تفاجئ الرياض زائرها للمرة الأولى بجمالها وحسن تنظيمها وبمواصفات وصفات كثيرة لا تحصى كعاصمة تتحول بسرعة لافتة إلى عاصمة كونية في السياسة والإدارة والاقتصاد والثقافة, فهي مدينة تتميز بالأمن والأمان السائدين فيها، وهي المدينة التي يقصدها كبار المسؤولين في العالم من الشرق ومن الغرب باعتبارها مرجعية دينية حدودها الكرة الأرضية، ومرجعية قومية عربية للمغرب وللمشرق، وغير ذلك من الدوائر التي تبدأ بحدودها الوطنية وبالثقة المتبادلة بين المسؤولين والمواطنين على المستوى الوطني العام للملكة.
وقبل ذلك وبعده هي معجزة قائمة فوق الرمال في عصر غابت عنه المعجزات، ولكنها حولت الصحراء إلى مدينة كبرى مساحة وعدد سكان تزدادان بسرعة قياسية, وللوهلة الأولى يبدو واضحا أن هذه العاصمة التي لها فرادتها تدخل في سباق مع الزمن, وتفوز لتكون في حجم الطموحات التي شغلت وتشغل بال المسؤولين عنها وفيها.
كل ذلك تخرج به الإطلالة الأولى وما تراه العينان وتسمعه الآذان وتدركه العقول.
فالرياض بموقعها هذا وعمرانها على قواعد هندسية مبدعة وبمبانيها والأسرار الكامنة فيها وهي أكثر من كثيرة.
يحتار الزائر لها من أين يبدأ بالحديث عنها لكثرة ما تتمتع به من المعالم الحضارية ومن الخصوصيات التي لا تشاركها فيها عاصمة أخرى نظرا لتميزها في التاريخ كما في الجغرافيا، وكل ذلك من دون شك كامن في حيثيات اعتمادها عاصمة إدارية للمملكة العربية السعودية ومن بعد للتعاون العربي الخليجي حيث تتوالى زيارات كبار المسؤولين الكبار لها، وإقامة أفضل العلاقات معها وزيارة «رياضها» التي تحسن استقبال الضيوف بكرم عربي متجذر، وحسن الرعاية، وما إلى ذلك من الصفات العربية التي تحرص الرياض على التمسك بها, إذ نقل إنها في الأساس المصدر الأول لها، والاستمرار في ممارستها وهي بذلك تحظى بشكر كبار الزوار وإعجابهم والإشادة فيها، وهذا سر من الأسرار المستودعة فيها، وهناك أسرار أخرى تشهد للرياض وأولياء أمرها.
والواقع من لم يزوروها بعد ينتظرون المناسبة وهم قلة ولا شك كما أن زائريها يفكرون في العودة إليها من أكبر مسؤول وحتى أبسط مواطن ومن موقع التقدير لها، عاصمة معطاء، وشكرها، وإن كانت لا تطلبه ولم تسع إليه, فيما يعتبره الآخرون واجبا عليهم تشجعهم حكمة الملك والأمراء والمسؤولين خصوصا وأن التجربة الملكية تقتدي في النهوض بالرياض التي أشرف على بنائها حجراً حجراً وطرقاتها طريقاً طريقاً وتابع التفاصيل الصغيرة حتى جاء في أحسن تقويم.
وعندما يكتب التاريخ بأمانة لا بد أن يكتب فإن للإنصاف والعدل كلمتهما من دون مجاملة ولا مواربة ويقال الحق ولا شيء غير الحق.
إن مدينة مكة المكرمة العاصمة العالمية الأولى للمسلمين عن يمينها والمدينة المنورة عاصمة النبوة والأنصار والمؤخاة عن يسارها وذلك يعتبر ولا شك رصيدا كبيرا ونوعيا لها ولهذا وأكثر من هذا ربما كان قرار الملك المؤسس كامنا باختيارها وبإلهام رباني ومعطيات قدرها حق التقدير وببعد نظر ولأسباب لا يعلمها إلا الله.
فالرياض التي تستحق اسمها بالحق والحقيقة وبالنور والفضيلة والاستنجاد بالتاريخ يقدم سرا آخر إذ ليس في الكون شيء يولد من فراغ بدءا من قرية وانتهاء بعاصمة والرياض متجذرة في التاريخ العربي وتتمتع منذ القدم بطبيعة ساحرة يزيدها النخيل والورود من كل نوع وكل ما ينبت في الأرض يزيدها جمالا على جمال حيث الأشجار الدانية القطوف وبالماء الذي يجعل كل شيء حيا.
