الجزيرة - المحليات:
يجمع خبراء السياسة والاقتصاد على أن الملك فهد بن عبدالعزيز تسلم حكم المملكة العربية السعودية في أدق الظروف التاريخية التي مرت بها المملكة والعالم العربي والإسلامي، واستطاع بحنكته وبُعد نظره تخطي كل العقبات، ومواصلة التطوير، والنهوض بالبلاد على الأصعدة كافة.
ولا شك أن قدرة الملك فهد بن عبدالعزيز على مواجهة الصعاب والتغلب عليها استندت إلى خبرة طويلة، بدأت منذ نعومة أظفاره.
وُلد الملك فهد في مدينة الرياض عام 1343هـ (1924م) في كنف والده مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه -، الذي كان له نهج فريد في تربية أبنائه منذ الصغر، يتمثل في الالتزام بدين الله، والحرص على خير الإسلام والمسلمين في كل عمل، ومد يد العون لمن يحتاج، واعتبار العمل العام تكليفاً لا تشريفاً، مع إقامة العدل بين الناس، والتواضع والتروي والحكمة في كل خطوة، وهو ما ظهرت ثماره من خلال نجاح أبناء الملك عبدالعزيز في المسؤوليات التي حملوها، والمهام التي أُسندت لهم على الدوام.
في مجلس المؤسس
كان الملك فهد معروفاً منذ طفولته بالهدوء والاتزان، والبُعد عن لهو الأطفال، والميل إلى التعلم والتفكير، وإجادة الاستماع والإصغاء رغم صغر سنه. ولاحظ الملك عبدالعزيز في ولده تلك المناقب؛ فقربه منه، وأجاز له حضور مجلسه الخاص حيث كان يجتمع إلى أبنائه الكبار في السن ورجال دولته، وهو ما أكسب الملك فهد خبرة في التعاطي مع مختلف القضايا السياسية والإدارية وحزماً وصلابة فيما يتعلق بمصالح البلاد العليا، وجعل الملك عبدالعزيز يوفده إلى الخارج في مهمات رسمية كثيرة، ويعهد إليه كثيراً أن ينوب عنه في حضور مناسبات داخلية، وخصوصاً الاجتماع إلى رؤساء القبائل وأعيان البلاد؛ ما أكسب الملك فهد خبرة واسعة في شؤون القبائل وأهل البادية، بدت نتائجها الإيجابية فيما بعد عندما تولى وزارة الداخلية التي أدارها بكل كفاءة واقتدار.
وتلقى الملك فهد علومه الأولية في المدرسة التي أنشأها الملك عبدالعزيز لتعليم أولاده، ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي الذي يولي التعليم الديني وعلوم اللغة العربية اهتماماً كبيراً، ثم تلقى دراسات مختلفة في الخارج.
التحديث المتوازن
في 21 شعبان 1402هـ، الموافق 18 يونيو 1982م، تسلم فهد بن عبدالعزيز زمام الحكم ملكاً للمملكة العربية السعودية خلفاً للملك خالد بن عبدالعزيز - رحمهما الله -، فواصل السير على نهج الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وفياً بالعهد وملتزماً بالأمانة، هاجسه خدمة الشعب السعودي ورفاهيته، وتقدُّم وتطور بلاده، وتقديم الغالي والنفيس لحجاج وزوّار البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف، منطلقاً في ذلك من هدي كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم -. وقد شهدت المملكة العربية السعودية إنجازات عملاقة في عهده على الصعد كافة، وتبوأت مكانة رفيعة على مستوى العالم.
نهضة تعليمية
وحظي التعليم باهتمام خاص من الملك فهد بن عبدالعزيز، وشاء الله أن يكون أول راعٍ للتعليم في المملكة عندما أُنشئت وزارة لهذا الغرض؛ إذ تولى منصب وزير المعارف، وحرص أشد الحرص على إيلاء طلاب العلم اهتمامه الكبير، وتسخير جميع الإمكانيات لخدمة العلم والتعليم، فكان حصاد ذلك الجهد انتشار المدارس والمعاهد العلمية والكليات والجامعات في أرجاء المدن والقرى والهجر.
تنمية متوازنة
وشهدت السنوات الأربع والعشرين التي تولى فيها الملك فهد بن عبدالعزيز قيادة المملكة إنجازات إنمائية ومشاريع عمرانية، نقلت المملكة نقلة نوعية، وحققت الاحتياجات الأساسية للتنمية من مرافق عامة وجسور وطرق سريعة وأنفاق وزراعة وصناعة ومطارات ومستشفيات وجامعات وآلاف المدارس، وجيش قوي مجهز بأحدث الأسلحة والمعدات.
