الجزيرة - سعد العجيبان/ تصوير - سلطان الفهد:
أن يظهر الأمير سعود الفيصل ويتحدث.. فإنَّ لظهوره وقفة.. ولحديثه أيضاً وقفات.. هو ثقل اكتسبه بقدراته الذاتية.. فضلاً عما استفاد منه وما زال.. من خلال توجيهات القيادة الحكيمة.. ليمضي في كنف سابع ملوك الدولة السعودية الحديثة.. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - وينهل منه.. ويستدعيه التاريخ في منعطف.. يصنعه سلمان بخطوط عريضة لسياسة الدولة الخارجية.. للخوض في معترك الدبلوماسية.. التي طالما احتاجت لشخصية «الفيصل».
صناعة التاريخ.. لها متطلبات خاصة.. قلَّما تتوافر في الكثيرين.. وبالمفهوم العام لتلك الصناعة.. يكون التاريخ صانعاً أم مصنوعاً..
فأحدهم يصنع التاريخ.. والآخر يصنعه التاريخ.. وبطبيعة الحال.. الواقع هو خير شاهد.. فثراء المملكة بمن صنعوا التاريخ من القياديين.. لا يُقارَن بأي دولة في العالم.. ولا نبالغ في القول إن جميعهم صنعوا تاريخاً لوطنهم ولأمتهم ولم يصنعهم.. فبدءاً من مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي بات «عبقرية» تاريخية بحد ذاته.. مروراً بأبنائه الملوك : سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله - رحمهم الله - .. وإلى سلمان - حفظه الله - «أقرب الملوك شبهاً بوالده» قلباًً وقالباًً وفكراً وحنكة وعبقرية.. كذلك غيرهم من أصحاب السمو الملكي الأمراء من الأبناء والأحفاد ومن يليهم من الأمراء القياديين الذين صنعوا التاريخ في الماضي البعيد والقريب.. وها هم في «عاصفة الحزم» يصنعونه في الحاضر الزاهر.
لقد كان حضور صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل لمجلس الشورى.. في جلسة عادية.. ولقاء بمحتوى غير عادي.. بمثابة المنهج الذي يستحق أن يُدَّرَس للجيل الحالي والقادم.. بل للأجيال القادمة.. اللقاء حظي بشفافية مطلقة.. وحمل رؤية حاسمة وحازمة لكثير من الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية للمملكة.. وفقاً لتوجهات القيادة الرشيدة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد وسمو ولي ولي العهد.
الأمير سعود الفيصل حضر جلسة الشورى قبل موعد بدئها بما يقارب نصف الساعة.. ودخل تحت القبة يرافقه صحبه الكريم ورئيس المجلس قبل الأعضاء.. سموه ألقى كلمة تاريخية «بكل ما تحمله الكلمة من معنى».. 31 دقيقة و5 ثوان.. هي مدة كلمة سموه.. حملت مضامينها ما يُحكى لقرون قادمة من سداد الرأي والحكمة والحسم والحزم.. ذلك هو المتاح للإعلام.. وغير المتاح تجاوز الساعة ونصف الساعة.. في نقاش شفاف مع أعضاء الشورى.. لتُتم الجلسة في مدتها الساعتين.. فمن تناول وزارة الخارجية كجهاز حكومي.. مروراً بمواقف المملكة وسياستها تجاه الأوضاع الراهنة للمنطقة.. ما يتعلق بفلسطين واليمن وسوريا والعراق وإيران وغيرها من الملفات المُلحِّة.. وجاءت جلسة الشورى العادية السادسة والعشرون تاريخية بمعنى الكلمة.. عنوانها هو «الفيصل».
ترحيب رئيس المجلس
رحَّب في مستهل الجلسة بصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية ومرافقيه، وشكر لسموه تلبية دعوة المجلس، لإطلاع المجلس على التوجهات السياسية، ومواقف المملكة تجاه مختلف القضايا والمستجدات بالمنطقة، وخطط الوزارة المستقبلية والإجابة عن ما لدى أعضاء المجلس من تساؤلات تدخل ضمن اختصاص وزارة الخارجية.
