الجزيرة - خالد المشاري:
أوضح صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فهد بن عبدالعزيز في حوار مع «الجزيرة» أن معرض الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - والذي سيفتتحه اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - سيحمل إرثاً تاريخياً فريداً، وقصص نجاح مُلهمة، حيث سيستعرض تجربة الفهد بوصفه قائداً، ويطلع الحضور عن كثب على نشأة الملك فهد -رحمه الله -، وكيف تصاعدت مهامه ومسؤولياته وأدواره المؤثرة على المستويات كافة، وكيف خاض التحديات لصناعة التنمية والتطور والنمو التي عاشتها بلاد الحرمين الشريفين في عهده، والذود عن وطنه في وقت كانت المنطقة تتعرض لأصعب المشكلات والمحن.
«روح القيادة» معرض يحكي قصة القيادة في تاريخ الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة، وكيف كانت تجربة الفهد في القيادة داخل المملكة وخارجها، ليطلع الشباب السعودي الذين لم يعاصروا فترة حكمه على جزء مهم من شخصية الملك فهد القيادية، وكيف كان الملك الراحل يتعامل.. لن نطيل عليكم بل نترك القارئ الكريم مع هذا الحوار الخاص مع الأمير سعود بن فهد بن عبدالعزيز، الابن الذي تعلق بوالده الملك فهد منذ طفولته وتعلم منه كيف يعمل وكيف ينظم وقته، وتعلم منه السرعة في إنجاز الأعمال والمهام التي توكل لسموه
.. فإلى الحوار الآتي:
* كنت نائباً ورئيساً للاستخبارات العامة ومن خلال تلك التجربة، ما الفرق الذي تلمسه الآن بين الجرائم سابقاً واليوم لاسيما منها الإرهابية؟
* أخي.. الجريمة هي الجريمة، مُدانةٌ شرعاً وعقلاً، وما طرأ عليها أخيراً لا يجعل هناك فاصلاً بين كافة الجرائم، فعلى سبيل المثال نجد أن الإرهاب قد تداخلت معه الجريمة الإلكترونية وغسل الأموال والمخدرات، وأن تلك المنظمات الإجرامية التي أضرت بالإسلام والمسلمين كانت تنفذ - ولا شك عندي - أجندات لإيران وبعض الدول الغربية. لذا علينا اليقظة، فنحن والله مستهدفون في عقيدتنا وتلاحمنا الوطني، وهم يطمعون في ضرب إسلامنا المعتدل وتنميتنا.
* غدت مؤسسة الأميرة العنود الخيرية قائدة للعمل الخيري التنموي، فما أسباب ذلك؟
* تعلم -ولله الحمد- أن الوالدة العنود - رحمها الله - قد كتبت وصيتها في مقتبل العمر وعمرها 37 سنة مما يؤكد سلامة نيتها، وقد منَّ الله على هذه المؤسسة بمجلس أمناء مبارك وباهتمامٍ من صاحب السمو الملكي أخي الأمير محمد وفريق عمل صادق في عمله، وَوِفْق خطط تنموية واضحة، نسهم نحن القطاع الثالث ومن خلال شراكاتنا مع مؤسسات المجتمع المحلي في إنفاذ برامجنا الرعوية والتمكينية بمختلف مناطق المملكة.
* اللافت أن الشباب قد وجد فرصاً كبيرة في برامجكم وأنشطتكم بالمؤسسة.. تعليق سموكم؟
* الشباب السعودي فيه خير وبركة، وهم من المواطنين، ولذلك نحن في المؤسسة أوليناهم اهتماماً خاصاً؛ لأن الشباب هم عماد المستقبل، والمؤسسة تهتم بالشباب بشكل عام في برامجها وبشكل خاص في مركز العنود لتنمية الشباب (وارف) الذي يهدف إلى تأهيل وتنمية الشباب وتعزيز مشاركتهم في البرامج التطوعية، وتبنّي واحتضان مبادرات ومشاريع شبابية نوعية تستثمر طاقتهم فيما ينفع دينهم ودنياهم.
* تابعنا إطلاق مركز الأميرة العنود لتنمية الطفل «شدن» مع اليونيسيف، وكانت صورتك مع الأطفال المستشارين مثار إعجاب الرأي العام.. تعليق سموكم؟
* نعم، الأطفال زهرة الدنيا وزينتها، وواجب علينا أن نوفر لهم البيئة الصالحة، وننمي اهتماماتهم منذ نعومة أظفارهم، فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر، حيث يهدف المركز إلى تنمية الطفل من خلال البرامج التربوية والترفيهية لتعزيز بناء قدرات الطفل، فهم مستقبل المملكة المشرق -بإذن الله.
* هذا ما عرفنا عن الوالدة العنود -رحمها الله، والناس تسأل عن مؤسسة والدكم المغفور له -بإذن الله تعالى- خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز؟
* رحمه الله كان قائداً حكيماً وجازماً، وطالما أكد أنه خادم للحرمين وللمواطنين ولذا سوف نحمل هذا الإرث وسوف تسمعون -بإذن الله- ما يسركم في حفل الافتتاح في يوم الثلاثاء 31 مارس تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي نثمن له - حفظه الله ورعاه - رعايته لهذه المناسبة الغالية على كل مسلم وعربي وسعودي.
