الجزيرة - المنامة:
ضمن فعاليات مؤتمر الشرق الأوسط للاستراتيجيات الإعلامية «نحو استراتيجية إعلامية خليجية وعربية» الذي أقيم في مدينة المنامة بمملكة البحرين, برعاية معالي السيد نبيل الحمر مستشار جلالة ملك مملكة البحرين للشؤون الإعلامية, حيث افتتح الأستاذ فرات البسام رئيس تحرير صحيفة أنباء اليوم رئيس جلسة «دور الإذاعة والتلفزيون الحكومية في ترسيخ الهوية الخليجية» بالترحيب براعي المؤتمر معالي الأستاذ نبيل الحمر مستشار جلالة ملك البحرين للشؤون الإعلامية, وبضيوف المؤتمر من المشاركين والحضور, مؤكداً أهمية هذا المؤتمر الذي يبحث استراتيجية تحقيق الأمن الإعلامي؛ لمواجهة استهداف الهوية الخليجية, مقدماً شكره للجهة المنظمة وهي: مجلس العلاقات الخليجية الدولية «كوغر» ولرئيس مجلس إدارة المجلس الدكتور طارق الشيخان, وقد حث وسائل الإعلام الخليجية إلى استثمار الرؤى والأفكار التي سيخرج بها هذا المؤتمر.
وقد شارك في هذه الجلسة كل من الأستاذ محمد بن عبدالعزيز الفيصل عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ومستشار رئيس تحرير صحيفة الجزيرة, وبالدكتورة موزة بنت عبدالله المالكي الأستاذة في جامعة قطر والكاتبة بصحيفة الراية, وكانت بداية الجلسة بالزميل الأستاذ محمد الفيصل الذي كانت ورقته بعنوان: (الهوية والثقافة الخليجية.. دور التلفزيون والإذاعة الحكومية.. الآمال والتحديات), التي قال فيها: ((الهوية هي الكيان الذي يمثل الذات الإنسانية بكل مكوناتها وخلفياتها؛ الاجتماعية والثقافية والأيدلوجية؛ والخيط الرفيع الذي يربط الإنسان بوطنه وذاته.. فهي مزيج معقد يجذب الإنسان لكل ما ينتمي إليه, وأداة (متفردة) تملك القدرة على ربط الماضي بالحاضر, والآني بالمستقبل, عبر منظومة فكرية وحضارية متكاملة تشعر الإنسان بقيمته وميزته.
لقد عبّر علماؤنا عن الهوية (العربية) بداية بدفاع الجاحظ عنها ومروراً باعتزاز ابن خلدون بها, فهو المفكر الذي وصّف أدواتها, وفنّد الأخطار المتربصة بها, لتتوالى بعدهما الدراسات الحديثة التي تناولت الهوية جملة وتفصيلاً.
شكلت الوحدة الخليجية التي كان من أينع ثمارها تأسيس مجلس التعاون الخليجي الذي أُنشئ في الواحد والعشرين من شهر رجب من العام مئة وواحد وأربع مئة وألف من الهجرة؛ الحزام السياسي والاقتصادي والتنموي الذي يجمع الدول الشقيقة الست ببعضها, التي تحتضنها شبه الجزيرة العربية, وتحبكها روابط اجتماعية وثقافية وفكرية موحدة, ليتمخض عن هذا المجلس الخليجي أوجه تعاون مختلفة شملت مجالات عدة, وأصعدة متباينة, كان من بينها التعاون في المجال الإعلامي, حيث تنص الاستراتيجية الإعلامية التي أقرها المجلس على:
ترسيخ الهوية الخليجية والعربية والإسلامية لدول مجلس التعاون, وتعميق المواطنة الخليجية, وتعزيز التعاون وفرص الوحدة بين دول المجلس, ودعم ترابط المجتمع الخليجي واستقراره, وتنمية الوعي المجتمعي العام لدى المواطنين والمقيمين, ودعم مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية, بالإضافة إلى تكثيف التعاون والتكامل بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في دول المجلس.