تقدير دولي
قال الدكتور آل الشيخ إن السياسة الخارجية للمملكة وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي العهد تحظى - ولله الحمد - بتقدير دولي لما تتسم به من الاعتدال والاحترام المتبادل.. فقد خطت المملكة من خلال حضورها السياسي والدبلوماسي اللافت خطى كبيرة على مختلف الصعد.. وأصبح للمملكة دورها المؤثر والفاعل على خريطة التعاون العربي والإسلامي والدولي ومن خلال عضويتها في مجموعة العشرين، وفي العديد من المنظمات الدولية.. فضلاً عن دورها البارز في محاربة الإرهاب.. وفي الحوار العالمي وترسيخ مبدأ التعايش السلمي.
إشادة
وأشاد رئيس مجلس الشورى بالجهود التي يبذلها منسوبو وزارة الخارجية وممثليات المملكة في الخارج بتوجيهات ومتابعة من الأمير سعود الفيصل لرعاية مواطني المملكة في الخارج وحماية مصالحهم وتسهيل كافة أمورهم، ونوه بالتعاون القائم بين مجلس الشورى ووزارة الخارجية، وما يجده المجلس من دعم واهتمام شخصي من سمو وزير الخارجية، وعد طلب سموه بتعزيز التعاون بين لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس ووزارة الخارجية، واحداً من الشواهد على ذلك.
من تلقاء أنفسهم
قبيل إلقاء سمو وزير الخارجية كلمته.. أوضح سموه أن مرافقيه جاؤوا من تلقاء أنفسهم.. وقال: لا أدري إن كانوا يريدون أن يشرفوا على ما أقوله أو أن يتأكدوا من أنه يسير وفق تعليماتهم أو غيرت فيه.
أول عضو في مجلس الوزراء الجديد تحت القبة
ثم ألقى سمو وزير الخارجية الكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.. معالي رئيس مجلس الشورى.. إخواني وأخواتي أعضاء مجلس الشورى.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يسعدني أن تشاء الصدف لأكون أول عضو في مجلس الوزراء الجديد يحضر في مجلسكم الموقر.. لأشرح السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية.. وتبادل الرأي والمشورة بشأنها.. خاصة أن منطقتنا كما ذكر سيدي خادم الحرمين الشريفين تمر بتحديات إقليمية نتيجة لما حل بعدد من الدول المجاورة أو القريبة من أزمات حادة عصفت بواقعها.. ودفعتها إلى مستنقع الحروب الأهلية والصراعات الطائفية.. مما يتطلب منا اليقظة والحذر.
حالي كانت أشبه بحال أمتنا
وقال سموه مخاطباً الأعضاء: إني أستميحكم عذراً.. أن أكون بينكم اليوم وأنا لا أزال في طور النقاهة إثر عملية جراحية كانت حالتي فيها أشبه بحال أمتنا.. مع الاعتذار بالطبع لأشقائنا المعنيين.
رثاء
وفي مشهد بدا عليه الأمير سعود الفيصل متأثرا.. قال سموه: يحز في نفسي أنني لم أكن في ربوع هذا البلد.. لأودع وأرثي الملك الراحل.. وأرحب وأجدد البيعة شخصياً لملكنا الجديد.. وها أنا اليوم بحمد الله بين إخواني وأخواتي في ربوع هذا البلد الأمين داخل صرح نعتز به من صروح وطننا الحبيب.
دموع أمير على ملك
حينها اختلطت العبارات بالعبرات.. وذرفت دموع سمو وزير الخارجية وهو يقول: لقد كان الملك عبد الله - رحمه الله - ملكاً عادلاً أحب شعبه ورعاه.. وبادله شعبه الحب والولاء.. ولعل لقب الملك الصالح الذي عُرف به هو أكبر دليل على ما قام به من إنجازات حققت للمواطن الأمن والاستقرار والازدهار.. فوداعاً أيها الملك الغالي.. وستذكرك دوماً نحن والتاريخ والأجيال القادمة بالخير والحب والعرفان.
خير خلف لخير سلف
ومضى سموه في القول: ونحن اليوم في كنف مليكنا سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - وأبقاه خير خلف لخير سلف.. ملكاً سابعاً لهذه الدولة الشامخة.. الذي لم يغب البتة عن أروقة صناعة القرار فيها.. بشقيه الداخلي والخارجي.. في موقع ثقة لكل من سبقه من إخوانه من ملوك هذا الوطن ومعاصراً لكل قضاياه.. مساهماً في إنجازاته منذ نعومة أظفاره.. عرف عنه دائماً بأنه صاحب الرأي السديد.. والفكر الرشيد.. والحرص على كل ما يتعلق بمصلحة الوطن والمواطن.. وقد أكد - حفظه الله - بالقول والعمل أنه سيسير على نهج أرساه مؤسس الدولة السعودية الحديثة جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - التي حافظ عليها الخلف الصالح من الملوك الذين أتوا من بعده.
