المشاعر تلك الطاقة والقوة العظيمة بداخلنا التي لها قدرة على دفعنا للأمام أو إلى الخلف ولها سمة التبدل والتغير، ولطالما أعتقد العلماء أنه يمكن تقسيم المشاعر إلى عدة أقسام رئيسة وأن كلاً منها هو دافع أساسي ومحرك للسلوك الإِنساني. تتبدل دائرة المشاعر من فتره لأخرى وفقًا للظروف المحيطة بالفرد من إصابته بمرض على سبيل المثال والشعور بالألم والحزن إلى الشعور بالفرح والابتهاج عند الشعور ببوادر الشفاء والتحسن. بل في بعض الأحيان في اليوم الواحد نمر بمشاعر متضاربة ونخرج منها في نهاية اليوم منهكين. فمشاعر الحزن العميق في الحقيقة تمتص من شخصياتنا وقد تسهم في تغييرها والتأثير عليها، وهي بيئة خصبة لظهور الاكتئاب ومع الوقت تعتاد أجسادنا وعقولنا على استقبال هذه الموجه وهذا الإرسال من نوعية مشاعر معينة نحن ننتقيها ونفضلها أكثر ونستمتع بها ونتفاعل معها وتتخزن في العقل اللا واعي حتى ظهور موقف جديد في حياتنا له نغمة مشاعر معينة تشابه تلك التي تخزنت في عقلنا اللا واعي ولكن تختلف في الدرجة ويتم استدعاؤها لتجتمع وهذا في اعتقادي الشخصي ما يفسر الانفجار أو البكاء الشديد على موقف محزن بسيط المحتوى وجديد، فسبقه موقف محزن أكثر عمقًا ولكن لم يتم التنفيس والتفريغ الانفعالي عنه بشكل كافٍ، بل كان هناك نسبة من الكبت وتخزنت إلى أن تم استدعاؤها عند المرور بموقف جديد يشابه الموقف المحزن القديم. وأما مشاعر الفرح والسرور والابتهاج فهي أيضًا مختلفة الموجه فهي: سريعة وتخزينها أقل وقصير فنحن أكثر إبداعًا واستفاضة عند الحديث عن الحزن وعند وصف مشاعر الألم والمعاناة عنها في وصف مشاعر الفرح، بل إن الحديث عن مشاعر الفرح هو أشبه بمرور شريط الصور السريع كما في الأحلام. فعلى سبيل المثال نجد أشخاصًا يعيشون مشاعر الحزن العميق والبكاء وأجترار الألم وعلى مدى عدة شهور بل لدى البعض تستمر سنوات على حدث تلاشى وانتهى في طي الماضي. ولا نجد أشخاص يعيشون مشاعر الفرح والسرور لشهر كامل ومتواصل يوميًا وعلى أقل تقدير، بل يتخلل هذا الشهر دائرة من تبدل المزاج وفقًا للأحداث اليومية والظروف. ونعود لمشاعر الحزن فلها سمة خاصة في إثارة المواهب فكثير من الشعراء والكتاب والرسامين تفجرت قريحتهم نتيجة مواقف حزينة مروا بها وتأثروا بها. وأيضًا للحزن وجه آخر جميل فنحن أصدق ما نكون في حالة التعبير والحديث عمّا كان سببًا في ألمنا في يوم من الأيامبل نستخدم كلمات قوية جزلة المعاني ونشعر بأننا أصبحنا نقول كلمات أكبر من أعمارنا الحقيقية، أما في الفرح فلسان حالنا يقول من شدة الفرح تبعثرت الكلمات وتوقفنا عن التعبير وأكتفينا بدموع يسمونها دموع الفرح نشعر في لحظتها بأنها بحر وليست قطرات. وفي كثير من الأحيان إن لم يكن معظمها يرتبط الشعور بالحزن بالماضي، وللكاتبة الشهيرة لويز هاي في كتابها القوة في داخلك هذه السطور حيث تقول «لا وجود للماضي إلا داخل عقولنا وفي الطريقة التي نختار فيها أن ننظر إليه هذه هي اللحظة التي نعيشها وهذه هي اللحظة التي نشعر بها» وكتبت أيضًا «كل ما أختبرته في حياتك حتى اليوم هو ثمرة أفكارك ومعتقداتك في الماضي، فلننظر إلى حياتنا بنظرة فخر».
