القاهرة - سجى عارف:
افتتح معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، الذي يستضيف مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية «ضيف شرف» هذا العام برنامجه الثقافي بندوة عن العلاقات الثقافية السعودية المصرية بحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية والدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية ولفيف من المثقفين المصريين والسعوديين.
وأكَّد الدكتور يحيي بن جنيد أمين عام مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية في بداية الندوة أن حركة التواصل الثقافي بين المملكة ومصر كانت وما زالت قوية لافتًا إلى أنه حتى اليوم نتذكر أسماء مصرية هي بالنسبة لجيلي مخازن لمفاتيح المعرفة والثقافة منهم مصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي وأحمد شوقي والبارودي، مشيرًا إلى أن تلك الأسماء ما زالت إلى اليوم يُحتفى بها وينظر إليها باعتبارهم مؤسسين لحركة الفكر وحركة الثقافة العربية وبالتالي مؤثرة في المملكة وقال د. بن جنيد إنه بالعودة إلى كتب التراث سنجد أن هناك مجموعات كبيرة من المصريين الذين استوطنوا مكة المكرمة وكانوا علماء في ذاك الوقت وأصبحوا فيما بعد من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان في كل الكتب التي تتعرض لتاريخ الفكر والثقافة سواء في التراجم أو تتبع حركة الحياة في الحجاز، لافتًا إلى كتاب (تاريخ العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين) لتقي الدين الفاسي الذي يحتوي على عدد كبير من التراجم ونجد في ثناياها إشارات إلى كثير من المصريين الذين أثروا في مسار الثقافة في بلد الحرم المكي الشريف، كما كان لهم دور في التدريس في مختلف مجالات الفقه والأدب واللغة والحديث ويتم ذكرهم في الكتاب ويعدد مناقبهم ويعدد مؤلفاتهم ودورهم، ويتكرر الأمر في المدينة المنورة فهناك مئات المصريين الذين أثروا في الثقافة عبر مدرسة الحرم النبوي الشريف وكتبهم جميعًا محفوظة سواء في مصر ودار وثائقها أو مكتبات المملكة مثل مكتبة الحرم النبوي ومكتبة الحرم المكي، كما تحتوي مكتبة الملك عبدالعزيز العامة على مئات من المؤلفات التي ألفها مصريون، مؤكدًا أنه عندما تكونت الدولة الحديثة على يد الملك عبدالعزيز تنامت قوة العلاقة بين البلدين من خلال مسارات كثيرة يظل على رأسها النشر، فالملك عبدالعزيز نفسه عمل على نشر كثير من الكتب الدينية والثقافية من خلال المطابع المصرية، وكان يشار على كل كتاب أنه طُبع على نفقته، واتبعه في ذلك ملوك المملكة الذين طبعوا عددًا من الكتب في مصر، مشيرًا إلى أنه مع وجود المملكة كدولة حديثة في الثلاثينيات الميلادية تحتاج إلى كثير من المقومات كان الاعتماد على ما يأتي من مصر خاصة الصحف والمجلات، وكان كل سعودي ذي اهتمام ثقافي له اطلاع على الدوريات المصرية وقد نشأت حركة مماثلة كتقليد لما يجري في مصر فظهرت الصفحات الأدبية والثقافية في الصحف السعودية وشاركيها كتاب مصريون وأثرت هذه المقالات والمشاركات الأدبية في جيل كبير استفاد منها وأخرج منها تجربته فيما بعد سواء في القصة أو الشعر أو غير ذلك.
وأشار إلى الروائي حامد الدمنهوري وهو كاتب سعودي يدل اسمه على صلته بمصر، فهو يعد رائد الرواية السعودية وتدور أحداث روايته الأولى فيما بين السعودية ومصر، ونمط طرحها مأخوذ مما قرأه وتأثر به من الروايات المصرية.
من جانبه لفت الأستاذ حلمي النمنم رئيس دار الكتب المصرية إلى أنه جرت العادة في معرض مكتبة الإسكندرية أن تكون دولة هي (ضيف الشرف)، ولكن هذا العام نرى مركزًا ثقافيًا متخصصًا وهذه لفتة كريمة تعكس أهمية مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ودوره، كما تعكس وعي المكتبة بأهمية هذا المركز.
