تصطدم بأذنيك عبارة من النوع الثقيل «المدير العام باجتماع».. تبدد حماسك وأنت تهم بمراجعة لإحدى الإدارات لغرض مهم.
الحديث عن عقد الاجتماعات داخل المنظمة الإدارية، وتفاوت الرأي حول أهميتها في برامج العمل الوظيفي يتطلب وقفة تحليل ومناقشة.
هل ستكون الاجتماعات الإدارية من مخلفات الإدارة الكلاسيكية التي ستطمرها برامج التقنية الإدارية المتجددة ويتم استبدالها بإجراءات أخرى، أو صياغة تنفيذها بقالب جديد تنتفي معه سلبيات بعض الاجتماعات. أم أنها إحدى ركائز الإدارة العامة ومتطلباتها الأساسية، رغم تتابع الزمن عليها وتجدد هيكلة وبرامج الإدارة؟
يأتي الخلاف حول قيمة الاجتماعات نتيجة للعلاقة والارتباط بين «الاجتماعات وعامل الوقت، والتوقيت، والمدة، والغاية من تنفيذها».
في البدء، لا يمكن تجاهل أن الاجتماعات داخل المنظمة إن نفذت بالأسلوب الصحيح تحقق جملة من المكتسبات، فبحسب الغاية المنشودة من عقدها يؤمل منها أن تعمل على تحقيق بعض المتطلبات كالرغبة في اتخاذ قرار مصيري بأمر جد على مسار العامل داخل المنظمة، كما تهدف إلى تبادل المعلومات، ونقل الخبرات بين الموظفين، وإلى الوقوف على مستجدات النظام وشرح بنوده، وتلمس السبل المثلى في تنفيذ تلك البنود والأنظمة والمستحدثة.
وفي الرؤية السلبية فإنَّ الاجتماعات إن هي خرجت في برنامجها عن الغايات والأهداف وخطط العمل المرسوم لها فإنَّ الصورة ستكون حتماً مقلوبة، حيث سيسود مد الرتابة، وضمور الأهداف، وتداخل محاور الحديث بين المجتمعين، وينتهي ذلك باستهلاك الوقت، واستبداد بعض المتحدثين بإملاء التوصيات والمقترحات، والأعظم في ذلك أنها قد تتحول توصيات الاجتماع إلى دليل موافقة وترسيخ للأخطاء التي كانت تنفذ بصورة فردية.
من الحالات التي وقفت فيها على بعض سلبيات الاجتماعات أنني قمت بمراجعة دائرة رسمية مع بدء الدوام، وكانت حاجتي تتطلب اللقاء بمدير الإدارة، فأفاد مدير المكتب بأن المدير باجتماع مع بعض منسوبي الإدارة، فذكرت بأنه يمكن أن أراجع بعد نهاية الاجتماع، فقال لديه اجتماع آخر عقب هذا مباشرة، فقررت في نفسي أن أعود بعد صلاة الظهر، فوجئت عند رجوعي باجتماع ثالث ففسرت الحالة باعتقادي أن هناك أمراً طارئاً وملحاً يتطلب المبادرة بالحسم والمعالجة من خلال تشاور ورأي جماعي.
وفي الغد راجعت تلك الإدارة فصدمت بإغلاق مكتب المدير العام لغرض الاجتماع وبعد صلاة الظهر كان المدير خارج الإدارة، وقيل لي ان الاجتماعات جزء من برنامج المدير اليومي.
إن الزمن المحدد ليوم العمل الرسمي قرابة ثماني ساعات حسب الأنظمة الإدارية العامة، يفترض أن يعمل المدير فيها على تغطية كافة احتياجات العمل، من الاطلاع على المعاملات وتوجيه مسارها واعتماد توقيعها، ومقابلة المراجعين إن اقتضى الأمر ذلك، مع عدم إغفال توفير وقت للتخطيط، وتفقد الاحتياج، والرقابة، والتقييم وتقبل التوجيهات من الإدارة المركزية العليا عبر الاتصالات الإلكترونية.
كل ذلك وغيره يفترض تنفيذه في تلك الفترة الزمنية من اليوم الوظيفي.
وإن الاجتماعات المتكررة على مدار الأسبوع الواحد، والتي أصبح تنفيذها يمثل طابع الرتابة، قد تولد لدى أعضاء الاجتماع نوعاً من السأم والتضجر، والتثاقل عن الحضور والبحث عن المبررات للغياب عنها، كما يتحول جدول أعماله إلى صور نمطية.
وبالتالي فإنَّ الاجتماع المتكرر داخل الإدارة قد يطغى على مصالح والتزامات أخرى ويتصادم معها.
خلاصة القول:
إن الموقف من تنفيذ الاجتماعات والقناعة بعقدها داخل الإدارة بالأسلوب الروتيني المتكرر يحاكي الموقف من مضمون التساؤل «هل نأكل لتعيش.. أم نعيش لتأكل».