ثوابت محددة
وأضاف سموه أن سياسة المملكة الخارجية مبنية على ثوابت محددة أهمها الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية وخدمة الأمن والسلم الدوليين.. مع الالتزام بقواعد القانون الدولي.. والمعاهدات والمواثيق الدولية واحترامها.. وبناء علاقات ودية تخدم المصالح المشتركة مع دول العالم.. تقوم على الاحترام المتبادل.. وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.. وذلك في إطار خدمة مصالح الوطن.. وحمايته والحفاظ على سلامة أراضيه واستقراره ونمائه.. ورعاية مصالح المواطنين.. وإعلاء شأن المملكة ومكانتها في العالم.
الدبلوماسية الشاملة
وبيَّن سموه أن العمل بموجب هذه الثوابت في سياق تحقيق سياسة المملكة الخارجية.. يحتم على وزارة الخارجية مواكبة متطلبات التغيير والتجديد بأسلوب وطريقة أدائها من المهام المنوطة بها.. وعلى النحو الذي يحاكي لغة العصر.. ويتعامل مع أساليبه.. ويمكنها من مواجهة الأعباء والمسؤوليات المتعاظمة الملقاة على عاتقها.. في ظل ما يشهده العالم من تحول.. من الدبلوماسية التقليدية المحدودة بين الدول والحكومات إلى ما اصطلح على تسميته بالدبلوماسية الشاملة.
العنصر البشري
وأشار سموه إلى أن هذا الأمر قد استدعى جهاز وزارة الخارجية لأن يتعامل مع سياسة التطوير بأسلوب منهجي.. ووفق منظور استراتيجي من كافة جوانبه الهيكلية والتنظيمية.. وقد كان للعنصر البشري النصيب الأوفر في عملية التغيير من خلال العمل على التطوير النوعي والعددي للموارد البشرية وإعادة النظر بشكل جذري.. في طرق استقطاب وتأهيل وتدريب هذه الكوادر.
المرأة في الخارجية
واستشهد سموه على ذلك بما توليه الوزارة من تقدير لأهمية دور المرأة السعودية.. فقد أتاحت لها الوزارة إمكانية الدخول إلى عالم الدبلوماسية على أساس اعتبارات الجدارة والمؤهل والمستوى الثقافي ليرفع عدد الموظفات من 60 موظفة في عام 1429هـ إلى 284 موظفة في عام 1435هـ أي بزيادة فاقت أربعة أضعاف العدد.
هيكلة أجهزة ديوان الوزارة
وتناول سموه ما يتعلق بمجال التطوير التنظيمي.. مبيناً أنه تم إعادة هيكلة كافة الأجهزة بالديوان العام لوزارة الخارجية.. كما هو الحال بالنسبة لبعثات المملكة في الخارج التي زاد عددها إلى 120 بعثة تغطي علاقات المملكة مع 134 دولة شاملة التمثيل غير المقيم والوفود الدائمة لدى المنظمات الدولية وذلك من منظور الدبلوماسية الشاملة.
التحول الالكتروني
وفي شأن العمل الالكتروني.. أورد سمو وزير الخارجية أن التحول للعمل الإلكتروني شكل العمود الفقري لتعاملات الوزارة فانتهى عصر الورقية عندنا.. داخلياً على مسار سير العامل وخارجياً على مسار الخدمات التي تقدمها التي بلغت حتى الآن 82 خدمة إلكترونية (مفصلة في تقرير بين يدي أعضاء الشورى).
الدراسات والبحوث
وفيما يتعلق بمجال الدراسات والأبحاث.. أوضح سمو وزير الخارجية أنه كان من المتعين في عملية التطوير أن تشمل معها الدراسات الدبلوماسية وهو جهاز مختص بإعداد الدراسات والبحوث والمعني بتطوير المهارات والقدرات لموظفي الوزارة وغيرهم من موظفي الدولة الذين يعملون في الخارج.
