الجزيرة - المحليات:
في مساء الجمعة أمس الأول ألقت سمو الأميرة الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم كلمتها في الافتتاح النسائي لمعرض «الفهد روح القيادة»، الذي جاء برعاية خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز مساء الثلاثاء الماضي، بحضور صاحبة السمو الملكي الأميرة لطيفة بنت عبدالعزيز وجمع من السمو الأميرات والقيادات النسائية. واستعرضت سموها أهم المفاصل المحورية في مراحل مسيرة الملك فهد داخلياً وخارجياً بما عكس سمات القيادة في شخصيته وأفعاله ومواقفه - رحمه الله -، التي شملها المعرض بكل ما فيه من عرض دقيق ومفصل من ندوات ومقتنيات وسيرة ومؤلفات، وضعها الخُلَّص الذين أرَّخوا بالكلمة والصورة تاريخ ملك عظيم، لا ينساه التاريخ. وختمتها بالشكر لخادم الحرمين الملك سلمان لرعايته للمعرض، وللجهود المخلصة، والتكاتف الوفي بين أبناء الفهد وأحفاده، ومن يمثله من شباب يتطلع المعرض في برامجه إلى تعريفهم بمسيرة قائد بذل وأعطى، وأخلص وتفانى؛ ليكون لهم قدوة ونموذجاً - رحمه الله -، راجية من الله أن يديم على هذه البلاد نعمه ويحفظها، ويحفظ قادتها وولاة أمرها، وفي مقدمتهم الأخ المخلص له الأثير عنده سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -.
وجاءت كلمتها كالآتي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلقه رسول الله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
صاحبات السمو والمعالي، أيتها الحاضرات الكريمات،
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أتحدث إليكن اليوم بمناسبة معرض وندوات تاريخ الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -، ليس لنتذكر الملك الراحل، خامس ملوك هذه البلاد العزيزة؛ فذاكرة الوطن والأمة والإنسانية مكتنزة بالأفعال والأقوال التي خلدته - رحمه الله -، وإنما لنعرض لهذا الجيل الوفي صفحات من إرث الملك فهد، باعتباره واحداً من قادة العالم العظماء، الذين تركوا بصمات واضحة في سِفر البشرية، وأسهم مخلصاً في خدمة دينه ووطنه وأمته العربية والإسلامية، وبذل النفس والنفيس في إحلال السلم والتعاون بين شعوب الأرض، وعمل من أجل أن يلتقي الجميع حول المشتركات الإنسانية التي تجمعهم ولا تفرقهم.. ونقدم هذا الجيل إلى مدرسته في القيادة والإدارة، ونفتح المجال للمهتمين للتعبير عن مكانة الملك فهد في نفوسهم، ورصد مسيرته وتوثيق إنجازاته.
ومن حسن حظ الملك فهد بن عبدالعزيز - تقبله الله برحمته - أن ارتبطت حياته ببناء الإنسان، وترسيخ العمل المؤسسي، وإكمال مسيرة التنمية التي بدأها الملوك الذين سبقوه - رحمهم الله جميعاً -، فكان رائداً من رواد التعليم، يصف بكلماته تلك المرحلة في حياته فيقول: «بالنسبة لي، لست غريباً على رجال العلم وطلبة العلم؛ فقد كان أفضل أيامي التي أعتز بها، واعتززت بها في الماضي، وسوف أعتز بها في الحاضر وفي المستقبل، أن شرفني الله تعالى فقمت بأعمال وزارة المعارف».
وفي السنوات السبع التي تولى فيها - رحمه الله - وزارة المعارف بوصفه أول وزير لها بين العامين 1373هـ و1380هـ وضع للتعليم عموماً، وتعليم المرأة خصوصاً، خططاً قصيرة وبعيدة المدى، أسهمت - بحمد الله - في توجيه بلادنا إلى نهضة تعليمية مشهود لها بحمد الله، وتوسع تعليم المرأة بمراحله كافة، والتحقت بالتعليم العالي، وأُرسلت في بعثات دراسية للخارج، وفق ما يسمح به شرعنا الحنيف. واليوم، ونتيجة لذلك التخطيط السليم، تحقق المرأة السعودية بحجابها وتمسكها بدينها أعلى الدرجات العلمية، وتسجل اسمها في محافل الإبداع والتميز في الطب والعلوم والتخصصات كافة.
