إعلان المملكة بدء عملية عاصفة الحزم في اليمن كان مفاجئاً للكثيرين، ولكن القرارات الخطيرة في عالم السياسة يستغرق إعدادها في المطبخ السياسي وقتاً ليس بالقصير، وتتشكل القرارات خاصة العسكرية منها بعد دراسة متأنية وحسابات معقدة؛ لأن القرارات الخاطئة يرتفع ثمنها، وتتعاظم نتائجها على المدى القصير والمدى الطويل. في الفترة الأخيرة وضح أن الأوضاع في اليمن تأخذ أبعاداً جديدة، ووضح للجميع أن الحوثيين يسعون لما هو أكبر من مجرد المطالبة بحق أو رفع ظلم.
ولأن السياسة لا تعترف إلا بلغة المصالح، ولا متسع فيها لقيم وأخلاقيات ومبادئ، فإن عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم.. وبالفعل حدث تحول جذري في توجهات علي عبدالله صالح وأتباعه، وربما كان هناك خطأ في عدم تقدير أو توقع هذا التحول، خاصة مع رئيس متسلط، رفض رفع الراية البيضاء لتحقيق مصالح شعبه، وقرر الانتقام على طريقته الخاصة، وكانت طريقته هي دعم الوحثيين في مواجهة الشعب اليمني. وبعد أن كان صالح هو العدو الأول للحوثيين أصبح الداعم الأول لهم على أرض اليمن، ووظف إمكانياته ورجاله وعساكره لخدمة الحوثيين. ومع ذلك، فإن المملكة تعاملت مع الأمر بهدوء شديد حتى عبَّر الكثيرون عن دهشتهم من طول الانتظار. سلكت المملكة المسلك السلمي، ودعت الجميع لمائدة المفاوضات، وأولهم الحوثيون، لكنهم رفضوا المبادرة، ولم يقدروا المملكة حق قدرها. والخطأ الجسيم يقع عندما لا تعطي لخصمك التقدير الذي يستحقه. ظن الحوثيون أنهم قادرون على الذهاب بعيداً، وأن المملكة والمتضررين معها لن يتحركوا قبل أن يحقق الحوثيون أهدافهم على الأرض ويسيطروا على اليمن تماماً؛ ليجبروا المملكة على التعامل معهم باعتبارهم أصحاب السلطة وملاك الموقف على الأرض. وضحت نوايا الحوثيين، ووضح أن أمرهم لا يتعلق بعدالة غائبة يبحثون عنها ويضحون من أجلها، ولكن الأمر يتعلق بأطماع دفينة جاء الوقت المناسب لتفعيلها، وربما ساعدتهم أوضاع معينة في تنامي تلك الأطماع ووصولها إلى حيز التنفيذ، خاصة مع دعم مادي ومعنوي يحصلون عليه من أطراف تستخدمهم كأدوات لتحقيق أحلامها القديمة والجديدة. وصلت غطرسة الحوثيين إلى استفزاز المملكة بتحركات عسكرية وحشود قريبة من الحدود السعودية. طمعهم أعماهم وأغشى أبصارهم، وناموا وهم يحلمون بانتصاراتهم العظيمة القادمة بعد انتصارات صغيرة ومتواضعة تحققت لهم بفعل فاعل خائن وجبان. استيقظوا على أصوات الطائرات السعودية والخليجية وهي تدك حصونهم، وتحصد أرواح جنودهم المعتدين. نجحت القيادة في المملكة في تشكيل تحالف تجمعه مصالح موحدة ومواقف واضحة مع الحوثيين وداعميهم، ونجحت القيادة أيضاً في اختيار الوقت المناسب للتحرك؛ إذ يستعد الحوثيون لدخول عدن، وما أدراك ما عدن، العاصمة الاقتصادية والمنفذ المتحكم على البحر الأحمر، ومن يسيطر على عدن يسيطر على اليمن بأكملها. الحوثيون بغوا بالفعل في اليمن، وعاثوا في الأرض الفساد، وبغيهم لم ينل أهل اليمن، ولكنوشك على أن ينال المملكة، ويوجه سهامه لممتلكاتها ومصالحها، وعدم تحركها يعني التفريط والخسران المبين.. وما كان هذا أبداً من شيم قادتها على مدار تاريخها ومواقف تاريخية متعددة شهدت على ذلك. الغباء السياسي أوقع الحوثيين في مأزق كبير، وسيلحق بهم خسائر مادية ومعنوية وسياسية جسيمة. المشكلة أن هذا الغباء أوقع المنطقة بأكملها في مأزق أيضاً؛ فعلينا أن نعترف بأن ما هو قادم قد يكون أصعب وأخطر بكثير؛ ويستلزم حنكة سياسية وعسكرية أيضاً؛ فهؤلاء ومن معهم لن يسلموا بسهولة، وسيتعاونون على الإثم والعدوان، ولن يقبلوا بأن تتحول أحلامهم غير المشروعة إلى سراب في أيام معدودات، وستتلاقى مصالحهم مع مصالح من يريدون الشر لوطننا. القيادة لا تحارب وحدها، وجندونا ليسوا فقط المعنيين بدحر العدو وتأمين الوطن ومصالحه، كل مواطن جندي في موقعه، يذود عن وطنه، فقوة الجبهة الداخلية هي الداعم الأول لجنودنا وقادتنا في ميدان المعركة. لم نكن نتمنى أن نصل إلى هذه الحالة، ولكنها حالة فُرضت علينا، وعلينا أن نتحمل مسؤوليتنا جميعاً في التعامل معها. نسأل الله التوفيق والسداد، وأن يلهمنا القوة والرشد والحكمة في تلك الفترة الحرجة.
أ. د. صالح الرشيد - أستاذ إدارة الأعمال والتسويق - جامعة الدمام