العمل الجماعي
وأكَّد الأمير سعود الفيصل أن السياسة الخارجية للمملكة تحرص دائماً على العمل الجماعي الفعال في مختلف أطرها الخليجية والعربية والإسلامية والدولية.. وتسعى بجدية إلى تطوير آليات العمل المشترك سواء من خلال الدعوة إلى الاتحاد الخليجي الذي يمكن (بحول الله) دول مجلس التعاون من مواجهة التحديات والتغيرات الإقليمية والعالمية وتقوية شوكتهم في الدفاع عن مصالحهم ومصالح أشقائهم في العالم العربي والإسلامي.. ناهيك عن المساهمة في إصلاح جامعة الدول العربية وتعزيز دور منظمة التعاون الإسلامي.. والدعوة إلى تطوير هياكل الأمم المتحدة، وإصلاح مجلس الأمن.
القضايا السياسية
وفيما يتعلق بالقضايا السياسية.. ألمح سموه إلى أنه جرى العرف على وضع أولويات لتلك القضايا.. غير أن جسامة التحديات وترابطها.. جعل من كل قضية تشكل أولوية بحد ذاتها.. إِذْ يتطلب التعامل معها.. بجهد متوازن وعلى كافة الأصعدة الثنائية والمتعددة.
القضية الفلسطينية
وشدد سموه على أن القضية الفلسطينية تشكل المحور الأساسي لسياسة المملكة الخارجية.. إِذْ يرتكز موقف المملكة تجاه هذه القضية على السعي لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل الذي يشكل صلب مبادرة السلام العربية التي تبنتها جامعة الدول العربية.
اليمن السعيد
وفي الشأن اليمني.. بدت على سمو وزير الخارجية علامات التأثر البالغ وهو يتناول مستجداته، فقال: إن اليمن السعيد.. يئن من آلامه.. وقد استبدلت ابتسامته.. بدموع على القتلى.. وألم على ضحاياه.. فتنة تكاد تقود اليمن إلى حرب أهلية.. ولم تدخر المملكة جهداً مع أشقائها في دول مجلس التعاون والأطراف الدولية الفاعلة.. في العمل المخلص الجاد.. بغية الوصول إلى حل سلمي لدحر المؤامرة عليه.. بدلاً من سفك الدماء.
ميليشيات وأعوان وإيران
ومضى سموه في القول: إلا أن ميليشيات الحوثي.. وأعوان الرئيس السابق وبدعم إيران أبت إلا أن تعبث في اليمن.. وتُعيد خلط الأوراق وتسلب الإرادة اليمنية بقوة السلاح.. وتنقلب على الشرعية الدستورية وترفض كل الحلول السلمية تحت قوة السلاح المذمومة.. في سياسة جرفت اليمن إلى فتن عظيمة وتنذر بمخاطر لا تحمد عقباها.
لسنا دعاة حرب
وتابع سموه: إننا لسنا دعاة حرب.. ولكن إذا قُرعت طبولها.. فنحن جاهزون لها.. وأمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج.. والأمن القومي العربي.. فكيف إذا جاءت الاستغاثة من بلد جار وشعب مكلوم وقيادة شرعية تستنجد لوقف العبث بمقدرات اليمن.. وتروم الحفاظ على شرعيته ووحدته الوطنية وسلامته الإقليمية واستقلاله وسيادته.. ومن هذا المنطلق حظي التحالف للدفاع عن الشرعية في اليمن بمباركة واسعة وتأييد شامل من لدن أمتنا العربية والإسلامية والعالم بأسره.. وسوف تستمر «عاصفة الحزم» للدفاع عن الشرعية في اليمن حتى تحقق أهدافها بإذن الله تعالى.. ويعود اليمن آمناً مستقراً وموحداً.
المأساة السورية
وفي الشأن السوري أورد سمو وزير الخارجية أن المأساة السورية فاقت كل حدود.. وأصبحت وصمة عار في جبين كل متخاذل عن نصرة هذا الشعب المنكوب.. فالقتلى يكاد يصل عددهم إلى نصف مليون.. شاملاً القتلى غير المعلن عنهم.. والمهجرين واللاجئين يفوق عددهم 11 مليونا.. وتابع: إننا أيها السيدات والسادة أمام مأساة مريعة تجاوزت كل المطامع السياسية ومراميها.. فهناك كارثة إِنسانية لم يشهد لها مثيل في تاريخنا المعاصر.. وضحيتها وللأسف الشديد بلد عربي عزيز.. تدمر بنيته.. ويذبح شعبه بلا هوادة ولا لين.. بيد آثمة من المفترض أن تحميه وتحفظ مصالحه.
