نحن في حاجة ماسّة لشن عاصفة حزم أخرى تأريخية وثقافية لتعرية مخالفات تاريخية جسيمة تدسها حفنة من الكتب في تاريخ بلادنا، لا تقل أهمية عن هذه التي حلّقت مقاتلاتها، معلنة فصلاً جديداً من فصول حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، سادن التاريخ والحاضر، وصاحب معركة المستقبل التي قطعت الطريق على أطماع الدولة الفارسية في يمننا الحبيب..
ومن أمثال هذا الدس والكذب ما ورد في كتاب (تحفة الأسماع والأبصار) للمطهر بن محمد الجرموزي الذي أُعيدت طباعته وتوزيعه عام 2002م لاستغلاله في رسم خريطة متوهمة تجسّد أطماعاً توسعية لدى بعض الجماعات (الحوثيين)، حيث يزعم مؤلفه أن الدولة القاسمية في اليمن وقبل أربعمائة سنة شمل سلطانها أجزاء واسعة ومهمة من الجزيرة العربية، وهذا - قطعاً - غير صحيح.
وهذه ملاحظات عامة على الكتاب:
أولاً: تحيز المؤلف الذي بدا جلياً في مقدمة كتابه، وعلى وجه التحديد في قوله:(فإنه حداني محبة العترة النبوية.. أن كتبت جملاً يسيرة في سيرة مولانا وإمامنا ومجدد عصرنا والشبيه بموسى الكليم فينا) (ص99).. إضافة إلى ما دونه من خزعبلات وترهات يزعم أنها كرامات حصلت على يد هؤلاء الأئمة.
ثانياً: الدولة القاسمية التي يُؤرخ لها المؤلف كانت وليدة آنذاك، وخارجة للتو من الاحتلال التركي، فكيف توسعت وشمل نفوذها جميع هذه البلدان في الجزيرة العربية وأفريقيا والهند، هذا محض افتراء.
ثالثاً: المبالغة في الحديث عن انتشار حكم الدولة القاسمية، وأنها شملت أجزاء واسعة من الجزيرة العربية، إذ أشار المؤلف إلى أن دعوة الإمام المتوكل قد انتشرت في نجد مثل: وادي الدواسر والأفلاج والخرج واليمامة حتى الأحساء فيقول: (وحيث ذكرنا نفوذ الدعوة النبوية والخلافة العلوية إلى البلاد المذكورة)، وأيضاً يقول: وقد جمع الله له اليمن من مكة إلى عدن (ص111).. والعجيب أن المصادر التي عاصرت تلك الفترة (القرن الحادي عشر الهجري) لم تتطرق لأي تمدد للدولة القاسمية في المنطقة في نجد أو الأحساء لا من الناحية الدينية ولا السياسية، فهذه البلاد سلفية وهذه الشخصيات التي زعم المؤلف أن لها مكانة في تلك الديار، وأنها بايعت الإمام لم تكن لها تلك المكانة التي بالغ فيها المؤلف في مناطقهم.. بل بلغت به المغالطات إلى أن يقول إن حكم سيده ضم الهند!! فيقول عن تولية حاكم الهند: (وجعلنا لكم ولاية عامة في جميع الأقطار التي تحت وطأتكم) (ص61).
رابعاً: نصوص كثير من المراسلات لهذه الشخصيات التي ذكرها مفقودة، هذا يعطي تصوراً بغياب المصداقية وكذلك وصف بلدان كالبديع في الأفلاج (ص966، 969)، ونص الرسالة إلى أهالي فيفا واسم والي فيفا (945-946)، والأمثلة من هذا الصنف كثيرة ومتكررة.
خامساً: ما تبقى من هذه الرسائل والخطب التي يزعم المؤلف أن الإمام أرسلها لبعض هذه الأطراف وغيرها في اليمن وخارجه تدور في معنى طاعة الإمام الزيدي في صنعاء وهذا هو الهدف الأساس لتأليف هذا الكتاب..
سادساً: قصة قدوم جماعة من البصرة إلى صنعاء في قوة ومنعة ممن يعترضهم وأن قوماً أرادوا منعهم من رعي تلك الأطراف فأسروهم ثم منوا عليهم فهابهم أهل المشرق وجاءوا يطلبون من الإمام المساعدة في القضاء على والي البصرة الذي سامهم سوء العذاب. (ص629، 969-970).
فما دامت لهم هذه المنعة والقوة حتى إنهم قطعوا الجزيرة العربية من البصرة إلى صنعاء، أما كان أولى بهم أن يمنعوا أنفسهم من الباشا الذي سامهم العذاب؟! هذا منتهى التناقض الذي يوضح المبالغات والخزعبلات التي يحتويها الكتاب.
لذا يجب أن يُعامل هذا الكتاب بكل أهمية من تحقيق وتفنيد ما يخص بلادنا ومرجعيات سكانها، وأن يعامل بمثل بما تم حول كتاب إمتاع السامر الذي لا يقارن بخطر هذا الكتاب المزور، مع نشر تحذير عام على أنه يحمل مغالطات وغير موثوق وكل من ينقل عنه سيعرض بحثه للمنع والغرامة.
حمود بن متعب بن عفيصان - رئيس مركز القاعية بالدوادمي