الجزيرة - محمد السنيد
أكد سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح أن شخصية الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، ستبقى ماثلة أمام أعين الجميع كنموذج فريد لقيادة حكيمة رسمت آمال الأمة، كونه قاد المملكة في ظروف تاريخية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة العربية والإسلامية، لافتًا إلى أن إنجازات الملك فهد وملوك السعودية ليست مفخرة لأبنائهم وأحفادهم ومواطنيهم فقط بل هي مفخرة لمواطني دول الخليج جميعًا، إِذ إنهم عملوا وأخلصوا في بناء وتنمية المملكة، ولا شك أن النمو ومشروعات التنمية التي تشهدها ما هي إلا محصلة جهودهم وجهود المواطنين كافة.
وقال سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح بمناسبة رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، -حفظه الله-، حفل افتتاح معرض وندوات تاريخ الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، «الفهد.. روح القيادة»، وتدشين الموسوعة التاريخية عن الملك فهد، بتنظيم أبنائه وأحفاده بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز التاريخية خلال الفترة من 31 مارس إلى 14 أبريل:
إن مآثر الملك فهد لا يمكن أن نرصدها ونوفي حقها في سطور، بل وحتى في صفحات ومجلدات.. فقد كان، رحمه الله، رجل الخير والسلام والإنسانية وقائد الأمة ورائد النهضة، الذي ازداد الثقل السياسي والاقتصادي والديني الذي اكتسبته المملكة في عهده، مما جعلها محط أنظار العالمين العربي والإسلامي.
وأضاف: لقد قاد البلاد في أحلك الظروف وأصعب الفترات بحكمة وحنكة، وتميزت المملكة في عهده بالثبات في سياساته الخارجية والواقعية تجاه كافة التطورات بالعالم، سيراً على نهج والده الإمام عبدالعزيز وإخوانه الملوك، رحمهم الله، مستمداً دعائم سياسته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعرج سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح على إنجازات الملك فهد على الصعيدين الداخلي والخارجي، وذكر على الصعيد الداخلي عملية التحديث والتطوير الشاملة التي قادها الملك فهد، وعمله على ربطها بالنظام العالمي، سياسياً واقتصادياً، وإصداره العديد من الأنظمة والتنظيمات، ومن أبرزها الأنظمة الثلاثة: (نظام الحكم، والمناطق، والشورى)، التي جعلت من المملكة نموذجاً فريداً للدولة الإسلامية الحديثة.. وقال: لقد شهدت السنوات الأربع والعشرين التي تولى فيها الملك فهد بن عبدالعزيز قيادة المملكة إنجازات إنمائية ومشروعات عمرانية، نقلت المملكة نقلة نوعية، وحققت الاحتياجات الأساسية للتنمية من مرافق عامة وجسور وطرق سريعة وأنفاق وزراعة وصناعة ومطارات ومستشفيات وجامعات ومدارس، وجيش قوي مجهز بأحدث الأسلحة والمعدات، وسجل له التاريخ أنه قام بأكبر عملية تنموية، نقل بها بلاده إلى العصر الحديث، ودشن نهضة صناعية وعمرانية ضخمة، تحولت بها المملكة إلى منطقة جذب للاستثمارات العالمية، وارتبطت تلك النهضة بالحفاظ على الثروة البترولية السعودية التي جعلتها أهم منتج في السوق العالمية الآن.
ولم يتوقف الملك فهد عند حدود الاقتصاد والتنمية وحدهما، بل قام بعدة إصلاحات سياسية على صعيد الحكم، فاهتم بمجلس الشورى، ووضع من خلاله نظاماً أساسياً لبناء الدولة، قادراً على التكيف مع المتغيرات العالمية، وحماها بعد، عناية الله وحفظه، من هزات وأحداث كبرى مرت بها.. كذلك إيمانه، رحمه الله، العميق بدور المدرسة والمؤسسة التعليمية في نماء المجتمع وتطوره وتقدمه، فذكر أن كان اهتمامه بالتعليم كان اهتماماً كبيراً وتجسد ذلك في بكل ما يتصل به من بناء للمدارس ووضع المقررات والمناهج، ثم تعديلها وتحديثها، وتدريب المعلمين، وإنشاء الجامعات والمعاهد والدراسات العليا وما إلى ذلك.. بل إن سياسة التعليم في المملكة صدرت بقرار من مجلس الوزراء الموقر وكان، رحمه الله، وراء صدوره. ومن ذلك قوله: «إن الإنفاق على التعليم يقع في أعلى سلم أولويات الإنفاق الحكومي» وقوله: «يجب أن يدخل العلم كل بيت في هذه البلاد وأن يستضيء المواطنون في حقولهم وأماكن عملهم بنور المعرفة». وقوله: «يجب أن يعمل كل منا وفق طاقته وأن يخلص لهذا الجيل الصاعد من أبناء وطنه».