* معرض الملك فهد حديث المجتمع، فماذا تهدفون منه؟
* الحديث عن تاريخ الملك فهد بن عبدالعزيز يصعب حصره، فهو كان ملكاً لأكثر من 24 عاماً، وتقلد منذ شبابه قبل توليه الحكم عدداً من المناصب والمهمات منذ شبابه، ولهذا فإن المعرض ركز أهدافه في استعراض تجربة الفهد بوصفه قائداً، وكيف يمكن للشباب - وهم الشريحة المستهدفة - أن يستلموا هذه التجربة ويطلعوا عن كثب على نشأته، وكيف تصاعدت مهماته ومسؤولياته، وكيف خاض التحديات لصناعة التنمية، والذود عن وطنه في وقتٍ كانت المنطقة تغلي من المشكلات والنزاعات، «روح القيادة» معرض يحكي قصة القيادة في تاريخ الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة، وكيف كانت تجربة الفهد في القيادة داخل المملكة وخارجها، ليطلع الشباب السعودي الذين لم يعاصروا فترة حكمه على جزء مهم من شخصية الملك فهد القيادية. وبهذه المناسبة أوجه شكري وتقديري لصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبدالعزيز وللدكتور يوسف الحزيمي على ما بذلاه من جهود كبيرة في الإعداد لهذا المعرض.
* ما فعالياته؟
* تتميز هذه المناسبة بتعدد فعالياتها وتنوع الشرائح المستهدفة، فهناك الندوات العلمية عن تاريخ الملك فهد تنظمها دارة الملك عبدالعزيز بمشاركة 29 متحدثاً وباحثاً وقرابة (40) بحثاً ودراسة وورقة عمل، بالإضافة إلى معرض تفاعلي يستعرض سيرة الفهد وتعرض فيه مقتنيات شخصية وحوالي (1000) صورة، وأفلام وثائقية وأوسمة دولية وعدد من الوثائق، بالإضافة إلى مشاركة للفنانين من جمعية الثقافة والفنون بعرض صور فوتوغرافية ورسوم تشكيلية تجسد أعمال الملك فهد ومنجزاته.
وتعد الإضافات المميزة في تنفيذ (60) ورشة تدريبية يقدمها (20) مدرباً ومدربة وتستهدف (2500) متدرب ومتدربة في دورتين هما: السمات القيادية (وهي للشباب والشابات)، والتنشئة القيادية للطفل (وهي موجهة للأمهات)، كما خصص المعرض قسماً للطفل يحوي معرضاً تفاعلياً يستهدف الأطفال من سن السادسة وحتى الثانية عشرة يستعرضون فنون القيادة استلهاماً من سيرة الفهد، كما أعد فيلم وثائقي عن الفهد مدته ساعتين يبث على القنوات الفضائية. هذه الفعاليات تأتي متكاملة وتجربة للزوار من الأفراد والعائلات وتنوعت لتلائم جميع الأعمار والاهتمامات.
* لقد بدأ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بإصلاحات سريعة وعميقة لم يتوقعها البعض، وقد أشاد بها الأمين العام للأمم المتحدة.. تعليق سموكم؟
* من المعروف أن الملك سلمان رجل قوي أمين، يداوم يومياً الساعة الثامنة صباحاً ولأكثر من خمسين سنة أميراً لعاصمة الحكم (الرياض)، ومطلع على كل صغيرة وكبيرة في الداخل، ولصيقٌ بالملوك منذ الملك سعود ثم فيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله- يتعلم منهم ويسدي لهم النصح والمشورة، إن كل هذا يجعله جاهزاً لإطلاق مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي، وقد بدت بوادره بوضوح في القرارات التي أصدرها -رعاه الله، وكان هدفها التطوير الحكومي وكذا إعادة بناء العالم العربي، وقد ظهر ذلك في عملية (عاصفة الحزم).
* نعلم أنك من المقربين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فما سماته التي تلهمك في شخصيته -رعاه الله؟
* إنه يلهمني منذ طفولتي وأنا متعلق به وهو يوليني حباً وتقديراً، وأنا أبادله بعمق تلك المشاعر، بل جزء كبير من شخصيتي انطبع بأسلوبه في الحياة، ومنها تنظيم الوقت، وسرعة الإنجاز، وشغف خدمة الدين والوطن، وقربه من الناس وحبه لعمل الخير، وخلاصته أن بوصلة التوحيد والحياة عنده واضحة ويعرف ما يريد وما لا يريد، ولطالما حدثني وأكد لي دائماً أهمية التمسك بالعقيدة الإسلامية وهو يتمتع -رعاه الله- بفهم دقيق لها وأثرها في الحياة.