قصورها القديمة من نتاج حضارات توالت وقبائل تنافست إيجاباً في البناء وفي السباق إلى الأحسن وكل ما يحتاجه البشر في صحراء واسعة.
منذ أن كانت تحمل اسم اليمامة الشبيهة بذوات الطوق في الحرمو بكونها المخلوق الأول الذي عاد بغصن الزيتون إلى نوح الذي أدرك أن الطوفان الأكبر بدأ يتراجع, اتحدت مع أختها الدرعية فأصبحتا مدينة واحدة قادرة على تخطي أحداث ذلك الزمان بنجاح بفضل القيادة التي اتخذتها عاصمة لأول مرة، استناداً إلى المؤهلات القيادية الاستثنائية وبعزم على الجهاد في سبيل الله والشريعة السمحة وبقدرة على الصبر والنصر, لهذا ولأسباب عسكرية وإدارية يستحق المؤسسون والمتابعون والمسؤولون عن إعمارها كل التقدير والتأييد والبيعة، ولأن العود أحمد يتم تجاوز التاريخ وجدية الاستطراد ولو كان مبررا إلى جغرافيا الرياض وأيام الأنس فيها التي لا تنسى ولن تنسى.
إن هذه العاصمة انطلاقا من تأسيسها على أفضل قواعد العمران وبالتنظيم المدني لها وما فيها من المؤسسات المالية والإعلامية والتنموية الشاملة لها ولغيرها من دون استثناء واهتمامها المتزايد بالثقافة التي يشكل معرض الكتاب الدولي شاهدا عليها بحسن التنظيم وبالعدد الكبير لدور النشر والمكتبات فيه، كل ذلك يجعل الرياض عامرة بكل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض ولا يذهب جفاء.
طرقاتها الطويلة والعريضة على مد العين والنظر وبعضها يتعدى الخمسين كلم تستوعب مئات الآلاف من السيارات في وقت ودون أن تضيق بها رغم زحمة السير التي أصبحت مشكلة عالمية لا تنجو منها عاصمة أو مدينة كبرى في العالم وبانتظار انجاز المترو قطار الرياض تدخل العاصمة عصرا آخر.
وفي الرياض تأمر وتنهى ما تشاء إشارات حمراء أو خضراء بديلة عن الإنسان الذي لا حاجة له ما دام الالتزام من المسلمات وذلك عن قناعة وليس خوفا من العقاب كما يحدث في غيرها وهذا استثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها.
وعلى الجانبين محلات ومتاجر بمنتهى الأناقة حتى ليحسب الزائر أنه في باريس أو لندن, وإن كانت طرقات الرياض أكثر طولا واتساعا، والوسطيات التي توازي الطرقات والأرصفة أيضا، أشجارها الخضراء دائما تتمتع برعاية مستمرة وبعين العناية دائما, فيما استقامتها لافتة للنظر وتبدو وكأنها تتأهب للصلاة شكرا لله مع أن الجوامع تغطي الأحياء ولا تترك عذرا لأحد لممارسة العبادة.
إن حركة الإعمار المتسارع تكاد تمنح لهذه المدينة أسماء موازيا آخر كمدينة للأبراج حيث يرتفع بين البرج اثنان آخران ينضمان إلى ناطحات السحاب والصعود باتجاه السماء وكلها تتميز بالفنون الهندسية المألوفة منها وغير المألوفة, لكنها مدعاة للإعجاب وكلها مشغولة بالمكاتب وبالمؤسسات ومن دون تفسير سلبي فهي في هذا تنافس إيجاباً مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما المجمعات السكنية فإنها تراعي الخصوصيات العائلية والاستقلالية الذي يبحث عنها الكثير من الناس لكونها تحسب حسابا للتخلص من الفضوليين والعابرين ولا تترك لهم فرصة للتجاوزات خلافا كما يحصل في عواصم أخرى وما تعرفه من مشاكل وخلافات وإشكالات يصبح فيها المتطفلون وعابروا السبيل إلى شركاء لسكان المنازل المكشوفة التي لا تقيم وزنا للحشمة وتجنب إقلاقها, فهنا تقول الهندسة كلمتها والقرار يأخذ مجراه ولا خيار غير الالتزام.
ويبدو أن المسؤولين عن الرياض كما عن مدن أخرى أعدوا خريطة طريق باتجاه المستقبل وضعت الرفاه في صميم الأولويات فدخلوا وأدخلوا الناس العصر من أوسع أبوابه.
