د.فتحي محمد الدرادكة
الملك فهد بن عبد العزيز هو الملك الخامس للدولة السعودية الثالثة، التي بناها وأسس أركانها القائد العظيم الملك عبد العزيز - طيَّب الله ثراه -، وإنجازات الملك فهد ظاهرة وواضحة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها وما زالت وستبقى أبد الدهر، لأنه بنى وأنجز الكثير من المشروعات الداخلية والخارجية وما زالت راسخة وشامخة وتتطور.
شخصية الملك فهد تتميز بسمات كثيرة كانت سبباً رئيسياً في تحقيق الكثير من الإنجازات، فقد ارتوى من مدرسة المؤسس العظيم، وتنقل الملك فهد في الكثير من المواقع القيادية التعليمية والأمنية والسياسية وشارك في العديد من المؤتمرات الدولية ممثلا للمملكة العربية السعودية في المحافل الدولية إلى أن تسلم أمانة المسؤولية بعد وفاة الملك خالد - يرحمه الله - .
ولد الملك فهد في الرياض عام 1340هـ - 1921م وعين وزيراً للمعارف عام 1773هـ / 1953م ثم وزيراً للداخلية عام 1382هـ / 1962م، ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء عام 1382هـ / 1967م إضافة إلى مسؤولياته كوزير للداخلية، وبعد وفاة الملك فيصل اختاره الملك خالد ليتولى منصب ولي العهد في 13 ربيع الأول 1395هـ 25 آذار 1975م ونائبا لرئيس مجلس الوزراء وتم منحه صلاحياته واسعة لإدارة شؤون البلاد والإشراف على مصالح الشعب. بويع ملكا على المملكة العربية السعودية بعد انتقال الملك خالد إلى جوار ربه في 21 شعبان 1403هـ / 13 حزيران 1982م وبذلك أصبح الملك فهد ملكا على المملكة العربية السعودية وتمت بيعته من أفراد العائلة ومن الشعب السعودي.
أوكلت إلى الملك فهد رئاسة العديد من المجالس والهيئات وترأس وفد المملكة العربية السعودية في الكثير من المحافل الدولية، فقد ترأس المجلس الأعلى للبترول والمعادن والمجلس الأعلى للجامعات والمجلس الأعلى لرعاية الشباب واللجنة العليا لسياسة التعليم واللجنة العليا لشؤون الحج والهيئة الملكية للجبيل وينبع والهيئة الملكية لتطوير المدينة المنورة. كما أوكلت له العديد من المهمات الخارجية منها عضوية وفد المملكة العربية السعودية في افتتاح هيئة الأمم المتحدة عام 1945م ورئيس لوفد المملكة في مجلس جامعة الدول العربية في الدار البيضاء عام 1959م رئيس لوفد المملكة إلى بريطانيا عام 1970م للمشاركة في مناقشات مستقبل الخليج علاوة على العديد من المشاركات الكثيرة.
يُعدُّ الملك فهد رائد الحركة التعليمية فمنذ إنشاء وزارة المعارف عام 1953 صدر الأمر الملكي بتولي الأمير الملك فهد وزيرا للمعارف، وبدأت الخطط والبرامج التي اشرف عليها الملك فهد. كان عدد المدارس عندما أنشأت وزارة المعارف لا يتجاوز 43 مدرسة ابتدائية و4 مدارس ثانوية ومدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي. فقام الفهد برسم خطط وبرامج لرفع مستوى التعليم إلى أعلى المستويات وهدف من هذه الخطط والبرامج نشر التعليم وتعميمه في جميع أنحاء المملكة بمختلف مراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والتمهيد لإنشاء جامعة لتكون أول جامعة في جزيرة العرب، وتكون نواة للتعليم العالي، ووضع أسس التوسع في البعثات الخارجية على أسس الحاجة لسد حاجة التعليم أولا وقطاعات الدولة المختلفة، ووضع هدف بتحقيق الاكتفاء الذاتي من المدرسيين السعوديين في جميع مراحل التعليم.