صاحبات السمو والمعالي، أيها الحفل الكريم..
إن تأهيل الإنسان هو أساس البناء التنموي، غير أن الأمن والاستقرار هما البيئة الحاضنة للازدهار، وبدونهما تفشل مشاريع الدول للنهوض بمجتمعاتها.
وقد كُلف - رحمه الله - بوزارة الداخلية بعد المعارف؛ فوطد أركان الأمن، وعمل على تطوير أدواته، واعتبر التدريب والتعليم هما السلاح الأول لرجل الأمن، وأعاد تنظيم وزارة الداخلية وفق أسس علمية عصرية، وأنشأ كلية قوى الأمن الداخلي التي حُولت لاحقاً إلى كلية الملك فهد الأمنية؛ لتمد أجهزة الأمن بالقيادات السعودية الشابة والمؤهلة علمياً وعسكرياً للقيام بواجبات الأمن ومهامه. كما أنشأ المعاهد المتخصصة لتدريب الأفراد وتأهيلهم في مختلف المجالات ذات الصلة بعملهم، وفق حاجات ومتطلبات الأمن بمفهومه الشاملة.
لم تكن فلسفة الأمن لدى وزير الداخلية فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - تقوم على أسسٍ مادية فقط، وإنما أيقن بأن الأمن أساسه مخافة الله، والالتزام بتعاليم الدين، وتطبيق الحدود الشرعية، وبناء قناعة لدى المواطن بأنه لا أمن بلا إيمان. وبحمد الله، فقد أصبح الأمن والأمان سمتين لازمَتَا هذه البلاد حتى الآن.
لقد تشرف الملك فهد - رحمه الله - بتحمل أعباء ولاية عهد المملكة بقرار من جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، وأوكل إليه مهام تخطيطية وتنفيذية، ومنحه صلاحيات واسعة، وكانت روح القيادة قد نضجت لدى الفهد، مدعومة بتجارب وخبرات متراكمة، فكان على مستوى المسؤولية؛ فاعتمد عليه الملك خالد، وأوكل إليه المزيد من الملفات الداخلية والخارجية.
وأفاض الله من نعمه على المملكة، فكانت مهمة القيادة هي استثمار الموارد المالية لمواصلة بناء الإنسان وتشييد البنى التحتية لدولة عصرية في المجالات كافة.
أيها الحفل الكريم..
إننا اليوم نعرض جزءاً يسيراً من حياة قائد كبير، وقد التقى الماضي بالحاضر في لحظة مفصلية من تاريخ بلادنا؛ إذ جرد الملك سلمان بن عبدالعزيز سيف الحسم من غمده، وأطلق بتوفيق الله عاصفة الحزم استجابة للملهوف، ودعماً لشرعية اليمن، وتطهيره من المرتزقة الحوثيين؛ لتعود اليمن إلى أهلها عزيزة كريمة، وهو الموقف الشجاع نفسه الذي اتخذه الراحل الملك فهد عندما قرر أن ينتزع الكويت من قبضة الغزاة عام 1990م، ويعيدها إلى حكامها وشعبها.
إنها محطات في التاريخ، تجمع سمات أساسية ومبدئية، تحلى بها قادة هذه البلاد منذ الملك عبدالعزيز حتى الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمهم الله جميعاً -، ويواصل الملك سلمان - أيده الله بنصره وتوفيقه - مسيرة العزة والكرامة.