في الرياض لا مشكلة مياه ولا أزمة كهرباء ولا خلاف مع المستشفيات المعروفة سعتها ولا المدارس التي يزداد عددها عاما بعد عام ولا للحدائق والمساحات الخضراء التي تمتلئ بالناس أيام الإجازات والعطل الرسمية وغير الرسمية واللائحة طويلة بالإنجازات الضرورية لكل إنسان يسكن أو يفد إليها أو يزورها.
إن عمر مدينة الرياض عند افتتاح الملك عبدالعزيز لها لم يتجاوز مائة عام بعد فإن هناك عواصم ومدنا عربية تنكب بأيدي أبنائها والمسؤولين عنهـــا وتتعرض للخـــراب الذي يستهدف البشر والحـجر والآثـــار والحضارة فثمة مدن عربية يعود بناؤهــا إلى آلاف السنين وبعضها الآخر يتعدى عمره المئات من الأعوام وكثير منها انتشرت حول الأنهار أو جاورت البحار ولكنها تشكو من التصحر ولا تصل المياه إلى منازلها فيما تعاني عواصم ومدن أخرى من العطش وشح المياه والظلام ولعله شعار معبر أن يرفع في هذه المدن شعار «مدن عربية شاملة» تعود الذاكرة إلى دمشق عاصمة الأمويين التي قال فيها الشاعر اللبناني سعيد عقل:
أُمَوِيُونَ فإن تفتي بِهِم
أَلْحَقُوا الدنيا بِبُستانِ هِشامْ
وهي الآن تتعرض لكل أنواع الدمار وإلى بغــــداد الرشيد التي لم تهتم كثيرا لمرور السحاب غير الممطر في سمائها ما دام خراجها سيعود إلى عاصمة الخلافة فيما بعد وإلى القدس مع الفارق التي ترحل إليها قلوب العرب والمسلمين كل ولا تصلها لأن الاحتلال زنرها بالجدران العالية.
دون نسيان بيروت التي اجتاحها الخراب والدمار والحروب لسنوات وتحتاج إلى عدة عقود للعودة إلى ما كانت عليه.
واللائحة طويلة على رأسها طرابلس الغرب وصنعاء ومدينة بني حمدان والمتنبي وغيرها وغيرها, وكلها مجتمعة أو منفردة تنتظر المكرمات والمساعدات السعودية التي لم تبخل يوما على مدينة أو عاصمـــة لإعادة الإعمار، وإنهاء مسببات الدمار بدعوة المتحاربين إلى المصالحة في الرياض أو في الطائف وفي مكة المكرمة ودائما كان النجاح حليفها لأنها على حق، ولا تبخل بالمكرمات والمساعدات وإقامة المصالحة وإنهاء الحروب العبثية.. لأنها المؤثرة تاريخيا وموقعا وفعالية ولأن ملوكها كانوا ولا يزالون وسيبقون بإذن الله حكماء الأمة والأمناء على الثوابت التاريخية.
ومرة جديدة يسجل للرياض ولحكامها هذا السبق في إعمار ما دمره الآخرون من بلادهم أو بلاد جيرانهم وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكلام لا يرسل على سبيل المقارنة وإنما على سبيل التداعي.. وضرب الأمثال للعرب لعلهم... من دون الادعاء بالإحاطة عن مميزات الرياض.. حيث تناول القليل من الكثير.. واكتفى بالإلماح.. وإن كانت التوقعات الموعودة لتتقدم الرياض من الحسن إلى الأحسن ماثلة على الأرض وتتجه إلى الإنجاز.. وانتظار مستقبل قريب زاهر وأكثر إشراقا للرياض ولأخواتها من مدن المملكة بإذن الله إنه بعض حق الرياض على زائريها وعلى الوافدين إليها وقبل ذلك وبعد على أبنائها مع الإشارة إلى أن الحديث عن الرياض هو أولا وأخيرا عن صانعي مجدها بدءا من جلالة الملك المؤسس رحمه الله وأبنائه من الملوك الذين كانوا خير خلف لخير سلف ومعهم الأبناء والأحفاد، وعليه فإنه يصح إطلاق اسم «الرياض مليكة العواصم» عليها وتتويجها رائدة للعواصم والمدن العربية وغير العربية.. وليس مهما متى يأتي ذلك.. ما دام سيأتي بإذن الله.
حبيب غانم - صحفي عربي من لبنان