ربما لا نبالغ إذا قلنا إن أشد مجتمعاتنا تفككاً أو تهميشاً أو جحوداً أو ضعفا في التواصل وعدم استمراريته هو المجتمع الرياضي، والشواهد على ذلك لا تحتاج إلى حصر, ونستثني من هم داخل أسوار الأندية أثناء صلاحية العطاء والمجهود الوافر لأنه المجتمع الرياضي مجتمع نفعي وقصير الأجل في النظرة بحكم الفائدة المرجوة مع العمر الرياضي القصير، وهنا يكمن ضعف أو انعدام المسؤولية الاجتماعية في الأندية الرياضية دون استثناء وكذلك في الرئاسة العامة لرعاية الشباب وهي المظلة التي تشرف على النشاط الرياضي وتنظمه وتدعم مسيرته وتلزمه بما تراه من قرارات وما تتوصل إليه من نتائج ودراسات، والرئاسة مثل باقي المصالح العامة في مجتمعنا لا ترى ثمة أهمية لهذا الجانب حتى وإن كنا في منظومة يتوقع الجميع المثالية فيها، وتأخذنا دوامة الحياة إلى المزيد من البعد والفرقة لانقضاء الهدف من اللاعب ولا يبقى إلا الذكريات فقط التي يعزي بها الرياضيون أنفسهم أنهم كانوا أصحاب عطاء في يوم من الأيام وقدموا ما يستطيعون وفق إمكانياتهم المتاحة، ويستذكرون كيف كانت الجماهير تقف لهم تحية وتقدير وإعجاب واليوم بحزن شديد يرون أنفسهم وكأنهم لم يدخلوا البسمة على هذا المجتمع الذي لم يفكر في احتواء غربتهم الاجتماعية أو يحفظ لهم الود وسيبقى صاحب البصمة رهين بصمته التي أصبحت مصدر عذاب له وتعاسة لأنه أضاع فيها عمره وزهرة شبابه، واليوم لم يجد منها ما يتكئ عليه في نصف عمره الأخير وهو النصف الأشد حاجة والأكثر متطلبات والأقسى في المعايشة.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما المخرج والحال كذلك؟ إن جميع المهتمين بالشأن الرياضي يرون أن ثمة مخرج مثالي إن أحسن استغلاله يكفل الكرامة لأطرف المعادلة الرياضية, وهو أن تتبنى وتدعم رئاسة الشباب وبعض الرياضيين القدماء والفاعلين طرح فكرة إنشاء جمعية وطنية للرياضين ويدعى فيها إلى الاشتراك والتفاعل من كل اللاعبين وفي كل الألعاب وتبقى ضمن مقار الرئاسة العامة لرعاية الشباب في المناطق والمحافظات على أن تستوعبهم الجمعية بجميع فئاتهم وأنشطتهم لنجد لدينا قاعدة بيانات دقيقة بالرياضيين وأعمارهم وأوضاعهم الصحية والاجتماعية وقدراتهم الإضافية التي يملكونها ومستواهم التعليمي وغيرها من المعلومات الهامة للرياضيين في أرجاء وطننا الكبير, ويعاد تدوير واستثمار قدراتهم عن طريق برامج محددة في الجمعية تتناسب تراكم الخبرة ومستوى الأعمار وتسوق خبراتهم في مختلف المجالات كالتحليل الرياضي أو التعليق أو التدريب أو اكتشاف المواهب أو الإدارة الرياضية للأندية والمنتخبات وبما سيعود عليهم بالنفع المادي والمعنوي وكذلك التأثير الإيجابي على نفسياتهم لأنهم شعروا باستمرار قدرتهم على العطاء بل والتنافس الشريف فيه خاصة وعدد الأندية الرياضية تجاوز الـ 180 نادياً وفي كل نادي مالا يقل عن عشرة أنشطة رياضية هذا بخلاف الشركات التي لديها أنشطة رياضية مختلفة أو بعض المصالح الحكومية وشبه الحكومية والعديد من برامج التحليل الرياضية في القنوات الفضائية وكذلك إدارة الأعمال للاعبين ومكاتب التعاقد ومكتشفي المواهب.
مع إمكانية الاستفادة من الرياضيين الذين أعيد استثمار خبراتهم وهم قادرون على العطاء الذي لا يحتاج إلى جهد الملعب وضغوط الفوز والخسارة في مراكز الأحياء بعد مشروع أنسنة الرياض الرائع الذي أطلقته الرياض في عهد سمو أمينها الأسبق الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف حتى تجاوزت 120 مجمعاً رياضياً داخل أحياء مدينة الرياض فقط, وتوقع لذلك اتفاقية مع أمانات المدن لتعزيز الاستفادة منها في منافسات الأحياء الرياضية ويصرف مكافأة لذلك في حال عدم وجود رعاة بالرغم من ثقتي أن الشركات ستتسابق على مثل هذا النشاط الاجتماعي المثمر ولن يكون هناك عوائق مالية إن كانت الدراسة متخصصة, مع التركيز على تعزيز الجانب الخيري في تلك الجمعية وجعلها تحت مظلة الشؤون الاجتماعية والاستفادة من الإعانة التي تصرف لمثل تلك الجمعيات حتى يستفيد المحتاج من الرياضيين من الجمعية عبر آلية يتفق عليها فيما بعد وتأخذ الجانب الرسمي في التأسيس خاصة مع الاتجاه إلى تحويل الوزارة من رعوية إلى تنموية على أن يكون الرئيس الفخري لها هو الرئيس العام لرعاية الشباب ولها مجلس إدارة وجمعية عمومية وأمانة عامة ومتحدث رسمي وهيكل إداري للفروع حسب حجمها ويجرى لها انتخابات كل سنتين لمجلس إدارتها ونشر الإنجازات دورياً.