مجلس للشورى
حرص خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز على الالتقاء الدائم مع إخوانه الأمراء أبناء الملك المؤسس والمواطنين في مجالس مفتوحة، تنفرد بها تجربة الحكم السعودي. وفي هذه المجالس يلتقي الحاكم بالمحكوم لقاء عفوياً أسرياً، يستمع فيه بصدر رحب إلى مطالبات وشكاوى الحضور، ويجري التعامل معها، والتأكد من تحقيق العدل بين الناس.
وإضافة إلى المجالس المفتوحة، عمد الملك فهد بن عبدالعزيز إلى إنشاء مجلس للشورى، يضم خيرة الفقهاء والعلماء المتخصصين والمثقفين والمواطنين الصالحين لتكريس العملية الديمقراطية في إطار منظم وفريد في العصر الحديث.
وفي عهد الملك فهد أصبح المجتمع السعودي في مقدمة المجتمعات في ارتفاع نسبة الدخل وتوفير أفضل الظروف المعيشية والخدمات العامة على اتساع مساحة المملكة التي تكاد تكون قارة في الشرق الأوسط.
الأشقاء الخليجيون
حرص الملك فهد بن عبدالعزيز أشد الحرص على البيت الخليجي، وكان من ثمرة ذلك أن انطلقت مع بداية عهده مسيرة مجلس التعاون الخليجي الذي تربط بين دوله علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة، تحتم التشاور بين قادتها، وتدعم وحدة الأمة العربية في مواجهة التحديات. وأكد الملك فهد منذ البداية أن مجلس التعاون الخليجي ليس تكتلاً أو محوراً، وإنما خطوة هادفة إلى خير شعوبها، وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من التقدم والاستقرار في إطار جامعة الدول العربية، وانطلاقاً من ميثاقها.
قيادة «أوبك»
لعبت المملكة العربية السعودية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز دوراً أساسياً في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، ليس باعتبارها من كبرى الدول المنتجة والمصدرة للنفط، أو لأنها تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم فقط، بل لأن الملك فهد وظّف حكمته وسياسته ونفوذه لإنقاذ «أوبك» من متاعب كثيرة تعرضت لها في ذلك الوقت، وخصوصاً على صعيد وحدة المنظمة وتماسكها وأسعار النفط وإنتاجه.
لبنان والطائف
وأدت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك فهد دوراً محورياً ومؤثراً في الأحداث الجارية في المنطقة وفي قضايا العالم؛ إذ استطاعت وقف الحرب اللبنانية والنزيف العربي الذي استمر ثمانية عشر عاماً، وبلسمت جراح اللبنانيين من خلال «اتفاق الطائف»، وأعادت إلى لبنان عافيته.
وشهد العالم على حنكة الملك فهد بن عبدالعزيز خلال الغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة؛ إذ وضع الملك فهد بعد مغامرة صدام حسين نصب عينيه مسؤولية تجنيب المنطقة الدخول في متاهات وصراعات، وتحويل الانتباه عن قضاياها الأساسية المتمثلة في التنمية واسترجاع الحقوق العربية المسلوبة. وأكدت القراءة السريعة لجهود الملك فهد لمعالجة هذه الأزمة أنه منذ بداية الأزمة حتى نهايتها ارتكز موقفه على أساس العمل بكل الوسائل لاستعادة الشرعية، ورد العدوان الغاشم، وإعادة الكويت لأهلها. ووُصف الملك فهد آنذاك ببطل تحرير الكويت؛ لأنه لم يرضخ للمزايدات التي تحكمها الأهواء والعواطف والشعارات الزائفة، واتخذ قراره الواضح والصحيح الذي فيه مصلحة الكويت الشقيقة، وهو استدعاء القوات العربية والصديقة لردع العدوان، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. وأثبت الملك فهد على مدى أشهر الأزمة أن المملكة ثابتة على مبادئها، ولا تقبل الظلم، وقادرة على رد هذا العدوان وحماية المنطقة من مثل هذه المغامرات.
وشهد جميع المراقبين السياسيين المحايدين بأن الملك فهد استطاع بحنكته وسياسته وبُعد نظره أن يعالج أخطر أزمة مرت على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك بذكائه وحسن تصرفه وأعصابه الحديدية إزاء هذه الأزمة، وسط هستيريا سياسية وإعلامية وعسكرية قادها صدام حسين ومن عاونه.