ويبقى السؤال المهم بارزاً في هذا السياق: هل حققت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في دول المجلس بنود هذه الاستراتيجية؟ أو بعضها؟ أم إن قطاعات التلفزيون والإذاعة الحكومية وشبه الحكومية, قد تجاهلت ما جاء فيها؟
نعم, لقد حققت قطاعات الإذاعة والتلفزيون في دول المجلس نجاحاً جزئياً عبر احتفائها بالبرامج التي أنتجتها مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك «البيت الإعلامي الخليجي» التي تأسست في نهاية القرن الهجري المنصرم عبر تكاتف قطاعات الثقافة والإعلام بدول المجلس؛ التي اجتمعت في الكويت لتبتكر هذه المؤسسة الخليجية المعنيّة بالهوية, والتي يشغل مجلس إدارتها وكلاء وزارة الثقافة لدول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى اليمن, فأحيت هذه البرامج التراث الخليجي المشترك لتسهم بشكل فعّال في تقديم إعلام متميز, جسَّد الهوية الخليجية بكل مكوناتها الاجتماعية والثقافية والحضارية والفكرية, فلهذه المؤسسة الفضل في تأسيس الوعي, وتشكيل مفهوم الهوية الخليجية, وأنا واحد من هؤلاء الذين أثرت فيهم هذه البرامج - وغيري الكثير - لتزرع فينا مفهوم الوحدة الخليجية, وتكرس في أذهاننا الصورة الذهنية الرائدة للفرد الخليحي, إلى جانب التفاصيل الثقافية المشتركة للوطن وللأمة الواحدة.
كما أدّى استشعار مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك «البيت الإعلامي الخليجي» لمفهوم الهوية, التي عززتها حزمة متنوعة من البرامج الهادفة التي بُثت مطلع القرن الخامس عشر الهجري؛ إلى ظهور جيلٍ واعٍ ترعرعت الهوية معه وكبُرت لتشكل جزءاً ليس باليسير من وطنية الفرد الخليجي, التي أسهمت هذه المؤسسة في تقنين أساساته المتينة, إلا أن هذه الجهود مع الأسف الشديد قد تضاءلت بشكل كبير وانحسرت, لكنها لم تصل إلى مرحلة الانقطاع, فتأثيرها بات ضعيفاً في ظل الثورة الفضائية, ووسائل الإعلام المتنوعة بكافة وسائطها الشبكية, التي اجتاحت جُلّ البيوت الخليجية بلا استثناء لتخطف من أذهانهم ما تبقى من الوعي, كما أن عدم احتفاء قطاعات الإذاعة والتلفزيون في الخليج العربي بهذه البرامج أسهم بوضوح في تقويض جهود هذه المؤسسة -الإنتاجية-, وكلنا أمل في جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج؛ أن يعيد الوهج لبرامج «البيت الإعلامي الخليجي» عبر تطويرها وتسويقها في محطات دول مجلس التعاون, ولذا فإنني أناشد مجلس التعاون الخليجي بدعم هذه المؤسسة لتنهض وتكمل مشوارها ومشروعها التنموي المنتظر منذ سنوات, فالنجاح في البداية مبرر ودافع لإكمال هذا المشوار الحافل, فهذه المؤسسة كان من الممكن أن تتطور؛ لتتحول إلى مركز لتوجيه وتأسيس الوعي الخليجي, إلا أن الأمر لم يكن كذلك, فالسوق الخليجي مازال متعطشاً إلى المزيد من الجهود لترسيخ جذور الهوية الخليجية (المغيّبة) التي تعرضت للكثير من الهجمات الفضائية لتشويهها, وإزالة ما بقي منها, فهذه الورقة تنطلق من رصد دقيق للواقع المعاش في محطات التلفاز والإذاعة في دول مجلس التعاون, ومدى تأثيرها على الهوية الخليجية إيجاباً أو سلباً.
