كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لشعبه واضحة ووافية تتجه بوصلة التغيير والتطوير فيها نحو رضا المواطن، إلا أن وزارة الصحة فحتى تاريخه لم يقرأ المواطن بأن بوصلتها بدأت في الاتجاه الصحيح، حيث ما زال يشعر بالقلق عند مرضه أو مرض من يحب: إلى أين يتجه لطلب الخدمة؟! لمن يتجه هناك ومن سيساعده؟! من يضمن له جودة ما يقدم له؟! أي أنه لا يوجد نظام صحي يضمن له الاطمئنان والراحة والكرامة على حد سواء!!، نظام يجعله يعرف موقعه في النظام الصحي ويمكنه من القرار في اختيار نوع الخدمة والفريق الطبي، نظام يعيد للمراكز الصحية ثقتها ويجعلها البوابة الأولى لكل مواطن للحصول على الخدمة وتنسيق أي خدمات أخرى يحتاجها، يا معالي الوزير النظام الصحي لا يكفيه زيارات مكوكية وفرق تفتيش في المناطق كما لا يكفيه قرارات صارمة في الإقالة والتعيين، إنه بحاجة إلى فكر ابتكاري وقرارات إدارية تستهدف أمراً واحداً لا غير وهو وجود نظام يمكن المواطن أن يكون صاحب القرار في اختيار الخدمة ذات الجودة العالية، بدأ من البوابة الأولى لتقديم الخدمة وهي المراكز الصحية والأهلية وانتهاء بالمستشفيات من خلال التغيير المقترح التحويلي التالي:
البدء بنظام تحويلي للبوابة الأولى لتقديم الخدمة وهي المراكز الصحية الحكومية والمجمعات الطبية الأهلية واستثمارها من خلال فرق عمل خاصة، حيث يفتح المجال لكل السعوديين وغير السعوديين في تخصص طب الأسرة والتخصصات العامة والفنية في تكوين فرق عمل احترافية خاصة تسلم لها المراكز الصحية والمجمعات الطبية لاستثمارها المجدي ويدعى الأفراد والأسر في التسجيل في فريق العمل ذي الجودة العالية (سواء حكوميا أو أهليا) ودعمها في المرحلة الأولى من خلال نظام موحد إلكتروني يشمل الجانبين العلاجي والوقائي، هذا المطلب كفيل بحل مشاكل 90% من المشاكل الصحية وتوفير 50% من الميزانية كما أثبتت ذلك الدراسات العلمية، يدعم ذلك نظام تأهيلي ومالي قادر على تحريك عجلة الجودة وتحقيق رضا المواطن والمحاسبة والتنافسية مع الأخذ بالاعتبارات السبعة التالية عند تنفيذ المقترح:
الاعتبار الأول: فرض المهنية فوضع القطاع الخاص الحالي أساء لمهنة الطب والأطباء والمرضى على حد سواء وهذه الإساءة تتم إذا كان دور الوزارة إداريا ما بين صادر ووارد وليس دوراً تنموياً مراقباً لهذا القطاع في جانبه الفني والمهني وإيجاد الآليات المبتكرة، مثال ذلك إنشاء نظام نطاقات أسوة بنظام وزارة العمل لكن في الجانب المهني حتى يعلم المواطن مهنية مقدم الخدمة ومما يسهل ذلك وضع حزمة من الدعم المالي والتنظيمي لفرق العمل التي تمارس الطب المبني على البراهين ولديها نظام محاسبة لمن يستغل المريض أو يقدم خدمة لا يجيدها كمرحلة أولى يلي ذلك مرحلة التصفية علما أن المرحلة الأولى يمكن أن تنجز في أشهر كما هو الحال في إنجازات وزارة الداخلية والعمل والتجارة المتلاحقة.
الاعتبار الثاني: كشف دقة برامج الاعتماد المحلية والعالمية للمراكز والمستشفيات السعودية وجوانب القصور فيها، يا معالي الوزير إذا مرضت أو مرض والدك أو والدتك هل ستتجه إلى أقرب مركز صحي أو مستشفى إلى منزلك معتمدا أم ستتجه إلى الخيار الوحيد في ذهنك!!!، إن الأمانة توجب أن يكون معيار خيارك هو معيار خيار المواطن في أي منطقة من مناطق المملكة كما أكدت على ذلك توجيهات المقام السامي مراراً وتكراراً، ومما يسهل تحقيق ذلك إشراك المجتمع في عملية التقييم للفرق في المراكز ومراقبة تقديم الخدمة خاصة في جوانبها الفنية، لأن ثقة المجتمع لن تأتي بورقة كتب عليها مستشفى أو مركز معتمد وإنما بما سيقدم له من خدمة مقرونة بالمهنية وما سيحصل عليه من نتائج، وهذا يجب أن يكون واضحاً لكافة فرق العمل التي ستقبل الاستفادة من الفرصة الاستثمارية والتحدي المقرون به.
