بادئ ذي بدء، نحمد الله على آلائه ونعمائه كلها، ومنها أن خص بلادنا بهذه المكانة بين الدول، وهيأ لها بمنه وكرمه وإفضاله حكاماً لا يخشون في الذود عن حياضه ومقدساته، وأمن واستقرار ورخاء شعبه لومة لائم. مكانة لا تكاد على أحد، دينياً وسياسياً واقتصادياً على مستوى الكرة الأرضية برمتها؛ ونهج تكتنفه الحكمة وسداد الرأي وبعد النظر، تثبته الأحداث ويسجله المنصفون دوماً بمداد من العرفان والموضوعية والانبهار. وما عاصفة الحزم إلا مثال حي على هذا الإجماع الدولي بالتأييد وعلى صدق توجه هذه السياسة، وأنها تنشد العدل وتأبى الظلم والضيم، وتنصر المظلوم، وتأخذ على يد الظالم.
ليس مستغرباً أن تسخر المملكة العربية السعودية بقيادة ربانها سلمان الإباء كل إمكاناتها مع أخواتها دول مجلس التعاون الخليجي المشاركة لمحاولة إخراج اليمن الشقيق مما حل به جراء ما يسمى بالربيع العربي من مآس ونكبات بفعل المؤامرات والخيانات والدسائس. لكن هذه الجهود الدبلوماسية والمبادرات الخيرة كان يُعصف بها، مرة بالمناورات والمماحكات وعدم الجدية، وأخرى بمحاولة شق الصف عن طريق استخدام القوة والتآمر لتركيع الشعب اليمني وحكومته الشرعية المنتخبة برئاسة عبد ربه منصور هادي، بغية نشر الفوضى.
إذا كانت الثورة السلمية السورية سميت بـ «الكاشفة» لأنها كشفت عن الوجه الطائفي القبيح لحزب الشيطان و»بوقه» الذي طالما تغنى بالمقاومة والممانعة، فإن المؤامرة الدنيئة على اليمن هي «الفاضحة» لأنها أبانت بجلاء عوار إيران الصفوية المجوسية وأطماعها، وكذلك عرّت ذراعها الحوثي الإرهابي، وفضحت ألاعيب وخيانة المخلوع لوطنه وأمته وطعنهما في الصميم.
لقد بلغوا جميعاً حداً من الزُّهوْ المزيّف، والغطرسة والكبر والغرور والاستعلاء حداً جعلهم ينصبون آلياتهم وميليشياتهم المدجّجة على حدود المملكة ظناً منهم بأن أسود الشرى نيام، وأن الخطوط الحمراء مجرد أوهام، وأن الأُباة الصّيد سيتركون اليمن «السعيد» الجريح المستغيث نهباً للطغاة وللئام!
ترى ما الذي غرهم وأغاظهم وأغراهم حتى جعلهم منتفشين كالطواويس عن آخرهم؟!
غرهم حلم وأناة وصبر وتريث وهدوء قادتنا، وما علموا أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة متى ما استنفد الصبر لاستمرار التعنت والصلف والغطرسة. وقد كان..، فتطايرت خططهم وأحلامهم، وبُهتت أفهامهم الضيقة وعقولهم القاصرة على إثر هذه العاصفة المدوية.
وأغراهم دعم إيران الصفوية على المضي في غيهم الذي هم فيه يعمهون، وما دروا أن هذه الشريرة إنما اتخذتهم مطايا للوصول إلى مآربها الدنيئة في الهيمنة والتوسع على حساب أمة الإسلام كافة.
وأغاظهم - هم وأشباههم - ما يرونه من علو شأن هذه البلاد السعودية المباركة، وتماسك لحمتها قيادة وشعباً، فما كان منهم إلا ما نراه دوماً، إزباداً وإرعاداً ونفثاً لسموم الأحقاد والضغائن، فيلوون أعناق الحقائق، ويقلبون ويشوهون الوقائع.
هم ما جهلوا قط متانة هذه العقيدة الإيمانية التي كانت ولا تزال -بحمد الله- السبب الرئيس في صلابة هذا المجتمع وتماسك ومتانة مقوماته، لذا فهم كانوا ولا يزالون يعمدون لكل سبيل شر وفتنة من شأنه أن يوهن هذا البنيان الشامخ والطود الأشم؛ فباءت وتبوء دوماً بالخسران والخذلان مساعيهم، فضلاً من الله ونعمة.
لكن ذلك لم يكن ليمنعهم قط من مواصلة مسلسل السعي في الإفساد في الأرض، بالكيد والتربص وافتعال الأزمات، ما يحتم علينا - على مستوى الأفراد - الوعي والتنبه لهذه الأساليب القذرة الهادفة لزعزعة الصف وإحداث الثغرات.