موقف
وأكَّد سموه أن المملكة وهي تستشعر حجم آلام ومعاناة الشعب السوري.. تقف قيادة وشعباً خلف كل جهد ممكن في سبيل إحياء الضمير العربي والدولي لوضع حد لهذه الكارثة الإِنسانية.. وذلك عبر الدفع بالحل القائم على مبادئ إعلان جنيف 1.. الذي يقضي بتشكيل هيئة انتقالية للحكم بصلاحيات سياسية وأمنية وعسكرية واسعة.. لا يكون للأسد ومن تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور فيها.. مع السعي نحو تحقيق التوازن العسكري على الأرض لإرغام سفاح دماء دمشق للاستجابة للحل السلمي.. في ظل إصراره على الحسم العسكري.. الذي دمر البلاد وشرد العباد.. وحتى يعود السلام لهذا الجزء الغالي من أمتنا العربية ويشيد أبناؤها كما شيدوا في السابق عز دمشق وعز الشرق أوله دمشق.
بغداد.. عاصمة العروبة الجريحة
وفيما يتعلق بأوضاع العراق.. قال سمو وزير الخارجية: عندما نتحدث عن بغداد.. فنحن نتحدث عن عاصمة العروبة الجريحة التي قاست الأمرَّين على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من قبل أطراف خارجية.. تلهث من أجل إشاعة الفتنة والفرقة والتناحر.. ولا تكف عن ارتكاب الجرائم وبث الكراهية وغرس الحقد في عاصمة الرشيد وملتقى الحضارات التي كانت تشكل في وقت من الأوقات.. حديقة غناء.. يفوح عبيرها بعبق التنوع وثراء التعددية ليس فقط في مواطننا العربية.. بل وفي العالم بأسره.. وعلى مدى قرون طويلة..
استبشرنا خيراً
وأضاف سموه: لقد استبشرنا خيراً.. بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة وما أعلنته عن عزمها وتصميمها على إعادة بناء العراق على أسس وطنية.. وبمساهمته من جميع العراقيين بكافة مكوناتهم.. دون إقصاء لمذهب أو طائفة أو عرق.. وذلك علاوة على تعهدها بالقضاء على الإرهاب أياً كانت مسمياته وإزالة كل مظاهر المليشيات المسلحة.. ولقد حظي هذا التوجه الإيجابي بتأييدنا التام.. حيث انعكس على السعي نحو تطوير العلاقة والشروع في إعادة فتح سفارة المملكة في بغداد.. علاوة على المشاركة الفعالة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم (داعش) الإرهابي في العراق والشام.
إيران
وفي الشأن الإيراني.. وكعادة سموه في تناول الأمور بشفافية مطلقة.. استهل هذا الجانب بالقول: كنا نتوقع عند قيام الثورة الإيرانية التي سرنا أن تطلق على نفسها الإسلامية.. وتوقعنا أن تكون نصيراً لقضايانا العربية والإسلامية وعوناً لنا في خدمة الأمة الإسلامية.. وترسيخ للأمن والاستقرار في المنطقة.. إلا أننا فوجئنا بسياسة تصدير الثورة وزعزعة الأمن والسلم والتدخل السافر في شؤون دول المنطقة.. وإثارة الفتن والشقاق بين أبناء العقيدة الواحدة.
المصلحة من تقسيم العالم العربي والإسلامي
وأضاف سموه أن هذا التوجه آثار لدينا العديد من التساؤلات حول ماهية المصلحة التي ستجنيها إيران من تقسيمهم العالم العربي والإسلامي.. ومحاولة الدفع بها إلى الهاوية التي لا صعود منها.
نمد أيدينا لإيران
وتابع سموه: إننا اليوم لا ندين إيران أو نبرئها من الاتهامات الملقاة على عاتقها.. ولكننا سنختبر نواياها.. بأن نمد لها أيدينا كبلد جارة مسلمة.. لفتح صفحة جديدة وإذا كان لنا أن نعتبر إيران بلد حضارة.. ونحن نعتبرها وشعبها كذلك فإنَّ واجبها يتحتم عليها أن تكون بانية حضارة ترتقي بالأمن والسلم في المنطقة لا أن تزعزعه.. كما أنها كبلد مسلم فإنَّ كتاب الله وسنة رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلَّم - يفرض عليها خدمة قضايانا الإسلامية لا تشتيتها وتفريقها.
