قرأت مقال الأستاذ يوسف المحيميد المعنون بـ(ماذا تفعل ببيتك) في يوم الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1436هـ وأود أن أشكر الكاتب على ما كتب وأعلق عليه: في الوقت الحاضر تغيرت أمور كثيرة.. فالجيران لا يعرف بعضهم بعضاً.. وقد يكتفون بالتحية إذا ما تقابلوا صدفة في الطريق وغابت الواجبات واختفت العلاقات وظهرت الفجوة.. يعيش الجار لسنوات طوال وهو لا يعرف عن جيرانه شيئاً ولا يحاول التعرف إليهم مع أن خير الجيران عند اللَّه خيرهم لجاره.. هكذا تراجعت حقوق الجار ضمن القيم الإسلامية والاجتماعية الأصيلة التي اندثرت مع أننا أحوج ما نكون إلى السؤال عن الجار والتواصل معه ومشاركته في كل المناسبات.. بل دون مناسبات.
والأسباب عديدة، منها انشغال المرأة الموظفة طيلة الوقت.. يضطر الزوج في كثير من الأحيان للعمل في الفترة المسائية لزيادة الدخل ولمواجهة متطلبات الحياة التي لا تنتهي.. وهذا يعني أن الماديات لها الأثر الكبير في جفوة الجيران من حيث غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وسعي كل أسرة لتوفير حاجاتها على حساب كثير من العلاقات الاجتماعية ومنها حقوق الجار.
كما أن دخول بعض الشكليات والمجاملات في العلاقة يعيق استمرارها مثل اصطحاب الهدايا عالية القيمة والتزام الطرف الآخر بردها في الزيارة التالية.. وهذا التكلف يضفي على الزيارات طابعاً رسمياً وجعل الإهداء عبئاً ثقيلاً على الطرفين مادياً ومعنوياً ما يدفع الجارين للاكتفاء بالمكالمة الهاتفية بدلاً من الزيارات.. كذلك آثر كثير من الناس في العصر الحديث عدم الاختلاط بالجيران والتزاور معهم منعاً لتسرب الخصوصيات والأسرار الشخصية.
أليس من المحزن أن تصير العلاقات بين البشر في العصر الحديث تقاس بالماديات لا بالعلاقات الودودة الإنسانية.. فالمركز الاجتماعي والمالي وتبادل المصالح هو الدافع لإقامة العلاقات بين الناس، حتى صار الإنسان لا يصل أهله فما بالك بجاره.. هذا الواقع أفرز علاقات هشة تزيد إحساس المرء بالوحدة وسط أطياف من البشر.. أما العلاقات الحقيقية الجميلة فمقطوعة.
ولا نجد دوراً واضحاً للمؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية وغيرها لإعادة الأوضاع لنصابها.. سواء في المدارس والجامعات أو في المساجد أو في البيوت من خلال مناهج وقصص وجهود تربوية وأنشطة تعليمية وكتب ونشرات وخطب ودعوات دينية لأفراد المجتمع تحثهم على ضرورة الوعي لخطورة هذا التباعد على مجتمعنا وعلى صحتنا وانعكاسه على الفرد في الدنيا والآخرة.. وتذكر الناس بما دعا إليه الإسلام من التلاحم وإعادة حقوق الجار على جاره.
يتعيّن على الآباء إدراك حجم مسؤوليتهم في توجيه أبنائهم وتعليمهم القيم الاجتماعية والدينية المختلفة ومنها حقوق الجار وضرورة التعامل معه بما لا يجرح شعوره أو يؤذيه بل المسارعة لنجدته عند الحاجة وإقناعه بانعكاسات هذا الأمر على المجتمع وعلى الإنسان في الدنيا والآخرة.. وبعد الأسرة يأتي دور المعلم في المدرسة بتوعية طلابه بإخلاص وإقناعهم وإشراكهم في أنشطة لا صفية تحمل في طياتها مبادئ الخير والتعارف بين الناس وغرس القيم والمبادئ التي تربي فيهم حسن المعاملة والمعاشرة والإحسان إلى الجار.. ونأمل في الوزارة ان تولي الجوانب الاجتماعية أهمية خاصة في مناهجها الدراسية.
وعلاوة على ذلك دور إمام المسجد والخطيب الذي يراعي دائماً السؤال عن الغائب والاستفسار عن أحوال المصلين ومساعدة من يحتاج منهم المساعدة وجمعهم في الخير والمساهمة في تعارفهم فيما بينهم.. من ناحية أخرى هناك عبء على وسائل الإعلام والجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية لنشر الوعي الاجتماعي من خلال المحاضرات والنشرات والكتيبات التي تزيد من وعي الشخص بواجباته نحو جاره.
لا شك أن قيام الجار بحقوق جاره له آثار طيبة في المجتمع لما يثمره من تآلف القلوب وتقارب النفوس حيث يصبح المسلمون كالجسد الواحد يتعاونون على الخير ويتناهون عن الشر.. ويتناصحون فيما بينهم.. يحب كل واحد لأخيه ما يحبه لنفسه.. ويحب لأولاد جاره ما يحبه لأولاده.. وحقوق الجار أجملها رسولنا الحبيب «صلى اللَّه عليه وسلم» في الحديث الشريف فيما معناه «أتدرون ما حق الجار؟.. إن استعان بك أعنته.. وان استقرضك أقرضته.. وإن افتقر جدت عليه.. وإن مرض عدته.. وإن أصابه خير هنأته.. وإن أصابته مصيبة عزيته.. ولا تستطل عليه بالبناء فتحجر عليه الريح إلا بإذنه.. وإن اشتريت فاكهة فأهده منها.. فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك فيغيظ بها ولده.. ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها.. أتدرون ما حق الجار والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجوار إلا من رحمه اللَّه.. وإذا رميت قلب جارك لأفقد آذيته.. هكذا يحبب الإسلام الناس إلينا ويحببنا إليهم.. لكننا نأبى إلا المزاجية في العلاقات فنتقوقع أكثر فأكثر.. فهل يبدأ كل منا بتفقد جاره وبمجاهدة نفسه ليسأل عنه ولو في كل أسبوع مرة..؟.
يوسف الشريف - شقراء