قيادة سدة الحكم وتوجيه سياسته وأموره نحو مصالح المواطنين والبلاد والأمة غاية يتطلع إليها الحكام المخلصين الباريين بأوطانهم وعقيدتهم ومبادئهم، وهي علامات وفوارق تميز الخبيث من الطيب والزبد وما ينفع الناس، ولو سألت كل من ولّي أمراً من أمور العامة والخاصة ما غايتك ومناك وما تتطلع إليه عقب رحيلك؟ لأجاب بكلمتين أو عبارتين (تخليد الذكرى الطيبة) حيث إن الذكرى حياة ثانية، ولأنه تاريخ والتاريخ الذي يكتبه الآخرون عنك يختلف تماماً عن التاريخ الذي تكتبه عن نفسك، والناس شهداء في أرضه.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -رعاه الله- سيأبى التاريخ أن يختصر قراره الحازم حول قضية اليمن، أو يُجحف دوره الرئيسي في قيادة جيش العرب في تحرير الجزيرة من الأيادي الطامعة والخبيثة لأراضيها ومقدراتها، الملك سلمان ليس جديدا على السياسة وإدارة شؤون الحكم، بل هو مجدد ومطور لمنهاجها وأسلوبها، فقد ألم واستوعب آفاقها وأبعادها وسبلها وفنونها منذ أن كان أميراً للرياض واحتكاكه وملازمته لإخوانه ملوك البلاد (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله) -رحمهم الله تعالى- وقبلهم والده العظيم عبدالعزيز، وكما يقال المجالس مدارس.
التجديد هو مصطلح يعني التحديث والتطوير وليس التغيير والتبديل، بمعنى آخر يقصد فيه (إحياء الهمة) وهو المصطلح الذي أطلقه المؤرخون على الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب -غفر الله له ولوالديه- حيث أحيا في الناس همة الالتزام بالدين والانقياد لأوامر الشرع وتصحيح سلوكياتهم العقدية والشرعية بما يناسب الكتاب والسنة، فلم يأتِ بشريعة منفردة أو مختلفة كما يفعل أهل الأهواء والمطامع، بل كرس جهوده الفكرية والعلمية في نشر الدعوة الدينية وإحيائها في نفوس الناس بحسب منهج سلف الأمة الأوائل من علماء ودعاة، وكذلك على النحو الذاته يقوم الملك سلمان حفظه الله، بتجديد الخريطة السياسية للعالم الذي نعيش فيه ووسطه ومعه، بشرط أن نكون مؤثرين وفاعلين فيه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإنسانياً.
لا أظن بأن مثلي مؤهل للكتابة أو الحديث عن شخص بمكانة الملك سلمان، فهو تاريخ يخطب وده المؤرخون والباحثون، وفي جميع جوانب ومجالات حياته، ولكن حسبي الإشارة إلى موقفين:
أحدهما فكان خطاباً أردت تقديمه له حينما كان أميراً للرياض، ولحرصي وعجلتي لتسليمه خطابي أعجلت عليه وهو يخاطب أحد المواطنين ولا حظ القريبين منه تصرفي فلتفت إلي بكل هدوء وثقة رغم خطأ تصرفي وعدم تقديري للموقف وقال بنبرة صوته المهيبة (أصبر شوي الله يهديك)، وما زلت ألوم نفسي رغم مضي سنوات على ذلك، أما الآخر فأثناء عملي بمدارس الرياض حيث كان اللواء أحمد السلطان المشرف على قصور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يؤدي دوره التربوي بتفقد وزيارة ابنه عبد العزيز بين الحين والآخر ومن حسن حظي بأن كنت المرشد الطلابي بالمرحلة الابتدائية والذي تربطه علاقة بأولياء الأمور، فتبادلنا الحديث حول وفاء الأمير سلمان مع أخيه الأمير سلطان ومرافقته له طوال فترة علاجه في الخارج والتي امتدت إلى أكثر من عام كامل فخلصنا إلى المقولة المأثورة « قدر الرجل بقدر همته».
والتاريخ سيكتب سلمان بعناية وتوسع لأنه ملك مجدد.
اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء، وأدم علينا نعمة الإيمان والأمان، ووظفنا واستعملنا فيما يرضيك اللهم عنا.