب المساعدة.
ليس بالضرورة أن المدمن لديه نفس الحقائق عن إدمانه التي لدى غير المدمن. على سبيل المثال: قد يكون لديه مشكلة صحية خطيرة، أو لا يوجد لديه أصدقاء، وليس لديه عمل أو دخل، ومع ذلك يشعر بأنه «على ما يرام». فالكثير من المدمنين ومن جراء جرعة زائدة يصلون إلى شفير الموت، ومع ذلك يعودون للتعاطي في اليوم التالي. قد يبدو ذلك جنوناً، لكنه ليس سوى جزء من الألم للمدمن.
وبأخذ ذلك في الاعتبار، فالمدمن من وقت إلى آخر سيواجه ضغوطاً إضافية، تجبره على اتخاذ قرار فعلي حول ما إذا كان سيطلب المساعدة أو يستمر في التعاطي. تراكم المخالفات القانونية من الممكن أن يؤدي إلى السجن بكل سهولة. الخوف من فقدان الشريك في الحياة، استمرار فقدان العمل.. مع كل تلك الحالات يكون الشخص قد حصل على ما يكفي من الضغوط لمكافحة الإدمان وطلب المساعدة. من السهل معرفة ما إذا كان المدمن يطلب المساعدة فقط لتفادي السجن أو مشاكل أخرى، وهذه حقيقة، ولكن الحقيقة تبقى أن المدمن سيطلب المساعدة فقط عندما يقوم شخص أو شيء بدفعه خارج منطقة «راحة الإدمان»، وإجباره على أن يتخذ قراراً. قليل جداً من المدمنين الذين يمكنهم الحصول على المال، ولديهم مكان يعيشون فيه، وربما أشخاص يوافقونهم على أن يتعاطوا المخدرات، وليس لديهم مشاكل قانونية ليطلبوا المساعدة؛ فهم «لا مشكلة لديهم». وهذا الأمر حاسم وغاية في الأهمية للفهم في أي محاولة للتدخل.
أحد أهم الاعتبارات في التدخل مع المدمن اختيار من يتدخل (الحضور). يجب دراسة هذه المسألة بعناية قبل التدخل، وعدد الحضور أقل أهمية من مسألة من يكون هناك. وإذا كان بالإمكان فيجب وجود شخص من العائلة يكنُّ له المدمن احتراماً شديداً. هذا الشخص سيلعب دور القائد لأفكار ولاقتراحات المدمن، ويجب أن يكون هناك مؤيد ومساند لحصول المدمن على المساعدة، على أن يتم شرح الموقف له بشكل تام قبل التدخل. من المهم وجود أكبر عدد ممكن من أفراد العائلة ما دام أنهم جميعاً متفقون بشكل تام على أن المدمن يحتاج للمساعدة، وأنهم داعمون للموضوع بشكل عام. إذا كان أحد أفراد العائلة ذا طباع عدائية ضد المدمن، وليس لديه القدرة على كبح جماح نفسه من المجادلة وإلقاء اللوم، فمن الأفضل النظر في مسألة إبقائه خارج موضوع التدخل. عادة، المدمن لديه أعداء كثيرون، وعمل الكثير من الأخطاء لمعظم أفراد العائلة. الجدال المسبب للقلق لن يعود بالنفع على قضية إيصال المدمن للرغبة في العلاج، وإنما في واقع الأمر يؤدي إلى إيقاف حدوث ذلك؛ لأن تركيز الاهتمام يتجه إلى الجدل الحاصل، وليس في الأمر المطروح.
كثير من الناس يوظفون مستشار تدخل لإدارة التدخل. وذلك شيء ينصح به في حالات كثيرة، لكنه ليس ضرورة في معظم الأحيان. ويعتمد ذلك بشكل كبير على الظروف المحيطة بالمدمن. فعلى سبيل المثال: هل لدى المدمن مخالفات قانونية مؤجلة؟ هل لديه ضغوط خارجية؟ هل ينكر المدمن تماماً استخدامه للمخدرات؟.. هذه العوامل يجب النظر إليها بشكل مكثف قبل إحضار مستشار خارجي. قد تحتاج إلى مساعدة في تحديد من يجب أن يحضر التدخل؛ لأن ذلك عامل حاسم ومهم.
متى يتم التدخل؟ هذا الموضوع يتعلق بما يحدث في حياة المدمن أكثر من علاقته بجدول الأحداث العائلية. والوقت الأمثل للتدخل فوراً بعد أي حدث كبير، مثل أن يتم إلقاء القبض على المدمن، أو عندما يقوم بشيء خاطئ لأحد أفراد العائلة، مثل الكذب والسرقة والخداع، ويُظهر نوعاً من الندم والشعور بالذنب. أيضاً عندما يقرر شريك الحياة الافتراق عن المدمن، أو بعد جرعة زائدة. من الواضح أنك لا تريد أن تعرض حياة المدمن للخطر بتأجيل هذا التدخل لوقت طويل، ولكن سيكون التدخل فعالاً أكثر لو تم بعد حدث يشعر فيه المدمن بالدونية، وأن عالمه يوشك على الانهيار. حتى في حالة عدم وجود مثل هذه الحالات فمن الممكن أن ينجح التدخل، خاصة إذا كانت العائلة قريبة من المدمن، وبشكل يومي، وتعرف كل صغيرة في حياته. حياة المدمن مثل القطار الأفعواني الكبير، والطريقة الوحيدة للمدمن لكي ينكر مشاكله تتم بنجاحه في إخفاء مثل هذه المشاكل من الأشخاص الذين يحبونه.
القلق يجب أن يكون النبرة لرسالة التدخل. القصد يجب أن يكون واضحاً، لا يتزعزع: «نحبك، وسنظل دائماً نحبك، ولن نتوقف أبداً عن حبك، ولكن لسنا على استعداد لرؤيتك تقتل نفسك بالمخدرات». على العائلة أن تظهر القلق على المدمن، ولكن ليس التعاطف مع المدمن. التعاطف يُعتبر نوعاً من الموافقة، ومن الممكن أن تكون نتائجه سلبية ومبرراً للتعاطي. بدون غضب، وبدون خوف، يجب أن يعرف المدمن من كل الحضور أن الموضوع معروف، وأنه يحتاج إلى علاج. لا تسمح بسماع قصص عن مشاكل عائلية ومتاعب في الحياة، واحصر التركيز على نقطة أن المدمن لديه مشكلة؛ ويحتاج لطلب المساعدة لحلها. هنا تظهر نتائج التخطيط العائلي الجيد للتدخل، ويصل النجاح في التدخل إلى 90 % أو أكثر بالتخطيط الجيد وتنفيذ الخطة على الوجه الصحيح، والنجاح المقصود هنا هو وصول المدمن إلى مركز علاجي ناجح بموافقته. في نهاية المطاف، عليك تقبُّل حقيقة أن المدمن لأي سبب من الأسباب قد يرفض عرض المساعدة، وأي شخص يخطط لإجراء تدخل ينبغي أن يكون على استعداد لتقبُّل رفض المدمن للمساعدة، وفي هذه الحالة عليه أن يكون جاهزاً للانتقال للخطة «ب».
د. خالد المعلمي - الرياض