ولعل من أوضح ما تفرزه ماكيناتهم البروباقاندية من إسفاف وبذاءة وأمور تتقزز منها الفطر والعقول السوية، وتشمئز منها النفوس الأبية ما يُبث من سباب ولغط ولعن وطعن في كل ما يخالف آراءهم الشاذة ولا يسير في ركابهم الضالة. لا تخلو غالباً هذه القنوات المأجورة من عسف لآيات القرآن الكريم لتتوافق مع ما يريدون إيصاله من المعتقدات الفاسدة، وكذلك الافتئات على العلماء - قديمهم ومعاصرهم -، والتشنيع على من فنّد ويفند طقوسهم الشركية والبدعية.
والهدف الجلي هو تنفير أتباعهم من البسطاء والعامة من التعرض لمثل هذه الحجج الدامغة التي ستأخذهم بأمر الله إلى الطريق القويم، صراط الله المستقيم.
أما الحكام والمحكومون فحدث ولا حرج، فديدنهم التشكيك والتقول عليهم، وتزييف الحقائق من أجل الوصول إلى انعدام الثقة فيما بينهم، ليتم عندها التسويق لترويج بضاعتهم من الإشاعات العفنة لضرب المجتمع بأكمله في مقتل؛ فالواجب إذاً هو الحذر من هذه الأحابيل الشيطانية التي تمتلئ بها ليس القنوات «الأبواق» فحسب، ولكنها تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أعمّ وأشمل. لا يجب الالتفات إلى مثل هذه السموم الفتاكة ولا إعارتها أدنى اهتمام إلا بالتحذير من خطورتها على الفرد والمجتمع. كذلك توخّي الحذر من تناقل ما لم يتوثق من مصداقية مصدره، خصوصاً ما يتعلق بالفتاوى والتصاريح التي تنسب إلى ولاة الأمر- حفظهم الله - والوزراء وكبار المسؤولين في الدولة. المصادر الرسمية -ولله الحمد- متاحة وآنية، والقنوات الرسمية وتلك التي تريد الخير لهذا المجتمع وأهله كثيرة أيضاً، وهي تغني عما سواها، ممن سبق ولوغه في هذه الأوحال، أو ممن يستهويهم القيل والقال.
الحرب النفسية التي عادة ما يلجأ إليها المرجفون في الأرض والذين في قلوبهم مرض، تتعدد أساليبها وأنماطها وأشكالها، لكنها لا يجب أن تخفى على ذي لب وعقل يعلم أن مصلحة دينه ومليكه ووطنه مقدمةٌ على كل مصلحة، فـ(المؤمن كيّسٌ فطنٌ) كما قال المصطفى محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه؛ لذا فحريٌ بالمواطن والمقيم عدم التعجل والتهور، سواء في استقبال الأخبار والأكاذيب أو في إرسالها والبوء بإثمها ووزرها. إن الحفاظ على القيم والمقدسات والمكتسبات والمقدرات والوطن والثروات يتطلب أن يكون الفرد عيناً واعيةً، وأذناً صاغيةً لكل ما فيه صلاح ونماء ورخاء واستقرار وطنه، فيحرص عليه بكل شكيمة، وكل ما فيه خلاف ذلك ينبذه ويتصدى له وينبه عليه، ويحذر منه بكل ما أوتي من قوة وعزيمة.
نتضرع إلى الله بالدعاء لإمامنا ومليكنا سلمان بن عبدالعزيز، فهو قد طلب منا ذلك قائلاً: «لا تنسوني من دعائكم»، وذلك من السنة ولا يطلب إلا من محب لمحب له، ونحن نشهد الله على محبته فيه، فها هو الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - يقول: «لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان»، لأن صلاح الإمام صلاح للعباد والبلاد، فاللهم احفظ عبدك سلمان بن عبدالعزيز وإخوانه وأعوانه واكلأهم بعينك التي لا تنام، واجعلهم هداة مهتدين، مفاتيح للخير، مغاليق للشر يا رب العالمين. ولا ننسى أن نستثمر هذه الوسائط في إيصال دعواتنا لأبطالنا المجاهدين البواسل بأن يسدد رميهم وينصرهم على البغاة الظالمين الذين أكثروا في أرض اليمن الفساد.
وأختم بهذا البيت - مع بعض التعديل - والذي ذكره أمام الملك فيصل ضمن قصيدة طويلة الشاعر الكبير عمر أبو ريشة - رحمهما الله - وفيصل أخ لسلمان وكلاهما ابنا الإمام عزةً وأنفةً في الحق والمجد صنوان، وقد نهلا من ذات المعين والمبادئ والقيم عينها. يقول بيت الشعر:
يا ابن عبدالعزيز وانتفض الحزم
وأصغى وقال من ناداني؟!
قلت ذاك الجريح في دماج
في صنعاء، في دار إيمان
و»دار الإيمان» هذه مأخوذة من الحديث الشريف (الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية)، رد الله اليمن السعيد إلى سابق مجده قوياً موحداً وكفاه شرور الأشرار وكيد الفجار.
كما نتمنى أن يحكّم الإنقلابيون عقولهم، فأبواب الحوار ما زالت مشرعةً، وما تم من سرقة لليمن وشرعيته في وضَح النهار أمر واجهه العالم بكل حزم، ولم يشذ سوى المحرضين والشركاء في هذه الجريمة الشنعاء.