الأرقام تتحدث عن إنجازات الفهد خلال وجوده في وزارة المعارف فقد قفزت ميزانية التعليم من (45671592) ريالاً عام 1954 إلى (87000000) ريالاً عام 1960 وهذا إنجاز كبير انعكس بشكل كامل على العملية التعليمية. وعن المدارس فقد ارتفع عدد المدارس الابتدائية إلى 712 مدرسة، وزاد عدد الطلبة إلى (104203) طالباً وعدد المدرسين إلى (4940) مدرساً. وارتفع عدد المدارس المتوسطة إلى 36 مدرسة تضم (5437) طالباً و262 مدرساً. وأنشئت أول جامعة في الجزيرة العربية هي (جامعة الملك سعود) عام 1957م، بعد عام واحد من تولى الفهد وزارة المعارف، وفي عام 1960 أنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لتكون جامعة عالمية تضم 100 جنسية من مختلف جنسيات العالم لذلك أطلق عليها الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس بسبب أن الجنسيات التي تحويها هذه الجامعة من مختلف العالم.
أنشئت أكثر من 24 جامعة في عهد الملك فهد في شمال وجنوب وشرق وغرب المملكة العربية السعودية لتكون هذه الجامعات منارات علم وثقافة للمجتمع السعودي والعالم. ومن ابرز هذه الجامعات ( جامعة الإمام محمد بن سعود، جامعة الملك فيصل، جامعة الملك سعود، جامعة الطائف، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، جامعة الدمام، جامعة الخرج، جامعة المجمعة، جامعة القصيم، جامعة طيبة ....الخ. وقال الملك فهد في أحد أحاديثه عن التعليم « إن من فضل الله علينا وتوفيقه أن أصبح لدينا الآن سبع جامعات، وآلاف من المدارس في مختلف مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مختلف أنحاء البلاد، وأصبح أبناؤنا يتخرجون من الكليات العليا في مختلف التخصصات مثل الشريعة والعقيدة والطب والهندسة والاقتصاد وكل مجالات التعليم والتطور، مما هو مدعاة لاعتزازنا وتقديرنا». لذلك يسجل للملك فهد الوثبة التعليمية السعودية وانه هو واضع الأساس التي قامت عليها النهضة التعليمية وظل العلم والعلماء محط اهتمام الملك فهد فيقول في إحدى كلماته: «بالنسبة لي لست غريبا على رجال العلم وطلبة العلم، فقد كانت أفضل أيَّامي التي اعتز بها، واعتززت بها في الماضي، وسوف أعتز بها في المستقبل أن شرفني الله تعالى فقمت بأعمال وزارة المعارف التي شكلت في المملكة العربية السعودية، ومعها تقلدت مناصب أخرى لكنني أجد - في الواقع - أن العلم ورجال العلم هم الذين أشعر بهم حولي، وأنا كذلك في نفس الوقت حولهم، لإيماني الكامل بأن العلم هو الشيء الأساسي الذي تعتمد عليه الأمم، وفي مقدمة ذلك عقيدتنا الإسلامية السمحة التي هي في الواقع، الأساس وهي مقاس لنا كأمة إسلامية».
المحطة الثانية من محطات الفهد كانت وزارة الداخلية ففي الثالث من جمادى الثانية 1382هـ / الموافق (31 - 10 - 1962) تولى الملك فهد مقاليد الداخلية، وقام بإعادة تنظيمها وفق أسس عصرية تتناسب مع ما وصلت إليه المملكة من تطور، وركز على أن يكون العلم هو السبيل للتطور فقام بإنشاء كلية قوى الأمن الداخلي (كلية الملك فهد الأمنية الآن) من أجل تأهيل الشباب السعودي على المستوى الجامعي في العلوم التي تقتضيها مختلف نشاطات وزارة الداخلية.
وأنشئ معهد ضباط الصف والجنود، ومعهد المرور، ومعهد قيادة السيارات والميكانيكا ومعهد اللغات، ومعهد التربية البدنية، وميدان الرماية الدولية، بهذه الأعمال الكبيرة التي قامها الملك فهد تولت وزارة الداخلية مسؤولياتها في حفظ الأمن العام وخفر السواحل والدفاع المدني والجوازات والشؤون الجنائية والشؤون البلدية وإمارات المناطق وكل شيء له علاقة بأمن المملكة تولت الوزارة مسؤولياته باقتدار وبأيد سعودية.
المحطة الثالثة من محطات الملك فهد كانت عندما عهد إليه الملك فيصل - رحمه الله - منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء إضافة إلى مسؤولياته وزيراً للداخلية ورئيساً لعدد من الهيئات العليا المتخصصة، وأصبح يرأس جلسات مجلس الوزراء إلى جانب قيامه في سياسة تتعلق بالسياسية الخارجية للمملكة العربية السعودية، ونتيجة للخبرة الكبيرة التي تكونت للفهد وإلمامه بما يتعلق بمسؤوليات السياسة والإدارة والحكم وهذا ما تحقق في الوثبات التي حققتها المملكة في عهده - رحمه الله -.
