«قوة الحق» لا حق القوة، التي انبلجت كفلق صبح ذلك اليوم الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، حين قيض الله لها من عباده من صدق فيما عاهد الله عليه، الملك التقي العادل الحازم سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله وأيده بنصره-، فسمع التأييد مناصراً لتلك المساعي الشجاعة عربياً وإسلاميا ودولياً فور انطلاقها والإعلان عنها لسمو أهدافها ونبل مقاصدها. سيسجل التاريخ لهذه الشخصية «الكريزمائية» القيادية -سلمان الوفاء- بمداد من نور أنه كان بقراره التاريخي للبدء عملياً بعاصفة الحزم أول من أعاد الأمل لاستعادة الكرامة والعزة، والإيذان بمرحلةٍ جديدةٍ يملؤها الثقة بموعود الله أولاً وآخراً بالنصر والتمكين.
لقد تبين أثر التمادي الصفوي في استباحة كل ماله علاقة بـ «الأعراب» من دماء وممتلكات وأعراض، أن القوة هي لغة الحوار التي يفهمها الانتهازيون والمبتزون، فعاصفة الحزم أقضّت مضاجعهم، وشتّت أحلامهم، وأخرجت بعض ما في قلوبهم المنتنة الحاقدة من عفن (وما تخفي صدورهم أكبر). كان ولا يزال هؤلاء النفعيين معاول هدم كارثي لكل ما يمت لهذا البلد وإسلامه وعروبته بصلة، تحت شعارات زائفة، ودعاوى باطلة. شعارات ثبت بالأدلة القاطعة دخولها تحت مسميات الخيانة والعمالة والصفاقة والبجاحة والغباء السياسي مع سبق الإصرار! كيف ذلك؟ الإجابة سهلة وميسرة..
أغرت حالة الوهن والضعف لتكالب أمور عدة، الأعداء فأخذوا ينهشون في هذا الجسد المستضعف جزءًا إثر جزءٍ، ساعدهم على ذلك حالات التنازع المحموم والمطامع على المناصب، ابتغاء مصالح شخصية، والجهل بما يرمي إليه الأعداء جراء تأجيجهم النفس الطائفي بين مواطني البلد الواحد، ضاربين بالمصلحة الوطنية العليا لأوطانهم عرض الحائط.
لا أعلم ظلماً أشنع ولا أفظع من أن يستهدف مجتمع في عقيدته الصحيحة التي هي أصل الإسلام، ويعمل -قصداً- على حرفه عما هو عليه من توحيد بطقوس شركيةٍ وكفريةٍ لتقويضه من داخله. {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) سورة المائدة.
وهذا هو ما دأب عليه الصفويون منذ اندلاع ثورتهم الخمينية المشؤومة مطلع هذا القرن، فتغلغلوا بأفكارهم المسمومة -متقنعين بحب آلِ البيت- لتكريس الطائفية البغيضة، وليؤلبوا الجهال والبسطاء على أهل السنة. كل ذلك ليفسحوا المجال والطريق ممهداً لميليشياتهم.
«الإرهابية»، التدخل باسم محاربة الإرهاب -زعموا- فيستبيحون دماء وأعراض وممتلكات كل سنيٍٍٍٍٍٍ كما هو حاصل في العراق وسوريا واليمن! هذا القتل المشرعن عندهم بفتاوى من المعممين أنفسهم، استقاءً من الكتب المأفونة ضد كل ما هو وهابي -بزعمهم- يصادق عليه بـ»صك» دخول الجنة، يحمله المقاتل معه زيادة في التبرك! عافانا الله وإياكم من الخذلان.
هذه المجازفات العدوانية خارج إيران نفسها، ما هي إلا ذر للرماد في عيون ساكنيها داخلياً، لصرف أنظار الأقليات العرقية متعددة الأجناس عن مدى بؤس وفشل ولاية الفقيه في إدارة شؤون البلاد وتحقيق ما يطمحون له من أوضاع أفضل.
وليس من شك عندي أن استهدافهم اليمن الشقيق، علاوةً على البعد الاستراتيجي في حلم الهيمنة الفارسية، هو يحمل في طياته كرهاً وحقداً دفينين على هذه المنطقة كونها تمثل أصل العرب، وهي التي أنجبت طلائع المجاهدين الصادقين الأوائل الذين نشروا بفتوحاتهم المجيدة الإسلام شرقاً وغرباً مع إخوانهم الموحدين.
من يتأمل ما يحصل في بغداد ودمشق، والأحواز من قبلهما لذات السبب لا يملك إلا أن يسلم بهذه الحقيقة.. مشروع احتلال للعرب من الوريد إلى الوريد، قُصت جناحاه أخيراً في اليمن السعيد، فلا نامت أعين الجبناء.