الكثير من المعاني العميقة والتفكر خلف ما سطرته أنامل الكاتبة الرائعة لويز. وأيضًا من الأمور التي تساعد على فهم عاطفة ومشاعر الحزن النموذج الخماسي للعلاج المعرفي السلوكي وسوف نطبقه على الحزن هنا أولاً:
1- موقف معين وفي مثالنا ليكن موقفًا يحمل في طياته خبرة انفعالية حزينة وبعدها. 2- كم هائل من الأفكار التلقائية اللا إرادية ولنفرض أنها أفكار سلبية ولوم وتأنيب ضمير تلت هذا الموقف وبعدها. 3- المشاعر فمن المحال أن نشعر بأي شعور كان إلا وسبقه فكرة معينة وهنا مشاعر حزن وفقًا للتدرج السابق، وبعدها. 4- أحاسيس جسمية تظهر، وفي مثالنا نذكر البكاء كمثال وبعدها وفي المرحلة الأخيرة. 5- السلوك، وفي مثالنا الحزن يكون السلوك الانطواء والانعزال.
ومن منحى آخر تظهر مشاعر الاغتراب في حياتنا في مواقف ولحظات شبه مصيرية فعند فقد شخص عزيز لدينا أو عند إحساسنا بالغربة رغم وجودنا في محيط ووسط اجتماعي ولكننا لا ننسجم ونتوافق معه وأيضًا تظهر عند تحقق أهداف طويلة الأمد لم نكن نتوقع أنها تحققت أخيرًا بسب عدة عقبات تجددت، فعندما يتحقق نقف في جمود ومذهولين أمام هذه النوعية من المشاعر التي تمتاز بأنها غريبة وقوية التي احتدمت خلفها الكثير من العواطف والآمال والصراعات والأماني ومازلت أتذكر حالتان كنت من ضمن الفريق المعالج لهما ففي الحالة الأولى كانت تعاني من سرطان الثدي وكان جل حديثها في الجلسات ليس عن نفسها أو عن المرض بل عن ابنتها ومن سيتكفل برعايتها إذا وافتها المنيو، و الأخرى أيضًا كانت تعاني من السرطان ولكن كان جل حديثها عن نفسها وأهدافها، لم تفكر في أسرتها وزوجها وأطفالها بل في نفسها ولماذا أصابها المرض هي عن غيرها من البشر، كلا الحالتين جسدتا مواقف ومشاعر اغتراب ولكن كل حالة صاغتها وخرجت بشخصيتها المختلفة ففي الأولى كان محط الألم والتفكير والبكاء موجه للابنة وفي الحالة الأخرى الألم واللوم والبكاء على نفسها وذاتها حقًا أنها مشاعر الاغتراب المتناقضة. أيضًا الأم التي بعد ساعات طويلة من ألم المخاض المهول المرير وبعد الولادة وبعد أن تمسك طفلها تبتسم وتنزل دموع الفرح الغزيرة حقًا إنها مشاعر الاغتراب. وأيضًا تلك النوعية الإيجابية المفرحة من مشاعر الاغتراب تتجسد عندما تلتقي بشخصية تشابهك في الفكر وسمات الشخصية فجسور الالتقاء رائعة عند أي تواصل بسيط بينكم وما بين شد وجذب ومد وجزر نستطيع أن نقول بأن مشاعر الاغتراب هي دروس مبطنة من مدرسة الحياة وقودها المواقف والتجارب وتخزنت في الذاكرة طويلة الأمد وتظل دائمًا واضحة عند حضورها ونظل نرويها في لحظات أيضًا عاطفية بمفهوم العاطفة الواسع، واستدعتها ذكريات ومواقف مماثلة، وكثير من قطرات المطر النقية امتزجت بدموع فرح أو بدموع حزن، والدموع هي اللغة التعبيرية لمشاعر الاغتراب فتلك القطرات غالية هي كالألماس وختامًا أدعو إلى وقفات من التبصر والتأمل والتفكر في مشاعر الاغتراب التي مرت بكلا منا والاستفادة من الدروس في ثناياها.