من نِعم الله سبحانه عليَّ أن كتب لي سكنى بلده الحرام بضعة وثلاثين عاماً وغادرته بسبب ظروف العمل، عشت أول طفولتي بمكة المكرمة والتقيت بعدد ليس باليسير من سكان الأرض من المعتمرين والحجاج، ومن الذين شاهدتهم الإيرانيون الذين وعيتهم مع سن التمييز أواخر القرن الرابع عشر الهجري معتمرون وحجاج يتمتعون بالثراء والبذخ في سكنى أفضل العقارات وشراء أنفس البضائع، ومع حلول القرن الحالي رأيت حالهم يتغير بل يعرضون بعض البضائع لتساعدهم في نفقات حجهم، لم أكن على وعي تام بسبب هذا التحول وما حل بالشعب الإيراني من معاناة حربه مع الجار العراقي، بعدها أدركت أن الحرب تأكل الأخضر واليابس، والمحنك من يحاول تجنبها.
مضت الأعوام وبدأ الحجاج الإيرانيون يرتكبون بعضاً من الحماقات في البلد الحرام من مسيرات وتفجيرات، وهي أمور لم تكن معهودة إبان عهد الشاه، وبعد صد قوات الأمن الباسلة الاعتداء المسلح في بيت الله الحرام عام 1407هـ منعت السلطات الإيرانية شعبها من الحج عدة سنوات بافتراءات بصيغة مبررات على حكومة بلادي.
استعرضت تاريخ إيران الذي عايشته ورأيت كيف حوّلت الثورة الخمينية الشعب من شعب غني إلى شعب متوسط وربما أقل من ذلك، خاضت الجمهورية الإيرانية حرباً مع الجار العراقي مدة 8 سنوات ليس فيها كاسب بل انتهى كل طرف عند حدوده الجغرافية بعد أن حمّل شعبه خسائر بشرية ومادية.
ناصرت السلطات الإيرانية ما يسمى حزب الله في جنوب لبنان ودعمته بالمال والسلاح حتى تهور هذا الحزب صيف 2006م فهيج على لبنان بأسرها العدو الإسرائيلي المتحصن بالدعم الأمريكي والأوروبي وأضحت بيروت كأن لم تغنَ بالأمس.
وبعدها بثلاث سنوات نقلت السلطات الإيرانية الدعم إلى شمال اليمن الشقيق فحرضت الحوثيين على انتهاك سيادة الأراضي السعودية - حرسها الله - التي تمكن فيها أحفاد رجال عبد العزيز من دحرهم فتسبب الحوثيون في تعطيل التنمية في اليمن الذي هم جزء منه، حتى قادهم التهور إلى الانقضاض على الشرعية والاستيلاء على الأجهزة الحكومية والاستهتار بالتحذيرات الدولية وعدم المبالاة بالمبادرات السياسية، فكان الجواب الذي رأوه قبل أن يسمعوه بعاصفة الحزم، وقبلها كانت أخبار الربيع العربي التي لم تحسب السلطات الإيرانية تقدير وقعها في الخليج، فأوقدت الفتنة في البحرين الشقيق وما لبث درع الجزيرة أن أطفأ شرارتها قبل اشتعال نارها.
واليوم تدخل الثورة السورية عامها الرابع والسبب دعم السلطات الإيرانية لرأس النظام السوري بالمال والسلاح والعسكر في قتل شعبه، أما العراق فبعد سقوط نظام صدام لم تتمكن السلطات العراقية من إحكام قبضتها على الأمن بسبب تدخلات السلطات الإيرانية التي لم تعتد في علاقاتها الدولية سوى نشر الفوضى وإشعال الفتن بين طوائف المجتمع. وتطالب السلطات الإيرانية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين شأنها شأن جميع الدول الإسلامية ولكنها للأسف يصدق عليها قول الشاعر:
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ
عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
فهي ما زالت تحتل ثلاث جزر إماراتية ناهيك عن محاولة تخصيب اليورانيوم والوصول للسلاح النووي في وقت يحد العالم من تملكه والجيران يخشون من تأثيره على البنية التحتية والبيئة.
يقيني بأن سليل فارس أياً كان مذهبه وعرقه مثله مثل أي مواطن يعيش على أرض الله يتمنى حياة مادية كريمة ويطمح أن يحكم - بضم الياء - بمدنية شأنه شأن شعوب العالم المتحضر دون الإخلال بما يدين به.
مليارات أنفقتها السلطات الإيرانية خلال ما يزيد على 30 سنة في معارك خاسرة وعلى مؤامرات بائرة وسلاح خطير كانت من الممكن أن توجه للاستثمار في إرساء بنى تحتية وعقارات شاهقة ومدن صناعية، شأنها شأن الخليج وماليزيا فتوفر رفاهية للمواطن الإيراني وفرص عمل لشعوب الأرض في بلاد فارس.
فهل نشهد في قادم الأيَّام ثورة تعيد أمجاد حكم الشاه المدني تزدهر بها الثقافة الفارسية ويظهر فيها التسامح المذهبي ويختفي منها التمييز العرقي.
وآخر المقال: لا زلنا كمسلمين عرباً وعجماً نتذكر الموقف الشهم لجلالة شاه إيران حينما أصدر أمره الكريم لإحدى قوافل النفط المتجهة بحراً إلى أوروبا بتغيير مسارها إلى جمهورية مصر العربية إبان حرب أكتوبر؛ استجابة لطلب الرئيس أنور السادات، وهي بحق مدعاة فخر للإخوة في إيران التي كدرها تسمية سلطات الجمهورية الإيرانية أحد ميادين طهران باسم قاتل السادات بطل معركة العبور.
- عضو هيئة التحقيق والادعاء العام