اليمن وما أدراك ما اليمن!
بلد الـ 26 مليوناً، أصحاب الإيمان اليماني، والحكمة اليمانية.. أصحاب القلوب الرقيقة، والأفئدة اللينة. ورد في تفسير ابن كثير: وقال ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (54) سورة المائدة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم قوم هذا.» - يعني أبا موسى رضي الله عنه، وهو من اليمن-. ومعلوم أنهم في الجاهلية كانوا يستضيفون أهل الحجاز في رحلة الشتاء، ثم يذهبون معهم إلى الشام في رحلة الصيف.
لكن يمن الحضارة كان لها موعد مع الطغاة الذين جعلوا أعزة أهلها أذلة على مدار العقود الثلاثة الماضية؛ المخلوع وحاشيته الفاسدة المفسدة.
ابتلي «اليمن السعيد» بشرذمة أبت إلا أن تشذ عن تلكم الأوصاف الحميدة، وتسلك طرق الخيانة لوطنها بارتضائها الارتماء في أحضان ملالي طهران وقم، الذين يتربصون بأمة الإسلام الدوائر؛ والهدف ما عاد خافياً، إشعال الجبهة الداخلية في حربٍ لا تبقي ولا تذر عن طريق «العقبة الكؤود»، المخلوع صالح وابنه أحمد، وذلك بتسليم الإرهابيين الحوثيين مفاصل الدولة لتقطيعها!
ها هم في آرائهم الانفعالية وبكائياتهم على الحوار الذي رفضوا الانصياع لنصائح الحكماء بانتهاجه، إلا تحت تهديد السلاح على طريقتهم الإرهابية.. ولمن؟ لشركائهم في الوطن، حتى وصل أذاهم للرئيس الشرعي ورئيس حكومته ووزير دفاعه.. حوار أبوا إلا المخادعة فيه فكان شرطهم لمن يريد الدخول صاغراً أن يكون «خالي الوفاض» إلا من قلم يوقع به، أو ختم يبصم به على شرعية تسليم اليمن العزيز، ذليلاً خانعاً مختطفاً من عروبته وإسلامه!
كأني بهم الآن وأسيادهم -الذين ارتضوهم- يحدثون أنفسهم: ياليتنا قبلنا بالحوار، إنه لا قبل لنا بمثل هذه العاصفة التي جعلت عتادنا كعصف مأكول، ثم ألم يكن المشروع «حلماً»، مجرد حلم! فما الداعي إذاً لهذه الهبة لتحالفية ضدنا، ليطير النوم من أعيننا وتطير معه أحلامنا -أوهامنا-.
ليتكم ولو لمرة واحدة تكونوا صادقين مع أنفسكم ومع غيركم، وتقرون بإجرامكم المخفي المعلن للعالم بأكمله، ولهذا وقف حازما في وجه طغيانكم. تحدثون أنفسكم بهول ما اقترفتم لما ترونه من تحالف صارم حازم لتأديبكم، وعبر أبواقكم المأجورة، وقنواتكم المشبوهة المشوّهة للحقائق تسمون ذلك اعتداءً وعدواناً من جارةٍ ما عرف عنها إلا أنها تعرف لليمن الشقيق حقه.. في تاريخه المجيد، وانتمائه الأصيل لأمته العربية والإسلامية، وجواره الأخوي الحميم.
تمعّن في هذه الرؤية الصائبة من مسؤول يمني كبير وسابق، تقلّد مناصب عدة بصفته نائباً لرئيس الجمهورية، ورئيساً للوزراء، ووزيراً للخارجية، ووزيراً للاقتصاد والثروة المعدنية، وهو يقول متحدثاً عن مأزق اليمن في صراع الخليج السابق، الذي أورده إياه المخلوع بتآمره.
يقول الدكتور عبدالرحمن البيضاني: إنها المعادلة التي تحدد استقرار اليمن السياسي، وازدهارها الاقتصادي، وكيانها العربي.
إنها الاهتمام بالجوار السعودي الذي يضمن منطلقات الجغرافيا، والاقتراب من الارتباط المصري الذي يكفل معطيات التاريخ، وهي معادلة تدعو اليمن إلى الاشتراك إبجابياً في حماية أمن الخليج وسلامة شعوبه واستقرار منابعه، حتى لا تخسر مصالحها الوطنية الحيوية والمؤكدة مع شقيقتها السعودية ودول الخليج التي أسهمت بسخاء في نهضتها الحضارية، ثم اتسع صدرها لأكثر من مليوني مواطن يمني، يعيشون على أراضيها وفي حماية أمنها وهم يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقه ويعولون ثلث سكان اليمن في اليمن. ص 47.