بعد استشهاد الملك فيصل - رحمه الله - كانت المحطة الرابعة من محطات الملك فهد، وكان أول قرار اتخذه الملك خالد تسمية الأمير فهد وليا للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وكان ذلك في (25 آذار 1975م) وقام الملك خالد بتفويض الملك فهد بالكثير من الصلاحيات من أجل الوصول بالبلاد إلى أرقى المستويات وتحقيق الطموحات، لذلك جاءت الخطتان الإنمائيتان الثانية والثالثة اللتين انتقلت من خلالهما البلاد إلى العصر الحديث.
انتقل الملك خالد إلى جوار ربه في 13 حزيران 1982 فبويع الملك فهد بالمُلك، فكانت هذه البيعة تجديداً للمحبة العارمة التي أحب فيها شعب المملكة العربية السعودية الملك فهد، كيف لا وهو المعروف بتفانيه في مختلف المراحل والمحطات المناصب التي تولاها وكان الفهد رجل الدولة الموهوب والسياسي اللامع ورائد النهضة والتعليم والأمن.... هو ملك للمملكة العربية السعودية.
استمر الملك فهد في السياسة التي انتهجها من بناء ونماء وتطور للبلاد في مختلف قطاعات الدولة، وقام الفهد - رحمه الله - بالدعوة إلى التضامن الإسلامي والعمل على خدمة الإسلام والمسلمين، وهذه من الأسس التي ارتكزت عليها السياسة السعودية داخلياً وخارجياً منذ تأسيس المملكة على يد صقر الجزيرة الملك عبد العزيز آل سعود، وقد أرسى المغفور له الملك عبد العزيز هذه السياسة وتوارثها أبناؤه البررة من بعده، وتبلورت هذه السياسية في مؤتمرات القمم العربية والإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي حالياً) ورابطة العالم الإسلامي..... ويقول الفهد في هذا الصدد: «المملكة العربية السعودية هي واحدة من دول أمة الإسلام، هي منهم ولهم، نشأت لحمل لواء الدعوة إلى الله، ثم شرفها الله لخدمة بيته وحرم نبيه، فزاد بذلك حجم مسؤوليتها، وتميزت سياستها، وتزايدت واجباتها، وهي إِذْ تنفذ تلك الواجبات على الصعيد الدولي إنما تتمثل ما أمر به الله من الدعوة إلى سبيله، بالحكمة والموعظة الحسنة، وتتحسن ما كان يفعله رسول الهدى - عليه الصلاة والسلام - عندما يواجه الشدائد وعظائم الأمور، يستخدم العقل استخدامه للقوة فالإسلام دين الرحمة والعقل والقوة، يأبى التخريب ويحارب الغوغائية محاربته للذل والضعف والاسترخاء.....» وأنتم تعلمون أيها الإخوة كيف أطلقت من هذه الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية دعوة التضامن الإسلامي، فثار صدها الشرق والغرب، حاولوا وأد الفكرة في مهدها لكن عزيمة المخلصين من قادة المسلمين مكنتنا فأنشأنا منظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي) والمؤسسات والهيئات التي تنبثق منها أو تعمل لتحقيق أهدافها، وهذه هي الدائرة التي نمارس الآن نشاطنا الإسلامي داخلها، وهي لا تقل أهمية أو قوة عن دائرة الأمة العربية، فالإسلام عزنا، والمسلمون سندنا وعمقنا الاستراتيجي».
لذلك انعقد مؤتمر القمة الإسلامي عام 1981 فكان هذا الحدث حدثاً كبيراً وتاريخياً متميزاً، فأول مرة في التاريخ يجتمع هذا العدد من قادة الإسلام والمسلمين، فكان لهذا المؤتمر دور كبير في تنقية أجواء العديد من دول العالم الإسلامي، وكان الملك فهد حريصا كل الحرص على افتتاح القمم الإسلامية بنفسه ويؤكد على مبدأ العمل الجماعي حيث يقول: «إن العمل الجماعي هو الصفة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة التحديات».