أما على الصعيد الدولي فقد أشار سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح إلى أن الملك فهد، رحمه الله، كانت له مواقف جليلة في حل العديد من الخلافات والقضايا الإسلامية والعربية، كما كانت وقفات إنسانية في الكوارث التي حلت بالعالم، مما بوأ المملكة مكانة مرموقة بين دول العالم وأصبح لها ثقلها ومكانتها في الميزان الدولي.
وقال سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح: لا ينسى أحد بصماته الخالدة، بأعماله الإنسانية وإنجازاته الخارجية المتميزة، فقد كرس نفسه لخدمة قضايا وطنه العربي والإسلامي لا السعودي فقط، وأصبحت المملكة في ظل حكمه مسؤولة لها ثقلها في المنطقة، وأخذت على عاتقها حل الأزمات العربية والإسلامية، وكان شغله الشاغل خدمة الإسلام منذ تقلده منصب أول وزير للمعارف ثم وزيراً للداخلية إلى أن شرّف الله المملكة به وصار ملكاً عليها، وكان داعماً سياسياً ومادياً ومعنوياً لكل القضايا العربية والإسلامية والدولية، وكان نصر الأمة مطلبه وغايته، سنداً ونصيراً للقضية الفلسطينية وعضواً فاعلاً في الأمة الإسلامية مثلما كان والده جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، يهتم بهذه القضية. ولا ينسى الكثير منا مواقفه العظيمة في أوقات المحن والأزمات التي أصابت المسلمين، حيث وجه، رحمه الله، بمساعدة شعب البوسنة والهرسك وشعب كوسوفو والشيشان، وموقفه التاريخي تجاه دولة الكويت ونصره في عام 1990، حيث اتخذ قراراً تاريخياً، حفظ به النظام الإقليمي في المنطقة العربية من الانهيار، عندما غزا صدام حسين الكويت، وهدد السعودية ودول الخليج الأخرى، حيث أظهر الملك فهد تصميماً على مواجهة ما جرى بكل قوة، كما ساعد شعب العراق بعد الحرب التي حلت به ووقف مع الشعب السوداني وشعوب جنوب آسيا بعد زلزال تسونامي.
وأوضح سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح أن الملك فهد، رحمه الله، كانت له أيضاً من الأعمال الجليلة التي نفع الله بها الأمة الإسلامية؛ مثل توسعة الحرمين الشريفين التي لم يسبقه إليها أحد، وإنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية، لخدمة كتاب الله طباعة ونشراً وترجمة لمعانيه وخدمة لعلومه، وتوزيعه على بقاع العالم، مما أسهم في نشر القرآن الكريم في كثير من بقاع الدنيا. وتواضعه، رحمه الله، باستبدال لقب «خادم الحرمين الشريفين» بلقب «صاحب الجلالة»، وكان ذلك في إحدى كلماته التي ألقاها: «عن رغبة ملحة تخامرني باستبدال مسمى صاحب الجلالة بلقب أحبه ويشرفني أن أحمله وهو خادم الحرمين الشريفين، وسوف يعتمد هذا رسمياً من الآن».. كما اهتم بإقامة الجوامع والمساجد في مختلف المناطق، وبإنشاء المراكز الإسلامية خارج المملكة لربط الجاليات والأقليات الإسلامية بأصولها، ومن ذلك إقامة مركز إسلامي في روما يضم مكتبة كبيرة ومدرسة لتعليم أحكام الشريعة ومسجداً كبيراً يتسع لآلاف المصلين، ومركز إسلامي في مالقا يضم مكتبة كبيرة تحوي آلاف الكتب الإسلامية ومدرسة ومسجداً واسعاً للرجال وآخر للنساء، وإنشاء مسجد خادم الحرمين الشريفين في جبل طارق ودعمه، وإقامة المعهد الإسلامي في طوكيو، إلى غير ذلك من أنشطته الخيرة وأعماله الموفقة لنفع الإسلام والمسلمين.
واليوم يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، المسيرة، ويقف إلى جانب أشقائه في دول الخليج العربية في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تواجهها في هذه الآونة، يدفعه عظم المسؤولية تجاه شعوب المنطقة وحرصه على استتباب الأمن والسلام والرخاء بين ربوعها.