وقال النمنم: «أقول دائمًا (الجغرافية حاكمة) وهذه المقولة تتجسد بكل قوة في العلاقات السعودية المصرية، فالجغرافيا تفرض على البلدين أن تكون العلاقات دائمة وثابتة بينهما، كما يحكم العلاقات الثقافية السعودية المصرية كون المملكة مهبط الوحي الإسلامي، ولا غنى لأي مصري عن الحرمين الشريفين، ونعرف أن البعد الديني مهم ومؤثر في الثقافة العامة بين الأفراد والشعوب، وهذا الجزء يجعل العلاقات الثقافية بين البلدين ضرورية وحاكمة وينطلق من هذا بقية العلاقات الثقافية في العصر الحديث وأشار إلى أن العلاقات الثقافية بين البلدين قديمة جدًا، ومن يرجع إلى تاريخ الجبرتي ويتابع الحملة الفرنسية على مصر يرى أن مواطنين من مكة والمدينة كانوا يأتون إلى صعيد مصر كي يقفوا مع إخوانهم المصريين ليقاوموا الحملة الفرنسية على جنوب مصر واستمرت العلاقات بين البلدين الشقيقين في العصر الحديث وتثبت أيضًا أن أول زيارة للملك عبدالعزيز إلى مصر. وكثير من المجالات الثقافية والأدبية أصدرت أعدادًا خاصة وما زالت موجودة، والذي يتابع قصة قيام إسرائيل وقيام دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين، ويرى حجم الاتصالات بين المملكتين السعودية والمصرية يكتشف حجم الانتباه والتنسيق بين الدولتين الذي كان على أرفع مستوى وكان الدكتور هيكل في تلك الفترة رئيس وفد مصر في الأمم المتحدة وكان رئيس الوفد السعودي وزير خارجية المملكة سمو الأمير فيصل.
وأكَّد حلمي النمنم أن العلاقات الثقافية بين البلدين كانت وستظل قائمة، ممثلة في حركة نشر قائمة ضخمة جدًا ومتمثلة في معارض الكتب في البلدين، مشيرًا إلى أنه إذا كانت العلاقات قوية بين البلدين -ولا بديل عن هذا- فإن العلاقات الثقافية تقوم في جزء منها على المثقفين في الدولتين؛ ولا بد أن يحدث تلاق باستمرار وتعاون ثقافي حقيقي، فالجمعيات الأهلية الثقافية في البلدين عليها دور كبير في هذا الجانب، والظرف الراهن يتطلب هذا بشدة، فنحن نرى أن المملكة هي أول من دعا إلى حوار الأديان وتشهد نهضة حقيقية وحركة انفتاح كبرى وأجيال صاعدة ذات تعليم جيد وثقافة رفيعة، ويجب الالتفات إلى كل هذا ويحدث تواصل باستمرار كي تتطور العلاقات الثقافية إلى أبعد مدى، فهذا التواصل يضمن قوة للثقافة العربية والإسلامية وقوة للمجتمعات والدول العربية وقال د. عوض البادي مستشار مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية إنه حين ننظر إلى العلاقات الثقافية السعودية المصرية فإننا ننطلق من كون الثقافة العربية واحدة، لذا فالمملكة ومصر نبعان يرفدان نهر الثقافة العربية؛ وهنا يُطرح السؤال: ماذا أسهمت المملكة ومصر في الثقافة العربية؟ من المعلوم أن مصر لعبت دورًا كبيرًا جدًا منذ ما يسمى عهد النهضة العربية في القرن التاسع عشر، والمملكة كذلك هي مهد الثقافة العربية بوصفها مهد اللسان العربي وفي نفس الوقت مهد الدين الإسلامي؛ لذلك كل منهما له جانبه في المساهمة في الثقافة العربية والإسلامية وتطرق د. عبد الحكيم الطحاوي عميد معهد الدراسات الآسيوية إلى الجانب التعليمي بين البلدين في العصر الحديث، لافتًا إلى أنه بدأ منذ استعادة الملك عبدالعزيز مدينة الرياض عام 1902م، فقد أظهر الملك عبدالعزيز اهتمامًا خاصًا بالتعليم، وعندما شكل مبكرًا أول جهاز إداري حكومي في الدولة كان ضمن إداراته مديرية المعارف، التي أصبحت فيما بعد وزارة المعارف، وكان تحت إدارة الملك فيصل بن عبدالعزيز وأكَّد د. الطحاوي أن الملك عبدالعزيز تطلع إلى نظام تعليمي قوي في المملكة، واتخذ من النظام المصري التعليمي مثالاً سعى إلى تطبيقه، فقد أرسل الملك عبدالعزيز الطلاب السعوديين للدراسة في مصر كما استقدم معلمين مصريين إلى المملكة، وهنا انتقل الطالب والمعلم إلى بلد آخر كل بثقافته، ومن هنا بدأت رحلة العلاقات الثقافية السعودية المصرية حديثًا واستكمل: مع توالي البعثات أنشأ الملك (درسة تحضير البعثات)، كما أنشأت السفارة السعودية في القاهرة فرعًا للبعثات التعليمية، وكانت نواة لما عرف فيما بعد الملحقية الثقافية السعودية في مصر، وفي عام 1948م بدأ الطلاب السعوديون في القاهرة العمل على نشر ثقافتهم فنشروا مجلة سموها (المرأة) تصدر عن البعثة السعودية في مصر. وتواصل التعاون الثقافي بين البلدين، وحينما بدأت القفزة الكبيرة في الجامعات السعودية استعانت المملكة بعدد من الأساتذة المصريين للتدريس بها، وبدأنا نرى الصالونات الثقافية التي تضم مثقفين سعوديين ومصريين.