التضامن الإسلامي وجد ليبقى
وأكَّد سموه أن على إيران إدراك أن دعوة التضامن الإسلامي وجدت لتبقى.. وستبقى بمشيئة الله تعالى.. وليس أجدى لإيران أن تشارك في هذا التوجه.. بدلاً مما تسميه بتصدير الثورة.. ومضى في مخاطبة أعضاء الشورى: أعلم أن هناك العديد من التساؤلات حول السياسة الإيرانية لديكم.. وسأترك الإجابة عنها في النقاش العام حرصاً على عدم الإطالة.
النووي.. وشهادة التاريخ
وتناول سمو وزير الخارجية الملف الإيراني النووي.. مبينا أن مشكلته كونه يظل أحد الهواجس الأمنية الشديدة الخطورة على أمن المنطقة وسلامتها.. والتاريخ يشهد أنه لم يدخل سلاح في المنطقة إلا وجرى استخدامه.. ومن هذا المنطلق دعمنا دائماً الحل السلمي القائم على ضمان حق إيران ودول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.. وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها، وبما ينسجم مع قرار جامعة الدول العربية الرامي إلى جعل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي منطقة خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل.. بما فيها السلاح النووي.. وإذا كانت مجموعة دول (5+1) تأمل في إعطاء دور لإيران في المنطقة، فعليها أن تسعى أولاً لتحقيق التوافق بين إيران والدول العربية بدلاً من الالتفاف على مصالح دول المنطقة لإغراء إيران بمكاسب لا يمكن أن تجنيها إلا إذا تعاونت مع دول المنطقة.
الإرهاب
وفي شأن الإرهاب.. أشار سمو وزير الخارجية إلى أن أحد أكبر المخاطر التي باتت تواجه العالم وتهدد الأمن والسلام الدوليين.. هو خطر الإرهاب بكافة أشكاله وصوره.. وتعدد مصادره واختلاف الجهات التي تقف وراءه.. ولست هنا بمعرض حديث عن الجهود الداخلية لحكومة المملكة في الشأن فهي واضحة لكم.. في ظل ما حققته من نتائج إيجابية في محاربة الإرهاب أمنياً وفكرياً وتمويليا.. ونجحت - ولله الحمد - في القضاء استباقياً على التنظيمات الإرهابية على أرضها.. إلا أن إدراك المملكة لعالمية ظاهرة الإرهاب كثف من جهودها على الساحتين الإقليمية والعالمية.. لتكثيف التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وفق استراتيجية واضحة بأهداف محددة.. وبإمكانات مؤثرة.. والتصدي له بروح جماعية تقي العالم من شروره وتقتلعه من جذوره.
تحرك مبكر
وأضاف سموه قائلاً: لترجمة هذه الرؤية.. شرعت المملكة في تحركها منذ وقت مبكر وتحديداً في عام 1425هـ عندما استضافت الرياض أول مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب وعلى مستوى المتخصصين الأمنيين.. وتبع ذلك إنشاء المملكة للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة وتبرعت له بمبلغ 100 مليون دولار.. كما لم تتوان المملكة عن المشاركة في جميع المبادرات الدولية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والمؤدي إليه.
شرطة دولية
وتابع سموه: وأخيراً وليس آخراً.. تشارك المملكة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم (داعش) الإرهابي في العراق والشام مع الاستمرار في دعوتها نحو توسيع مهام هذا التحالف ليصبح بمثابة الشرطة الدولية لمحاربة كافة التنظيمات الإرهابية دون استثناء وفي أي مكان يوجد فيه.. أخذاً في الاعتبار أن المواجهة الفكرية للإرهاب لا تقل أهمية عن مواجهته أمنياً.. وكذلك قطع سبل التمويل له.
العلاقات الغربية - العربية
ومضى سموه في القول: يمكنني أن أسلسل في تفاصيل السياسة الخارجية وهنالك العديد من القضايا التي ربما تحتاج التطرق إليها وأعتقد أنني تجاهلت على وجه الخصوص العلاقات الغربية - العربية.. لأسئلتكم.. لأنني متأكد أن لكم أسئلة حول هذا الموضوع.. وسأترك مجال الحديث لكم لطرح تساؤلاتكم ومداخلاتكم.
هدف أسمى
ولا يسعني في الختام إلا أن أجدد شكري وتقديري لمعالي رئيس المجلس وإلى الأخوات والأخوة الأعضاء الأفاضل على الدعوة الكريمة وعلى الأمل في استمرار التواصل والحوار بين وزارة الخارجية ومجلسكم الموقر، وذلك في ظل سعينا سوياً نحو تحقيق الهدف الأسمى في خدمة ديننا الحنيف والوطن والمواطن ومصداقاً لقوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسان إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى. وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنتَهَى .
القوات البرية السعودية واليمن
بعد ذلك أجاب سمو وزير الخارجية عن استفسارات أعضاء المجلس وتساؤلاتهم، حيث قال سمو في رده على تساؤل لأحد الأعضاء: إن المملكة ليست بصدد الزج بقواتها البرية داخل الأراضي اليمنية، فاليمنيون قادرون على القيام بمسؤولياتهم ومواجهة التنظيم الحوثي، خصوصاً في ظل انضمام العديد من العسكريين والمدنيين مؤخراً إلى القوات الموالية للشرعية، مؤكِّداً سموه في ذات السياق أن اليمنيين هم الذين سيحمون اليمن.
علاقات استثنائية
وأضاف سموه أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها علاقات استثنائية مع اليمن الشقيق وتدرك مسؤولياتها تجاه النهوض باليمن ودعم التنمية فيه، وما يهمنا في اليمن هو ازدهاره ونماؤه واستقراره.
مستوى متقدم
وأشاد سموه بالمستوى المتقدم الذي وصلت إليه المملكة في مواجهة الإرهاب، لافتاً النظر إلى أن المملكة في مجال تحتل مرتبة متقدمة تبادل المعلومات بين الدول، وأصبحت مصدر موثوق في هذا المجال.
تطوير عمل السفارات
وأوضح سمو وزير الخارجية أن الوزارة أطلقت العديد من البرامج لتطوير العمل في سفارات المملكة في الخارج وتأهيل منسوبي الوزارة، لضمان تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والمستفيدين، لافتاً إلى أن الخدمات لم تصل إلى مستوى الكمال لكنها تحسنت كثيراً عما كانت عليه.
نهج جديد للمساعدات الخارجية
وعن المساعدات السعودية للخارج بيَّن سموه أن المساعدات التي تقدمها المملكة للدول المحتاجة انتهجت نهجاً جديداً يقوم على المشاركة، موضحاً أن وزارة الخارجية اعتمدت مؤخراً آلية جديدة تضمن وصولها إلى مواطني الدول المستفيدة، وتمكن الوزارة من معرفة كل ريال يخرج من المملكة والإشراف المباشر على تلك المشروعات.
احترام الشؤون الداخلية للدول
وأكَّد الأمير سعود الفيصل أن السياسة الخارجية للمملكة تقوم على خدمة الإسلام والمسلمين وأن الجهود الدبلوماسية تصب في هذا الاتجاه، لافتاً النظر إلى احترام المملكة للشؤون الداخلية للدول، وليس من سياستها التدخل في شؤون الغير، وستبقى دائماً إلى صف الخير والسلام.
شفافية
كما تناول عدد من أعضاء المجلس في مداخلاتهم عدداً من الموضوعات التي تهم الشأن السياسي والخارجي والقضايا الراهنة التي أجاب عنها سمو وزير الخارجية بكل شفافية ووضوح.
16 مرافقاً لسمو وزير الخارجية
حضر الجلسة صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، وصاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز نائب وزير الخارجية، ومعالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار بن عبيد مدني، وصاحب السمو الأمير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية للعلاقات متعددة الأطراف وسمو مساعد وزير الخارجية الأمير خالد بن سعود بن خالد، وسمو وكيل وزارة الخارجية لشؤون المعلومات والتقنية الأمير محمد بن سعود بن خالد، ومعالي وكيل وزارة الخارجية للعلاقات الثنائية الدكتور خالد بن إبراهيم الجندان، ومعالي وكيل وزارة الخارجية للعلاقات الاقتصادية والثقافية الدكتور يوسف السعدون، ومدير عام مكتب سمو وزير الخارجية السفير حمد الفارس، ومدير عام الإدارة العامة للشؤون الإعلامية السفير أسامة نقلي، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون القنصلية السفير أسامة بن أحمد السنوسي، ونائب مدير عام مكتب سمو وزير الخارجية السفير سلطان الصايغ، ومدير عام مكتب سمو نائب وزير الخارجية السفير دهام الدهام، ووكيل وزارة الخارجية لشؤون المراسم عزام بن عبد الكريم القين، كما حضر الجلسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود الفيصل، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن سلمان بن عبد العزيز.