لقد تقهقرت جهود أجهزة الإذاعة والتلفزيون في تكريس مفهوم الهوية الخليجية وبالذات على مستوى برامج الأطفال, والمسلسلات الدرامية والتثقيفية, ليواكب هذا القصور ظهور عدد مخيف من الفضائيات الخليجية -خاصة وشبه حكومية - لها أهداف مشبوهة, وغايات ربحية وأيدلوجية, تسعى لتقويض الوعي وبثّ الفرقة والشتات بين أبناء المجتمع الخليج الواحد, ولا أريد أن أظلم بقية الأجهزة الإعلامية الخليجية المحدودة, التي أبدعت في مجالات عدة ومتنوعة, ولكنني لست بصدد المجاملة في موضوع حساس هو أحوج ما نكون إليه في ظل الظروف السياسية الصعبة التي يمر بها الشرق الأوسط, ولذا فإنني أدعو عبر هذا المنبر (الحي) إلى تكثيف الجهود, وتفعيل أهداف الاستراتيجية الإعلامية التي أقرها مجلس التعاون الخليجي, وكان من أبرز بنودها: ترسيخ الهوية الخليجية والعربية والإسلامية لدول مجلس التعاون, الأمر الذي لم يعد من أولويات أجهزة الإذاعة والتلفزيون الخليجية, لذا فإنني آمل عبر هذا المؤتمر بأن تعاد صياغة أوجه التعاون بين القطاعات الإعلامية, وأن تكثف الجهود لدعم الهوية الخليجية, لتُفعل استراتيجيات التعاون التي تترجم اهتمام زعماء المجلس بهذا الموضوع المصيري المشترك, ولذا فإنني أقترح التالي:
- إنشاء مركز دراسات وبحوث يُعني بالهوية الخليجية, بدعم من المجلس, وبالتنسيق مع جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج.
- رفع مستوى التعاون والتنسيق بين جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج, ومؤسسة الانتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون.
- إعادة النظر في تفعيل دور اللغة العربية في برامج الأطفال ولا سيما الرسوم المتحركة, في قطاعات الإذاعة والتلفزيون بدول المجلس.
- إنشاء مركز للتحكيم والتقييم, تشرف عليه الأمانة العامة لمجلس التعاون, يهدف لرفع مستوى الأداء في قطاعات الإذاعة والتلفزيون في المجلس, ومعرفة رضى المشاهد الخليجي عن أدائها.
- تشجيع ودعم المؤسسات الحكومية والخاصة لإنتاج المواد الدرامية من مسلسلات وبرامج هادفة.
- إيقاف بث المواد التي تسعى لتسطيح الفكر, وكذلك البرامج التي تشيع الفرقة بين أبناء المجتمع الخليجي العربي, وعدم التعاون مع الفضائيات التي تبثها.
- مراجعة المعوقات التي تحول دون تنفيذ استراتيجية التعاون الإعلامي بين دول المجلس.
- اجتياز التعاون إلى مرحلة الاتحاد الإعلامي.
- تقنين عمل الفضائيات غير الحكومية التي تشوش صفو الجو الخليجي, بلائحة وضوابط صارمة يقرها المجلس.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أقدم الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر الفاعل, وتمنياتي أن تلقى الأوراق المقدمة فيه ميداناً للتطبيق ووسيلة للارتقاء بالعمل الإعلامي)).
بعد ذلك شكر رئيس الجلسة الأستاذ فرات البسام للأستاذ محمد الفيصل, منوهاً بالمضامين التي جاءت فيها وداعياً مجلس التعاون الخليجي والجهات الرسمية في دول المجلس إلى استثمار ما جاء فيها من اقتراحات ومبادرات, ومشيداً بما جاء فيها, بعد ذلك انتقل مدير الجلسة إلى الدكتورة موزة المالكي التي شددت على ضرورة التركيز على تنمية مفهوم الهوية الخليجية لدى الأطفال والمراهقين من خلال التركيز على البرامج التي تخدم هذه الفئات العمرية حتى لا تقع فريسة التأثيرات السلبية الأخرى.
بعد ذلك فتح مدير الجلسة المداخلات, وكانت المداخلة للدكتورة لولوة بودلامة التي أكدت على أهمية الاهتمام بما يقدم في وسائل الإعلام الخليجية وبالذات الدراما المتمثلة في المسلسلات الخليجية التي لا تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع الخليجي! بل إنها تشوه صورة المجتمع فهي لا تعكس الجانب المشرق والإيجابي فيه, داعية وسائل الإعلام الخليجية إلى احترام المجتمع الخليجي وتقديم صورة مشرقة عنه وذلك عبر دعم المسلسلات الخليجية الهادفة التي تبني القيم, وتعزز الانتماء, وتخدم المجتمع.