وهنا أقتبس مرة ثانية من أقوال الملك فهد - رحمه الله - ما نصه: «إننا دائماً نحب أن نستبعد الاحتمالات السيئة، ونحب أن نفسح المجال بيننا وبين الدول المؤثرة في قضايانا المصيرية، عن طريق الحوار والاقتناع، ونود أن يدرك العالم هذه الرغبة الصادقة لدينا في إقرار أمنه واستقرار اقتصاده.. وليس معنى ذلك أن ندخر أي سلاح نستطيعه إذا وصلت قضايانا إلى مرحلة (اليأس) من الحل العادل، وإذا عجز الوسط الدولي عن إدراك نوايانا الحسنة، فإن الأمر حينذاك إلى استعمال كل سلاح يسعنا استعماله، وحينئذ نبذل الدم، الذي هو أغلى من النفط، بل أغلى ما في الحياة».
أيها الحفل الكريم..
لقد سجَّل التاريخ أن الملك فهد هو أول من لقب نفسه بخادم الحرمين الشريفين، وحرص على عمارتهما وخدمتهما، وأسس مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهي أعمال تجرد فيها من الأهواء الشخصية، وتوجه بنية صادقة لا يبتغي غير مرضاة رب العزة والجلال بنشر الإسلام، وبناء المساجد والمراكز الإسلامية حول العالم، خدمة للدين، ومساعدة للمسلمين على إقامة شعائرهم في أي مكان كانوا فيه.
إن هذا الجهد القليل والإسهام اليسير في عرض بعض منجزات الإدارة وملامح القيادة لدى الملك فهد - رحمه الله - هو جهد محبيه، يعرضون فيه فصولاً من سيرته ومسيرته وتجربته في الإدارة والحكم؛ لما في ذلك من ربط الأجيال ببعضها، بما يجسده تعاقب الإخوة على الحكم، والإنجاز، وكل منهم قامة بذاتها، له بصمته، وله نكهة خاصة، أضافها إلى هذا البناء الشامخ، المملكة العربية السعودية.
صاحبات السمو والمعالي، أيها الحفل الكريم..
إن معرض وندوات تاريخ الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - يحتوي على مقتنيات الملك فهد الشخصية، والأوسمة والأوشحة التي تقلدها، والهدايا من الملوك والرؤساء، والمناسبات الرسمية التي حضرها، إضافة إلى وثائق رسمية، ومخطوطات عدة، وأفلام وثائقية، وكذلك تدشين «موسوعة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود»، التي أعدتها دارة الملك عبدالعزيز في عشرة مجلدات، وإطلاق عدد من الكتب والإصدارات الجديدة عن الراحل - يرحمه الله -. ومن ضمن الكتب التي صدرت بهذه المناسبة كتاب «فهد بن عبدالعزيز آل سعود.. صور لها تاريخ»، وهو من رؤية وفكر وتأليف الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز، يستنطق من خلاله صوراً «شهدت على حقب من الزمن، وواكبت مناسبات وأحداثاً مهمة؛ لتروي لنا جزءاً وفصلاً من تاريخ هذا الملك الهمام، وتستعرض مواقفه التاريخية وإنجازاته المشهودة، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي لتكتمل الصورة الحقيقية لمسيرة العطاء والنماء في هذا الوطن المعطاء». هذا الكتاب المصور الذي يعد سجلاً تاريخياً تطلب إعداده وتوثيقه أكثر من خمس سنوات.
وفي الختام..
إن رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لهذه الفعاليات هو شرف يجلل هامة المناسبة والقائمين عليها. فالملك سلمان ليس كغيره في علاقته بالملك فهد - غفر الله له -؛ فقد كان قريباً إليه، أثيراً إلى قلبه، شاركه بالرأي والمشورة، واعتمد عليه الملك فهد في الكثير من المهام والملمات التي تختبر فيها معادن الرجال وصلابة إرادتهم.
أشكر القائمين على المعرض ودارة الملك عبدالعزيز على هذا الجهد الوطني المبارك، الذي يسلط الضوء على حياة الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -، ذلك القائد الحكيم، والسياسي المحنك، والإنسان الذي تفيض مدامعه رحمة، وتضطرب مشاعره خشية من الله، وكان خير الناس في أهله مقتدياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وأهل داره.
رحم الله الملك فهد، وأثابه على ما قدم لدينه ووطنه وأمته، وجمعنا رب العزة والجلال به في مستقر رحمته. ووفق الله قائد المسيرة وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأيده بنصره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.