إن الذي يقيد الإنسان ويكبّل حركته، ولا يمنحه الحرية والاستقلالية، هي نفسه حينما تمتلئ بالحقد والغل والحسد، فلا تعرف أهم قوة وهي قوة العفو أو التسامح، فتجنح إلى الانتقام والتشفي والأخذ بالثأر، فالحقد في النفس بركان لا يهدأ، وإعصار يدمر كل شيء. ومن هنا يأتي العفو والتسامح إشارة لتحقيق نفس سليمة من الحقد، بريئة من الانتقام، لا تعرف الأخذ بالثأر، أو شيئاً من المؤامرة.
إن العفو والتسامح والسيطرة على النفس عند الغضب والبلايا والمصائب، موقف سلوكي أخلاقي، أرقى في تعبيره عن الكلمات. وكلما ازداد القلب في العداوة والحقد ازداد سواداً، وكلما أوغل في الإيذاء، اشتد ظلاماً، وهذا هو سر بقائه مرهون بالروح العدوانية، يستمد منها حياته، وفي الحقيقة هي تميته في كل لحظة، فصاحب هذا القلب جثة هامدة في الحياة، وليس لمثل هذا خُلقت القلوب! فأهل العفو والتسامح هم أحباء الله وهم من ينعمون بحياة هادئة يملؤها الهدوء والرضا، أهل المحبة هم من يرون جمال الحياة الحق.. العفو إعلان بإنهاء الحرب، وفرصة لمعرفة الأخطاء، وإدراك الإساءات، والتبصرة بالعيوب، والإحساس بوجود مشكلة تحتاج إلى حل. فكم من أوقات قد أهدرت، وكم من أعصاب قد التهبت وكم من انفعالات قد أحرقت كل جميل، وكم من ليال لم يذق فيها الضمير راحة فيأتي العفو ليمحو كل ذلك..
يأتي العفو ليحول الكاره إلى محب، والحاقد إلى ولي، والعدو إلى صديق، والحاسد إلى حميم والمتآمر إلى شريك، والخائن إلى أمين، والعنيف إلى رقيق، والقاسي إلى أسيف. لنتحلَّى بالعفو والتسامح كي نكون أسعد الناس؛ فالعفو والتسامح سلوك العظماء وهو أهم قوى الإنسان الشريف.