وجدت لزاماً علي أن أبدأ بتقديم الكاتب قبل الكتاب وذلك لكثرة ووفرة من أصبحوا يصدرون روايات لها ما لها وعليها ما عليها وقد يختلط الأمر فنستسمن ذا ورم.
الدكتور حسين الواد باحث وأستاذ جامعي من تونس له في الأدب العربي القديم والحديث مؤلفات عديدة ودراسات يعتد بها وخاصة في دراسته للشعراء مثل المعري والمتنبي وبشار وأبي تمام كما أن له مؤلفات في المناهج الحديثة.
تعتبر رواية « رائحة المدينة « الصادرة عن دار الجنوب التونسية ضمن سلسلة إصدارات عيون المعاصرة الرواية الأولى للدكتور الواد وله تجربة سردية أخرى بعنوان «سعادته السيد الوزير» رشحت لجائزة البوكر للقائمة القصيرة كما جاء في تعريف الكاتب.
تقع الرواية في 205 صفحات من القطع الصغير وصمم الغلاف الفنان محمد المصمودي وتتكون من فقرتين يسرد فيها الكاتب على لسان الحفيد رواية كتبها الجد وتتناول التحولات الحديثة في المدينة ونقتبس من الرواية هذه الفقرة «بدأ التجار وأصحاب الأموال حسب بعض العارفين بالسياسة خارج ما كان يغرد به وحده المؤرخ الحزين، يضجرون من تضييق الدولة عليهم فصروا على أموالهم وشغلوا إذاعة «قالوا» فأصبحت تتضوع من الأفواه رائحة كريهة جداً كانت مزيجاً مرعباً من العطر المغشوش والنتونة الجائعة والجشع الشرس أرتاعت منها الحكومة فأرخت الحزام لأرباب المال وغضت الطرف عن المهربين واستمرت تلهب بسياطها ظهر عامة الناس تدفع بهم الى استرواح جنات لا تخطر على بال أحد».
وتمضي الرواية في بنائها الدرامي في استقراء مستجدات العصر وقيمه الجديدة التي أصبحت فيه معايير الوجاهة والمكانة الاجتماعية مختلفة عن وسائل اكتسابها فيما مضى كما في هذا المقطع الذي اخترناه عشوائياً من وسط الرواية «همس لهم بعض النصحاء أن الوجاهة أصبحت تدرك في زماننا بواسطة الأعمال الخيرية من قبيل العناية بالمعوقين والمشردين واليتامى والبؤساء والمفقرين وباستصلاح المعالم الأثرية وبناء المساجد وترميم المقامات والزوايا قالوا لهم ألا ترون أن المعوقين أصبحوا يسمون ذوي احتياجات خاصة».
هكذا تنفذ الرواية الى عمق مجتمع الرأسماليين أو بعضهم الذين امتلكوا المال فأصبحوا يبحثون عن أدوار أخرى في المجتمع تجعل الناس أكثر تقبلاً لهم مع استعراضه للعديد من الشعارات التي استدعاها الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية والعلاقة بين رجال المال والأعمال عبر تركيبات الشركات المحلية والعالمية.
رواية لا تخلو من متعة القراءة بحبكتها الفنية الرائعة ولغتها الراقية ولا تخلو من الفائدة لتكثيفها بعض الصور المتناثرة عن مجتمعاتنا الحديثة التي قد لا نستطيع تجميعها وتبيان ملامحها بمجرد المعايشة اليومية أو الملامسة السطحية لها.