لم تغب عن بال الملك فهد العروبة كما أن الإسلام كان في طليعة أولوياته الأساسية، ففي كل مناسبة كان يركز على البعد العربي وانتماء المملكة العربية السعودية للعروبة هو منطلقها الأساس لانطلاقها للإسلام والعالم الإسلامي، وكان للملك فهد في مختلف مراحل حياته دور متميز في معالجة القضايا العربية، فقام بزيارة مختلف البلدان العربية وحضر كثيراً من المؤتمرات والاجتماعات العربية ويؤكد على التضامن العربي حيث يقول: «وأول مراحل تعاوننا هي دائرة جامعة الدول العربية، تحيط بالأمة العربية وترسم حدود نشاطنا معها ونحاول من داخلها أن نتعاون مع أشقائنا العرب على جمع الكلمة ورأب الصدع، إِذْ اننا نؤمن بأن في وحدة الصف قوة رادعة وفي تفككه ضعف وهوان، ونأمل مخلصين أن تكون الخلافات الهامشية بين الدول العربية».
يسجل للملك فهد قضيان أساسيتان كان لهما دور كبير في التعاطي معهما وبلورة الحلول اللازمة لحلهما هي القضية الفلسطينية وقضية لبنان. فالقضية الفلسطينية تحفل بالمواقف الراسخة والثابتة للمملكة العربية السعودية، وللفهد دور أساسي ورئيسي في هذا المجال، وظل الملك فهد يؤكد على وحدة الصف العربي هي القوة الكبرى التي يستطيع العرب بها تحقيق أهدافهم، وظل يعمل على هذا المستوى لتحقيق وحدة الصف العربي حيث يقول « إن المبادئ الأساسية لا خلاف عليها، فنحن نطالب بتحرير الأرض العربية المحتلة وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبإقامة دولة فلسطينية مستقلة». ورأى الفهد أن القوة الناجمة عن وحدة الصف هي الطريق الأولى لإقناع العالم بعدالة قضيتنا وإجبار العدو الصهيوني على التوقف عن عدوانه. وتبلورت لدى الفهد مبادرة لحل القضية الفلسطينية وحل قضايا الشرق الأوسط وهي المبادرة التي عرفت بمشروع الملك فهد التي تحولت بعد ذلك إلى قرارات تبناها مؤتمر القمة العربي الثاني عشر الذي عقد في فاس فأصبح اسمه «المشروع العربي»، كما تبناها مؤتمر القمة الإسلامي الرابع الذي عقد في الدار البيضاء. واستخلص الملك فهد مشروعه من القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية حيث يقول بذلك «هناك مجموعة مبادئ يمكن الاسترشاد بها وصولاً إلى التسوية، وهي مبادئ للأمم المتحدة أن أقرتها وأعادتها تأكيدها مراراً خلال الأعوام القليلة الماضية».
ونذكر أبرز المبادئ التي ارتكزت عليها المبادرة: انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس العربية، إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967، ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة، تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرعب العودة.. قيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس.. كما نرى أن هذه المبادئ استندت إلى قرارات المم المتحدة والشرعية الدولية،.وكان لمشروع الملك فهد ضجة عالمية كبيرة وحمل الملك فهد الدول العالمية المسؤولية عن قيام واستمرار دولة إسرائيل، حيث يقول: «والحديث عن مسؤولية الولايات المتحدة بالنسبة للصراع العربي - الإسرائيلي لا يعفي دول أوروبا الغربية من مسؤولياتها وبصورة خاصة بريطانيا التي تتولى حالياً رئاسة مجموعة السوق الأوروبية والتي تتحمل مسؤولية كبيرة بالنسبة لما جرى للشعب الفلسطيني.....» وطرح الملك فهد لمشروعه لتذكير العالم وهيئاته ومنظماته الدولية بمسؤولياتها وقراراتها فهو يقول: «إن المبادئ التي ذكرتها ليست من تأليفي أو ابتكاري، ولكنها من قرارات صادرة عن الأمم المتحدة سواء عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة وبالإمكان ضمها جميعاً في قرار واحد يصدر عن مجلس الأمن ويشكل إطاراً للتسوية الشاملة».