وإذا أردنا قيامها بشكل مثالي ومؤسسي ونفعه دائم لا ينقطع فلا بد من تخصيص دعم سنوي ثابت أو متنام من قبل رعاية الشباب والاتحادات الرياضية واللجان الأولمبية ولجان الاحتراف والأندية في جميع درجاتها وكذلك تبرعات الموسرين من الرياضيين والمهتمين بهذا الشأن وهم كثر وتفاعلهم مضمون وستكون هذه الجمعية من أكبر الجمعيات الوطنية على مستوى السعودية إذا قسنا عدد الرياضين في الأعوام الماضية خصوصا مع قصر عمر الرياضي في الأعوام الأخيرة وسرعة اعتزاله أو إصابته ويظهر ذلك بوضوح أكبر مع نظام الاحتراف في كرة القدم. كما أن هذه الجمعية ستكون الجهة الأكثر حيادية ومصداقية في رفع هموم الرياضيين والمطالبة بحقوقهم وتبني المفيد في الشأن الرياضي وستكون أحد عوامل النهوض برياضتنا في ألعابها المختلفة لأنهم الأقرب لها والأعرف بهمومها واحتياجاتها وكذلك ما ينقص رياضيينا ليكونوا علامات بارزة في عالمنا العربي والإسلامي والعالمي خاصة وأن اجتهادات كلفتنا أموالاً طائلة في رفع شأن رياضتنا ولم يتحقق شيء يواكب ما خسرناه من المال والجهد والوقت حتى أصبحنا لا ننافس على المراكز المتقدمة بل على أيها يأتي في ذيل القائمة والإحصاءات والنتائج تبرزه بوضوح وإن كان الجرح مؤلماً ومؤذياً فإن العلاج مؤلم ونافع.
إن نجاح تلك الجمعية مؤكد لأنها تملك أرضية شعبية كبيرة ودعماً إعلامياً في كل وسائل الإعلام المقروء والمسموع والورقي والإلكتروني وقنوات التواصل المختلفة فالإعلام في هذه الحالة شريك تنمية شبابية وسند لتصحيح وضع الرياضة والرياضيين برؤيته المتعقلة والمتعمقة التي تسعى إلى رفع شأن الرياضة السعودية ومستوى الرياضي السعودي وكذلك فإن الإعلام هو داعم خيري لأوضاع الرياضيين التي تؤرق كل من به حس وطني وأجزم أن الإعلام الرياضي وطني بالفطرة واكتسب من الخبرة والممارسة ما يجعله يسير بهذه الجمعية عند تأسيسها إلى بر الأمان وبمثالية ستكون نموذجية، وسيخصص لها مساحة تستحقها ضمن صفحاته اليومية المتعددة وفي جميع الصحف والقنوات التلفزيونية المتعددة, ويسرني أن أكون ضمن الكوكبة الأولى التطوعية التي تصاحب انطلاقتها خاصة وإنني قريب من إنشاء الجمعيات وصاحب تجربة متنوعة معها وعارف بتفاصيل إطلاقها وتشكيلها وكذلك برامجها وعلاقاتها وانتخاباتها وتنمية مواردها.
ختاماً نتطلع إلى دراسة هذا المقترح وغيره مما يمس الرياضة والرياضيين ومحاولة الخروج عن المألوف أو استنساخ الأفكار التقليدية التي لم تنفع أهلها ولن تنفعنا فمتعة الحياة كما قيل إن تعمل عملاً لم يعمله أحد ولم يتوقعه أحد خاصة وأن رياضي اليوم هو معتزل الغد وهذا يحتم الخروج بأفكار تستوعب اللاعب والمعتزل وتهتم بالنشء الجديد في آن واحد, ولا نشك في القدرات الموجودة مطلقاً ولكن من يفكر خارج الصندوق قد يرى الأمر بوجه آخر مختلف, ويرى الجميع أن شأناً للرياضة والرياضيين السابقين والحاليين سيكون مثاراً للإعجاب وسيعود الوهج لرياضتنا كما عهدناها ولعل السعيد من وعظ بغيره كي نستفيد من تجارب الآخرين حتى لا نكون تعساء ونأخذ الموعظة من أنفسنا في تكرار الإخفاق.
- فهد بن أحمد الصالح