وعلى ص 117 من ذات المصدر يقول: ولم تعبر القيادة اليمنية عن مؤهلات اليمن، حين عجزت عن الانتفاع بموقعها الإستراتيجي، وأعرضت عن حماية مستقبلها الوطني، فهددت الجار وتحدت الصديق، ذلك لأنها لا تضع الشعب اليمني في حسابها، فقد وصلت إلى السلطة على أسنة الرماح.
فهل استفاد تجار الحروب كما أسماهم الأستاذ خالد المالك، رئيس تحرير هذه الصحيفة الأثيرة -الجزيرة- وهو يضع النقاط على الحروف مبيناً تبنيهم الأجندة الإيرانية وقبولهم بإملاءاتها للإضرار بالمملكة ودول الخليج. أليست النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها؟! {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن. هل ما قاموا به من إجرام في حق اليمن وشعب اليمن المتطلع لحياة كريمة عندما نهبوا خيراته، وجنوا على مقدراته، وسطوا على شرعيته، واعتدوا على رئيسه المنتخب، وأدخلوه نفقاً مظلماً، تمهيداً لتعميم ذلك على دول الجوار.. هل ذلك كله تعبير عن الشكر للأيادي البيضاء التي ظلت ممدودة بالخير والعطاء بلا منة حباً في اليمن وأهل اليمن؟!
إن هذه الفوضى العارمة التي تولى كبرها عبدالملك «الضال» وعلي «المغامر» كوكلاء حصريين لحكومة الولي الفقيه تظهر مدى خبث الطوية، واندراس الحمية العربية عند مثل هؤلاء!! أما وقد ظهروا على حقيقتهم المخزية -حوثيين وبعض أتباع المخلوع- فإننا نربأ بالسواد الأعظم ممن أضلهم هذا الذنب للأفعى المجوسية أن يستمروا في ضلالاتهم ويكونوا وبالاً على إخوانهم وأخواتهم. ليبرأوا إلى الله مما اقترفته أيديهم من جرائم، وليتوبوا ويكفروا عن ذلك كله بالالتحاق بإخوانهم الذين سبقوهم في الوقوف مع الشرعية والحق حتى يعود اليمن بإذن الله آمناً مستقراً موحداً.
ذلك قبل أن يقولوا {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (67) سورة الأحزاب.
يرى أهل اليمن، والمشفقين عليه، المحبين له أن البلد أصيب بمرض سرطاني خبيث يجب استئصاله، لما يرونه من آثاره المدمرة في أجزاء من الجسد العربي المنهك بفعل هذا المرض الفتاك والداء العضال؛ لذا كانت فرحتهم عارمة وهم يرون فريق التحالف «الطبي»، بعملياتهم المتتابعة والناجحة يقوضون تغلغل الداء بأنجع دواء، حفاظاً على سلامة الجميع وقطعاً لدابر الفتنة. تلكم الفتنة التي أراد -ويريد دوماً- الجهال والمغرضون والمهولون أن يحدثوها بتصويرهم ما يجري على أنه قسوة واعتداء على اليمن وتدخل خارجي في شؤونه، وهم يعلمون قطعاً أنه لإنقاذه وبطلب من رئيسه الشرعي، لكنه المكر والخديعة حين وقعوا في شر أفعالهم فما وجدوا غير التضليل والتهويل من سبيل، لعل وعسى ذلك أن يخرجهم مما هم فيه من ذل وهوان وتورط.
الأمل معقود بعد توفيق الله عز وجل على مشائخ القبائل، وأصحاب التأثير من ساسة ومثقفين وإعلاميين في إيضاح الصورة أكثر لهؤلاء المغرر بهم والذين شهروا أسلحتهم في وجوه إخوانهم وأخواتهم، وبيان خطورة ما هم عليه، والعواقب الوخيمة التي تنتظرهم دنياً وآخرةً.
العدو الذي يريد بالبلاد والعباد الخراب والدمار، ولمواطنيها الاقتتال والاحتراب قد فضحته أفعاله ونواياه المبيتة فتساويا إرهاباً وخيانةً، فهما وجهان لعملة واحدة. الجميع يرومون الإفساد في اليمن. أفهموهم إن لم يكونوا عوناً لقوات التحالف على الأرض في تخليص بلدهم من ربقة الظالمين، فالذي نخشاه أن يكونوا كالذين يخربون بيوتهم بأيديهم، ثم يلقوا باللائمة على من هب للنجدة والمساعدة!
ثقوا بالله سبحانه أن النصر قريب، وبوادره في الأفق، فإن ما تحققه قوات التحالف يبشر بزوال هذه الطغمة الفاسدة. كونوا صفاً واحداً، وأضرعوا إلى الله بالدعاء، واعلموا بأن الرهان على المشاركة في الميدان كفيل بردع الظالمين وكف أذاهم {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (42) سورة إبراهيم.
- سعد بن محمد الوثلان