القضية اللبنانية حازت على نصيب كبير من اهتمام الملك فهد وأسهمت المملكة العربية السعودية في تخفيف ويلات الحرب ومد يد العون للشعب اللبناني في مختلف مراحل القضية، فشاركت في قوات الردع العربية حين تقرر إنشاء هذه القوات وإرسالها إلى لبنان، وساهمت في جمع المباحثات والمحادثات السياسية التي دارت بين مختلف الأطراف المحلية والخارجية في لبنان، وقدمت المعونات المادية والطبية للمتضررين من الحرب. ويقول الفهد في هذا المجال «إن الوضع اللبناني يشكل احد أهم نقاط الضعف الرئيسية في الموقف العربي، فقوة لبنان قوة للعرب، وضعف لبنان ضعف للعرب، والاقتتال الدائر على أرض لبنان بين أبناء الشعب الواحد وما ينتج عنه دمار وخراب وسفك لدماء الأبرياء، أمر يحز في النفوس ويبحث على الحزن والأسى».
أما البيت الخليجي فقد وصف الملك فهد إنشاء مجلس التعاون الخليجي بقوله «: لقد وفقنا الله أن ننشئ مع أشقائنا في الخليج، داخل دائرة الجامعة العربية، دائرة قوية فعالة هي مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودرعاً للعرب، بصد الأذى ويعمق الأواصر».
قامت فكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تنسيق العلاقات وتوحيد أنماط التنظيم في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والصحية ووسائل الاتصالات، نظراً لتجانس أساليب الحياة في دول المجلس: الكويت، البحرين، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان. شعوب هذه البلدان تجمعها وحدة الأرض والتاريخ والدين واللغة والمصالح والعلاقات فيما بينها عريقة في منانها وقوتها منذ أقدم الأزمان. وقد اثبت هذا المجلس فعاليته في مواجهة الأحداث التي مرت بالعالم وبالمنطقة سواء فيما يتعلق بشؤون البترول الذي تقف دول المجلس في مقدمة منتجيه، أو فيما يتعلق بالحرب العراقية - الإيرانية، أو محاولات الهيمنة والتدخل التي تمارسها بعض الدول الكبرى، فقد كان موقف دول المجلس الست موحداً من هذه الأمور، مما أعطاه أبعاداً دولية واثبت فعاليته.. وأعرب الملك فهد عن مشاعره تجاه المجلس حيث يقول : «إن قيام مجلس التعاون جاء في المقام الأول تلبية لآمال وطموحات وتطلعات هذه الشعوب، واستجابة لرغباتها وميولها الحقيقية نحو التكاتف والتعاون والتعاضد، كما جاء تجسيداً للروابط الأخوية الحميمية التي تربط بين دولنا وتضرب بجذورها في أعماق تاريخ المنطقة حيث وحدتنا العقيدة الإسلامية السامية التي ندين بها جميعاً، والتي حافظت لنا شخصيتنا وهويتنا وتميزنا، كما جمعتنا أصول واحدة رسخت روح التعاون والمودة والإخاء بيننا».
كانت المملكة العربية السعودية عضواً فاعلاً في المجوعة الدولية لتحقيق السلام العادل والدائم في مختلف أنحاء العالم، ولم تدخر المملكة وسعا من أجل تحقيق السلام العادل والشامل في كل بقاع الأرض، وكان لنشاط المملكة في جميع المنظمات الدولية دليلاً واضحاً على أهمية تحقيق السلام العالمي ويقول الفهد في هذا الإطار «نحن نعمل في المحيط الدولي الشامل داخل دائرة الأمم المتحدة وفروعها ومنظماتها، ونلتزم بميثاقها وندعم جهودها، ونحارب أي تصرف شاذ يسعى لإضعافها، وتقليص قوة القانون الدولي لتحل محلة السلاح ولغة الإرهاب، ولقد كانت تصرفاتنا وستبقى، تعكس إحساسنا بالانتماء إلى المجموعة الدولية كأسرة واحدة مهما اختلفت مصالحها، وتصور إيماننا بمبادئ السلام على الحق والعدل، ونعتقد أن الأمن الدولي والاستقرار السياسي مرتبطان بالفعالية الاقتصادية ومنبثقان عنها».
هذا هو الفهد رجل السياسية والاقتصاد ورائد النهضة التعليمية والتنموية في المملكة العربية السعودية، وقد قفزت المملكة في عهده قفزات مميزة في مختلف مجالات الحياة. رحم الله الملك فهد بن عبد العزيز، وأدام الله نعمة الأمن والأمان على المملكة العربية السعودية، وحفظ الله الملك سلمان بن عبد العزيز.