الاعتبار الثالث: جعل الصحة العامة إستراتيجية موازية للمقترح للوقاية من السكري والضغط وارتفاع الدهون والتدخين وأمراض شرايين القلب والحوادث وبناء نظام يبقي المجتمع صحيا فمهمة الوزارة هي الصحة أولا وليس المرض ولمعرفة حجم الفجوة في هذا الأمر ما علينا سوى المقارنة بين حجم تلك الأمراض المزمنة الفتاكة والتحرك لها وحجم مشكلة كورونا والتحرك لها.
الاعتبار الرابع: البدء بتفعيل ملف التأمين للأسرة السعودية برؤية إستراتيجية تأخذ في الاعتباركافة الاحتمالات وتغلق كافة الثغرات وتحتاط لكافة المشاكل ولا تلتفت لأي طرح أو فكر تقليدي وإنما فكر ابتكاري يبدع في إخراج منتجات تأمين تراعي قيم المجتمع لكنها غير عادية ومما يسهل تحقيق ذلك قاعدة الثلث، وهي ضم ثلث أفضل ما في نظام الشرق وثلث أفضل ما في نظام الغرب وثلث صناعة وطنية من خلال اجتماع خبراء الثلث الأول والثاني والثالث على طاولة واحدة كورشة عمل لا تقل عن شهر وتجربة في مدينة واحدة لعينة لا تقل عن الف أسرة سعودية يندر تحركها خارج المدينة لمدة سنة للإعلان عن نموذج تأمين رائد خلال عام، يا معالي الوزير ألا تستحق الأسرة السعودية أن يقدم لها ما قدم لملايين غير السعوديين في ضمان خدمة صحية كريمة.
الاعتبار الخامس: منع التوجه المباشر للمستشفيات أو الصيدليات إلا من خلال فرق عمل المراكز المعتمدة لقياس أداء فرق العمل وتللك المراكز ورضا المواطن عنها كما أن فرق العمل غير ملزمة بمستشفى محدد للتحويل بل يتم ذلك بقرار ناتج عن المشاورة بين فريق العمل والمواطن تمكينا للهدف الأساسي من المقترح وهو رضا وتمكين المواطن وجعله الدائرة الأساسية التي يدور في فلكها النظام الصحي ويكسب ودها كما أنه سيعزز التنافسية بين المستشفيات.
الاعتبار السادس: تحييد كل من يقف عقبة في طريق التغيير والابتكار ومن لم يستوعب إلى الآن حجم المعاناة التي يعيشها المواطن والمجتمع في أغلى ما يملك الانسان وهي الصحة.
الاعتبار السابع: جمع مليون معاناة وفكرة من مليون مواطن ومريض من جميع مناطق المملكة ليخرج منها يا معالي الوزير مالم يخبرك به أصحاب التخصص أو المستشارون أو الخبراء العالميون أو حتى منظمة الصحة العالمية أو اللجان التفقدية فلن تجد أمامها سوى رأس الجبل الجليدي، إنها الخطوة الطبيعية والأساسية في المجال الصحي لأي قائد تحويلي وإنك لتعجب من يخطط لرفع معاناة شخص ولم يستمع لمعاناته، وإني على ثقة أن المقترح سيتجاوب مع نسبة تفوق 90% من تلك المعاناة.
وخلاصة القول: إن فتح المجال لفرق العمل المتميزة من مئات الأطباء والفنيين والممرضين السعوديين القابلين للتحدي أن تصبح تلك المراكز هي مصدر دخلهم الأساسي والمجدي بناء على الجودة والرضا هو من يحدد الاتجاه الصحيح لبوصلة الوزارة مع الأخذ بالاعتبار ما تمت الإشارة إليه، علماً أن هذا معمول به في كافة دول العالم المتقدم، وكل مواطن متفائل في التغيير بعد كلمة خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- خاصة في صحة الفرد المجتمع، سدد الله الخطى وجعلكم يا معالي الوزير مفاتيح للخير والسلام عليكم.
- طبيب استشاري مستشفى الملك عبدالله بن عبدالعزيز الجامعي