أعود لاستكمل الكتابة عن جملة قضايا تعليمية، لطرحها على طاولة معالي وزير التعليم، وأحسب أن فيها ماقد يفيد في البحث عن حلول مناسبة، أو تدفع نحو تحرك لإعادة رسم مناهج، أو خطط، أو أساليب، وهي عادة قضايا تعليمية، تقلقني كما تقلق كل تربوي، لكوني مشتغلا بالميدان التربوي، وعركت همومه كثيرا، وعشتها طويلا منها:-
1- (علاقة المعلم بالمعلم) بعيد كل حادثة اعتداء من أحد الطرفين، أجدني أتساءل لماذا العلاقة شائكة بين الطرفين؟ ففيما مضى كان للمعلم هيبة واحترام، وكان الطالب له سلوك قويم، ومنهج سليم في تقديره لمعلميه، وتبجيله لمربيه، قد يكون مرده للتربية الأسرية والمدرسية آنذاك، وقبل أن تتنازل الأسرة عن دورها التربوي لعوامل وتحولات حياتية ودخول مصادر أخرى تربي، وقبل أن تقْصر المدرسة دورها على التعليم فقط، فأجد صراحة أن أسبابا وعواملَ أضاعت مكانة المعلم، وأخشى أن يكون تخلي (بعض المعلمين) عن التزامات المهنة وضوابطها، أحد الأسباب، وهذه النقطة قد تجرني للبحث في ضوابط ومواصفات المعلم وطريقة اختياره، لكن لن تسعني مساحة المقال لهذا الشأن، ولا أستبعد أن الطالب في ظل مصادر المعرفة التي لم تعد قاصرة على المدرسة، قد صبغت شخصيته بشيء من الاهمال، والعنف، وشكّلت سلوكياته، فهل ذهب زمن الطالبين «الأمين، المأمون» اللذان تسابقا على نعلي مربيهما «الكسائي» ليجهزاه تقديرا له؟ لا لن أكون محبطا، لكني أرى زيادة مساحة العلاقة بين الطرفين على أرضية تقوم على الحوار والتقدير والاحترام، والالتزام، وبالابتعاد عن أساليب العقاب البدني، أو اللفظي، وتفعيل أنشطة الحوار وأدب الاختلاف، قد نعيد العلاقة إلى ما يجب أن تكون عليه.
2- (العلاقة بين البيت والمدرسة)كلما قويت نجحت في تحقيق المدرسة لأهدافها، في إخراج جيل واع يتعاطى مع الحياة إيجابيا، وعملت على تنمية خبراته، وتقويم سلوكياته، غير أني أستطيع أن أقول: إنها شهدت ضعفا في التواصل عما كانت عليه، وتوقفت عند رغبة ولي الأمر في زيارة المدرسة لاصطحابه ابنه، إما لموعد بالمستشفى، أو للسفر، لقد كانت العلاقة في قمة أوجّها حين كان مجلس الآباء يجمع المعلمين والآباء في لقاء تربوي تعليمي ترفيهي نشاطي، وحين عُدّل لمجلس المدرسة، تحول الأمر إلى مجرد اجتماعات صورية، تدون في السجلات فقط، ولا تعقد على أرض الواقع، هذه الفجوة في العلاقة تؤثر سلبا على نتائج الطلاب الدراسية، وعلى سلوكياتهم كذلك، ومحاولات تنميتها سيشكل نموا إيجابيا لسلوكيات الطلاب، وأخلاقياتهم، وتحصيلهم الدراسي.
3- (المدارس الأهلية) أنا لن أتحدث عن رسومها، لعلمي بأن جهودا تبذل لوضع حد معين لجشع بعض ملاكها، لكني سأتحدث عن الهدف من إنشائها، فحين سمح بالمدارس الأهلية كان الهدف الأكبر، إيجاد مدارس تنافس المدارس الحكومية، وتقدم أنموذجا مثاليا في طرائق التعليم، والمكون البيئي، وجودة المخرجات، والتجارب، كي تشكل رديفا يبعث على التنافس، وكل أب ألحق ابنه بالمدارس الأهلية، كان في نيته البحث عن تعليم نوعي، السؤال، نسبة كبيرة من المدارس الأهلية عبارة عن مبان مستأجرة، ضيق في الغرف المخصصة كفصول، لايوجد أفنية للمناشط الرياضية والتعليمية كافية، خلو بعضها من المعامل، ومراكز المصادر، إهمال للمكتبات المدرسية، وإن وجدت فهي عبارة عن دواليب وضعت بزوايا قصية، وفي الممرات، بعد هذا كله، أنا أريد أن أفهم كيف أعطيت تصاريح للفتح، وهي تفتقر لمقومات المبنى المدرسي الذي نريده، وتكاد تنعدم فيها، أو هي معدومة، فهل أصبحت المدارس الأهلية استثمارا مفتوحا لكل من لديه «فلوس» فما عليه سوى اختيار (عمارة) وإلى جانبها أو بها (حوش) ليضع فوقها لوحة، تشير إلى أن هنا مدرسة! وهي لا تصلح أن تكون مدرسة، دون إلمام بأهدافها العليا لبناء العقول؟!