محمد سليمان العنقري
على الرغم من أن رسوم الأراضي لم تدخل حيز التنفيذ على اعتبار أنها قيد الدراسة والإعداد، حتى تتحول لنظام ويصدر به قرار حسب الآلية المتبعة نظاماً، إلا أنها أُشبعت تحليلاً من حيث تأثيراتها الإيجابية على تنشيط القطاع العقاري بالتطوير وبناء المساكن أو أي استثمارات عقارية أخرى، والأهم خفض الأسعار وبذات الوقت هناك وجهات نظر وإن كانت محدودة، ترى أنه لن يحدث فارق كبير بحل مشكلة السكن، ومن المعلوم أن القرار الجيد هو الذي يقلل من السلبيات، ولذلك فإن قرار الرسوم سيحقق مصلحة عامة ومفيدة للمواطن وللاقتصاد والمجتمع عامة.
لكن من بين الجوانب التي طُرحت للنقاش بوسائل الإعلام بمختلف أنواعها، هو التساؤل عن إمكانية التحايل على نظام الرسوم المنتظر، وطرحت احتمالات لأنواع التحايل عديدة إلا أنها تبقى مجرد إرهاصات، كون أن لوائح النظام لم تنشر حتى يتم تفنيده وتبيان مواضع الضعف التي يمكن أن يتم من خلالها ابتداع أساليب التحايل.
وبداية لا بد من التذكير بأن التحايل هو مخالفة، ولذلك يدرج بالأنظمة لوائح للعقوبات على من يخالفون الأنظمة ولا يوجد نظام بالعالم لم يتم التحايل عليه، لكن بالمقابل فإن من يقدمون على ارتكاب المخالفات تبقى حالات استثنائية وكلها تُكتشف سواء بوقت قصير أو طويل، إلا أن تأثير تلاعبهم لن يغير من الواقع الذي توضع الأنظمة لأجله بتحقيق أهداف تصب بالمصلحة العامة، فإذا كان النظام سيتيح زيادة المعروض من الأراضي وتنشيط تطويرها وتحويلها لمنتج عقاري وخفض الأسعار لمستويات عادلة ومناسبة، فإن أي تحايل سيكون بهدف عدم دفع الرسوم، ولن يحقق هدف من يقومون به ببقاء الأسعار مرتفعة أو زيادتها، لأن الحلول الإسكانية لن تقتصر على فرض الرسوم فقط لزيادة المعروض من الوحدات السكنية بنهاية المطاف، بل سيكون هناك إجراءات إضافية مكملة ومتنوعة لإنهاء ملف توفير السكن الميسر للأسر.
فالنظام بالتأكيد سيُعالج أهم الجوانب التي تقلل من أي تلاعب أو تحايل، ولذلك فإن الفرص ستكون ضيقة أمام من يفكرون بشكل سلبي كيف سيتعاملون معه، وبوجود حلول إضافية كتطوير أراضٍ حكومية لمنحها للمواطنين، فإن المعروض سيرتفع من جهة أقوى تأثيراً بالسوق العقارية بخلاف لوائح العقوبات التي ستصدر بالنظام، وأيضاً المحفزات التي سيتجه لها غالبية ملاّك الأراضي، ليستفيدوا منها ويستثمروا في فترة الطلب الكبير، فلو امتنع أي شخص أو شركة تمتلك أراضي كبيرة عن التطوير لفترة طويلة من خمس إلى عشر سنوات، فإن السوق سيتخطاهم وسيكون هناك نسبة تملُّك عالية قد تحققت، مما سيؤدي لتراجع حاد بالطلب على الأراضي، وبالتالي الأسعار ولن يستفيد من احتفاظه لتلك الأرض إلا بدفع الرسوم أو بدفع غرامات وعقوبات، إذا فكر بالتحايل واكتشف الأمر في أي وقت.
واقعياً، من الأفضل أن يتم التفكير بطرق تطوير العقاريين لشركاتهم، ليواكبوا المرحلة القادمة والتعامل معها بمنطق التحول بالقطاع لمفهوم استثماري جديد، فلكل مرحلة معطياتها ومنافع تحويل القطاع العقاري لصناعة أكبر بكثير من المرحلة السابقة التقليدية، فالتنمية التي سيؤثر بها قطاع الإسكان ستكون عظيمة بفوائدها على الاقتصاد وستوطن فيه مئات المليارات من الاستثمارات بصناعات وخدمات، وستتوفر فرص عمل ضخمة ستحيل العاطلين لطالبي سكن وخدمات، وكل هذه العوامل تخدم القطاع العقاري وسترتفع ثروات الأسر بتملُّكها لمسكن، وسيتحقق توجيه إيجابي لطرق الادخار والاستثمار، وسيستفيد المطورون أنفسهم حيث سيزداد النشاط وترتفع حركة السيولة بالقطاع، كما أن القرار سيفيد شركات مقيّمة أصولها العقارية لبعض ممتلكاتها التي اشترتها منذ سنوات طويلة ومسجلة بدفاترها بسعر الشراء، بينما يتوقع عند تطبيق القرار أن تقيّم تلك الأصول بالقيم العادلة، مما يعني ارتفاع قيمتها بعدة أضعاف، وهو ما سينعكس على قيمتها الدفترية وحقوق المساهمين.
التحايل منطق أعوج وسلبي بالتفكير، ينم عن عدم قدرة على التطوير والابتكار وتعظيم المنافع، وإن كان سيبقى غالباً بحدود ضيقة جداً كحالة تحدث في كل دول العالم وعلى أي أنظمة تجارية، إلا أن التشريع من أهم أولوياته عند بناء لوائحه سد الثغرات القانونية أمام من يفكر بالتحايل، كما أن هذه الأنظمة عادة تخضع لمراجعة دورية تسد الثغرات التي لن تظهر إلا بعد تطبيق النظام، وبكل الأحوال لن تؤثر أي محاولة من طرف أو مجموعة محدودة أن يستغلوا أي ثغرة بالنظام في تغيير توجه الأسعار وتحقيق الأهداف التنموية المرجوة من أي نظام كرسوم الأراضي البيضاء المنتظر.