اطلعت على مقال الكاتبة سمر المقرن في عدد يوم الأربعاء رقم (15518) 5 جمادى الآخر 1436هـ والذي حمل عنوان (سلمان.. إذا وعد أوفى). وبداية أود أن أشيد بقرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله وحفظه لأمته وشعبه، فقرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء هو تأكيد كامل أن الملك سلمان اتخذ قراراً بأن يكون في صف المواطن، حاملاً همه ومعاناته، فإن ضرورة حل المشكلات المتعلقة بعدم استغلال واستثمار الأراضي البيضاء بالمدن في أقرب وقت، وأكدوا أن حجز هذه الأراضي لفترة طويلة وعدم استثمارها أو بيعها لآخرين لاستثمارها تعسف غير منطقي وأحد الأمور التي تسهم في تشويه الوجه الجمالي لأي مدينة، حيث تسهم الفراغات الموجودة في الأحياء في عدم اكتمال الخدمات، بالإضافة إلى أنها شجعت البعض على استغلال هذه الفراغات في التخلص من النفايات والقمامة والحيوانات النافقة، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة على الصحة العامة أيضاً، وهو ما يتطلب سرعة تدخل المسؤولين لوضع حلول لمشكلات وجود هذه الأراضي بعد دراسة معوقات عدم استثمارها.
إن معظم المشكلات المتعلقة بعدم استثمار الأراضي البيضاء هي إما التداخل مع أراض حكومية وعامة، أو رغبة أصحابها في إبقائها لفترات طويلة حتى تتضاعف أسعارها، أو التعقيدات من بعض الجهات الحكومية أو الخلافات حول التركات أو صعوبة الحصول على التمويل ومبالغة جهات التمويل في الفوائد. وفي جميع الأحوال فإن الجهات الرسمية تستطيع أن تتدخل بالأسلوب الذي يسهم في وضع حلول مناسبة لمشكلات عدم استغلال هذه الأراضي بالشكل المطلوب في ظل الحاجة الملحة للأراضي السكنية والاستثمارية، وخاصة في أوساط المدن.
وما تقوم به المجالس البلدية في حل مشكلات ومعوقات استغلال الأراضي البيضاء فإن هذه المجالس تقع على عاتقها أدوار لم تنفذ أياً منها ولا نعرف سبباً منطقياً لذلك سوى ما نسمعه من تعقيدات من الجهات الرسمية ذات العلاقة أو عدم تحديد الأدوار بدقة أو تعدد التفسيرات لأدوار أعضاء المجلس البلدي. وأعتقد أن حل مشكلات الأراضي البيضاء من المهام الرئيسة للمجلس البلدي لأنها تتعلق بصلب عمله.
مشكلة الأراضي البيضاء غير المستغلة موجودة في أنحاء المملكة كافة، ولكنها موجودة بشكل لافت في المنطقة الشرقية ومنطقة الرياض، حيث ترى فراغات كبيرة في الأحياء يستثمر بعضها إلى عقود عدة، ولذلك وجب وضع حلول لهذه المشكلة لتواكب الانتعاش الكبير الذي يشهده قطاع العقار وللاستفادة من كل الأراضي في ظل النقص الحاد في عددها والذي يرفع الأسعار إلى معدلات عالية.
ونتساءل عن الرغبة الغريبة لبعض مستثمري العقار في كنز الأراضي إلى الأبد وكأنه سيكون مخلداً إلى الأبد، إن الكثير من الأحياء القديمة وليست فقط الجديدة تضم أراضي بيضاء منذ عشرات السنين لم يستغلها أصحابها، ولا يريدون بيعها بأسعار السوق، ويبالغ بعضهم في الأسعار إلى أبعد حد، وهو أمر غير صحيح حتى ولو كانوا هم ملاك الأراضي. ومن واجب الدولة التدخل في هذا الشأن لأن بعض الأراضي تقع في مواقع استراتيجية وفي أحياء راقية، وعدم استغلالها أو إتاحة الفرصة للآخرين باستغلالها تعد تعسفاً وتصرفاً يسيء إلى وجه المدينة ومنظرها العام، وهو الذي يحدث للأسف في مدن المنطقة الشرقية المختلفة وخاصة في مدن الدمام والخبر والظهران، فهناك أراض في أحياء قديمة بالعشرات لم تستغل منذ أكثر من عقدين وتترك فراغات غير مستحبة - ولذلك تؤثر على الوجه العام للأحياء والمدن بشكل عام - ويتطلب ذلك تدخلاً من الجهات الحكومية لأن الشكل العام للمدن يهم الجميع وملك للجميع، ويجب دعوة جميع مؤسسات المجتمع في حث أصحاب الأراضي البيضاء إلى بيعها لآخرين إذا لم يرغبوا في استثمارها بأنفسهم.
عدم وضع حلول مناسبة للأراضي البيضاء في المدن أسهم في زيادة عددها على مدى السنوات الماضية لدرجة أنك ترى كثيراً من الأحياء التي تعد قديمة نسبياً بها فراغات سكنية هائلة هي عبارة عن أراض يملكها أشخاص لا يرغبون في بيعها أو استثمارها - ومن المفروض أن لا يحدث هذا في هذا الوقت الذي نحتاج فيه لأي مساحة في داخل المدن للمساهمة في حل أزمة وجود الأراضي السكنية والتجارية - ويتطلب تدخل المسئولين من واقع أن أصل ملكية الأرض لله عز وجل وأن ملكية الإنسان لها مؤقته بدليل انتقالها إلى آخرين في حالات البيع أو الوفاة أو غير ذلك.
إن الأراضي الفضاء أو ما يطلق عليها البيضاء في أحياء المدن وخاصة القديمة منها لها أثر سلبي على الشكل العام للمدينة بشكل عام حيث تترك فراغات بين المباني بينما من المفروض أن تكون المباني متراصة لتشكل منظراً جميلاً للمدينة بإضافة مكونات الجمال الأخرى - وللأسف- فإن معظم المدن السعودية توجد فيها فراغات هائلة في أحياء يفترض أن لا يوجد بها أية فراغات لأنها أحياء قديمة. والأسباب التي يتم إيرادها لبقاء هذه الأراضي بدون استثمار أو إعمار كثيرة والكثير منها غير منطقي، ولا يمكن الاستناد إليه في إبقاء الأراضي دون استغلال. والحل إما باستثمار الأراضي دون تأخير وخلال فترة زمنية معينة أو بيعها لآخرين يستفيدون منها ويستغلونها بالشكل الأمثل.
لأن الشكل العام للمدينة ملك للجميع، والدولة صاحبة السلطة والحق في فرض ما تراه مناسباً من دون الإضرار بأصحاب هذه الأراضي الذين يستفيدون من المبالغ التي ستنتج من بيع هذه الأراضي، وإن لم يكونوا قادرين على استثمارها أو إعمارها، أو لم يرغبوا في ذلك لأسباب تخصهم.
ولابد من إنشاء بنوك عقارية تعني بإقراض المشاريع السكنية والتجارية للمواطنين والمستثمرين وبفوائد أقل، لأن ذلك سيسهم بشكل كبير في حل أزمة الإسكان وارتفاع أسعار العقارات التي يعاني منها الجميع.
د. فهد السنيد - الرياض