* فضلاً عن اهتمام مؤسستك الخيرية التي تمارس عملها بصمت لرعاية الفقراء والمساكين ولها جهود دعوية مباركة، وسؤالي لماذا الدعوة؟ وما برامجكم وأنشطتكم الجديدة؟
* يقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات 56. ومقتضى العبادة الإيمان بأن الله واحد لا شريك ولاند له ثم العمل بما شرع وفق هدي الكتاب والسنة بمنهج السلف الصالح، أما البلاغ والدعوة فهو شرف لكل مسلم وذلك بالنصح والإرشاد وتمني الخير للمسلمين وغير المسلمين، وأما عن البرامج والأنشطة فاعذرني في هذا المقام عن الحديث عنها.
* قبل قليل التقيت ابنكم الأمير عبدالعزيز بن سعود الحاصل حديثاً على ماجستير في العلوم الإدارية من جامعة Pepperdine University-University in Malibu, California فما نصيحتكم له شخصياً ولشباب الوطن عموماً؟
* أوصيه وأوصي إخوانه شباب هذا البلد الغالي بتقوى الله وطاعة ولي الأمر وخدمة هذا الدين، فالوطن قدم لهم الكثير ونتطلع منهم عمران هذه الدنيا والتفوق والتنافس مع الدول المتطورة حضارياً، ولن يتأتى ذلك إلا بالمثابرة والالتزام وقبول التحدي وتعزيز المهارات.
* هل أنت مرتاح أمام هذا العالم الملتهب، خاصة من حولنا في العراق وسوريا واليمن؟
* والله إني لست مرتاحاً وأبادل كل مسلم وعربي والسعوديين القلق مما نرى من حولنا من تكالب على الإسلام والمسلمين وتحالف الباطل، ولكن علينا الصبر والعمل على جمع الصفوف وقطع دابر الفتنة والفرقة والتدابر، وذلك بالعمل والإصلاح الدائم. وأنا واثق -بحول الله وقوته- بهذا العهد المبارك وتلك القيادة وعزم الشعب السعودي على تخطي الصعاب، وفألنا وإياكم الخير، فنحن نرى أن بوادر إستراتيجية الملك سلمان -حفظه الله- كما أسلفت في إعادة ترتيب المنطقة بدأت في النمو تدريجياً، وهي امتداد وتقليد سعودي لكل ولاة الأمر منذ عهد المؤسس ثم الملك سعود، وفيصل، وخالد، والوالد -رحمهم الله- كل له بصمته الخاصة به.
* صندوق الأميرة مضاوي بنت مساعد بن عبدالعزيز لتنمية المرأة «ديم المناهل» وصندوق الأمير محمد بن سعود بن فهد للمشاريع الصغيرة «نامي» نموذج لمشاريع تنموية واجتماعية ناجحة، فما قصة هذه المشاريع؟
* إن من أفراح الدنيا أن ترى بيتك مشغولاً بالخير، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فلله الحمد والمنة على ما أنعمه الله علينا، وديم المناهل يعجبني فيه هو أن القروض التي يمنحها للمرأة السعودية - لاسيما المحتاجات - هو تمكين لها فيما يحقق استقلالها الاقتصادي، وكذلك مشاركة السعوديات في الإنتاج الوطني، وقد حقق الصندوق نجاحات ملفتة في وقت قياسي وهذا بطبيعة الحال ينطبق على (نامي).
* ما تطلعات سموكم للمستقبل؟
* أتطلع أن نقوم جميعاً بدورنا الوطني وأن نكون شعلة نشاط، فكل واحد منا على ثغرة من ثغور هذا الوطن، وأن نعزز دور الشباب في ظل رعاية الكبار، وأن نسعى جاهدين في تحقيق تنميتنا المستدامة والمحافظة على الأمن والاستجابة للأولويات الاقتصادية للمواطن السعودي، وكل هذا قد لمسته في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إبّان تسلمه مقاليد الحكم.
* ما هي المواقف الحازمة التي ما زالت عالقة بذهن سموكم عن الفقيد - رحمه الله؟
* الموقف الذي لن أنساه مع الملك فهد - رحمه الله - حدثَ حينما كنت في الاستخبارات، حيث عُرض عليه - رحمه الله - تقريرٌ مني شخصياً، ولخُص له بطريقة خاطئة، الأمر الذي أجبره - رحمه الله - على معاقبتي عبر الهاتف، وعاتبني بشدة لأنه غضب مما نُقل إليه خطأ.
وحينما حانت صلاة العصر هاتفني مرة أخرى - رحمه الله - بعدما عرف حقيقة الأمر وسلامة وصحة ما رُفع إليه من قِبلي، فبادرَ - رحمه الله - بالاعتذار مني، فقلت: أنت والدي ولك الحق الكامل بمعاقبتي، وهذه من المواقف التي لا يمكن أن أنساها، بل تُؤكد ما كان يملكه الفقيد الراحل من قلب كبير وحنون.. فالجوانب الإنسانية في الفقيد لا تُعد ولا تُحصى، ومن صفاته - رحمه الله - رجوعه للحق ومبادرته بالاعتذار لأبنائه، إذا رأى أنه أخطأ بحقهم، وهذه من صفات العظماء.. فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.