لا شكّ أن الإنسان الذي أحبّ العمل واعتاد على دوامه، وأَلِف زملاءه لا يرغب بديلاً وتخلياً عنه؛ إلاَّ أن أنظمته الرسميَّة حدَّدت سنوات خدمة الذي يُحال على التقاعد، ويترك كرسيه الذي شغله أثناء سنوات عمله في الإدارة التي انضم إليها في عنفوان شبابه، وقدَّم فيها جلّ وقته، وعصارة أدائه، إلى أن تقدَّم في السن، وشارف تركه لغيره من الدماء الشابة وهم ينتظرون أن يُساهموا في الخدمة مع زملائهم الذين ما زالوا على رأس العمل، وهذه سُنّة حياة الموظف التي بدأت بوادر ترجّله لموظف آخر!
لذا من الأفضل لمن يعمل وهو على أبواب سن التقاعد أن يُعد خطة إستراتيجيَّة في الخدمات التطوعيَّة التي تُعد في بلادنا كثيرة ومن الصعب حصرها، وهي مُشرَّعة الأبواب، ومُيسَّرة الانضمام، ومضمونة الفوائد.
فالتقاعد ليس نهاية مشوار حياة الموظف؛ بل بداية حياة تفاؤل، وعطاء بدلاً من الانطواء على النفس وعالةً على الأهل، وتدهور حياته التي بدأت من ضعف جسده، وتشتّت ذهنه، وغريب على أقاربه، وبعيدٌ عن زملائه، ووحيدٌ من أصدقائه، والأكثر سوءاًَ بُعده عن زملائه الذي اعتاد على تحيتهم عند الحضور إلى عمله، ووداعهم عند الانصراف، ممدّداً قدميه في مُقدمة صالة منزله، مُكرراً الأسئلة لمن جلس معه، أو مرّ به من أفراد أسرته، مُكثراً لهم الأوامر؛ لإحضار الفطور، والغداء، والعشاء مُنادياً لإغلاق فوانيس الإضاءة الزائدة، وتخفيض برودة الفريون، وإغلاق الأبواب، والرد على الهاتف، وألا يذهبوا ويتركونه وحده، وإذا ذهبوا لا يتأخرون، وغيرها من الأسئلة، والأوامر التي تحدث لمن ينطوي في منزلهِ بعد تقاعده، ويزداد سوءاً من تضايق أفراد عائلته الذين يعيشون سوء انطوائه.
لذا من الأفضل لمن شارف على أبواب التقاعد أن ينظم إلى الجمعيات التي تحتاج لخدماته التطوعيَّة في مُختلف الأوجه التي يحتاجها المنتسبون إليها، وأن يجدّد علاقاته مع أصدقائه، وجيرانه، وزملائه؛ لكي يرتبط بهم بعد تقاعده، وأن يحفظ علاقاته مع زملائه في العمل الذين على أبواب التقاعد، ويؤسسوا ديوانية خاصة بهم؛ ليلتقوا فيها ويقضوا على الانطواء الذي يحدث لأكثرهم بعد تركهم عملهم الرسمي.
بريدة - نادي القصيم الأدبي