العلاقة والمصلحة كلمتان مرادفتان تتناغمان معاً، لهما هدف واحد ومبدأ واحد. والمصلحة هي صخرة تتفتت عليها في أحيان كثيرة كل القيم الإنسانية، ولا شيء يعلو فوق المصلحة، والمصلحة تتنوع حسب طالب الخدمة ولها أشكال وأنواع كثيرة. أحياناً كثيرة يرتدي صاحب المصلحة الشخصية قناع التودد والتلطف، مع قناعته بعكس ما يظهر. لست ضد العلاقة القوية بين الناس لكنني ضد العلاقة القائمة على المصلحة الشخصية وما أكثرها في مجتمعنا وفي غالبية شرائح المجتمع.
هل انتهت الصداقة الحقيقية بين الناس وتحوّلت إلى صداقة مصالح؟. هل مبدأ صداقتي هي مصلحتي هو السواد الأعم في مجتمعنا؟ للأسف وبحزن كبير أقول نعم هذا هو التوجه العام. هناك من يتردد بالاتصال بإنسان يعرفه منذ سنوات لكن تحت ضغط المصلحة الشخصية يقوم بذلك، إنها قمة التفكك الاجتماعي وهيمنة قيم جديدة خارج العرف البشري السوي. هذا التوجه خلق الازدواجية في التعامل مع الآخرين هذا أرحب به وهذا أطيقه. هناك عبارات يرددها أصحاب المصالح الشخصية منها ( خل عنكْ تراه ما يخدمك) و( حطه على يمينك ) و(مصلحجي) وهكذا.
مصلحتي الشخصية أنْ أتقرب من مديري أو زميلي أو مدير الشركة الفلانية أو من الشاعر الفلاني أو الكاتب الفلاني أو الموظف الفلاني أو.... وهكذا التقرّب مبني على المصلحة وينتهي هذا التقرب حين يتحقق الهدف. يا لها من علاقات ذات الدفع الأناني. اقتبس : «يزداد تعلقنا بالمبدأ بقدر ما يزداد تعلق مصالحنا به..» الدكتور غازي القصيبي. والسؤال الذي يردده كثير من الناس حين مراجعتهم للدوائر الحكومية ( تعرف أحد) بمعنى الواسطة التي هي جزء من المصلحة الشخصية. أصبحنا في كثير من الأحيان لا نتحرك إلا بالمصلحة الشخصية.
مصلحتي الشخصية فوق كل اعتبار، كم هو من مبدأ قاصر النظر، عديم الإحساس، أناني، هل المصلحة الشخصية تهدم كل القيم الإنسانية النبيلة والتربية الحسنة. هذا هو الواقع وهذا هو التوجه. لست ضبابياً أو سوداوياً لكنني أنقل ما يحدث في دهاليز المجتمع. ترى هل سيأتي اليوم الذي تعود به العلاقات الشخصية كما كانت منذ أربعة عقود أم تسوء؟. منْ المسئول عن هذا التوجه في المجتمع؟ وكيف نصحح هذا المفهوم الخاطئ؟ المدرسة والجامعة والمسجد والأندية الرياضية والحي ومكان العمل جميعاً والمزيد لهم أدوار كبيرة في التثقيف والتلطيف في محاولة القضاء على العلاقة تنتهي بعد انتهاء المصلحة.
هناك ولائم تُقام ومقالات تُكتب وشعر ينظم وروايات تكتب وهدايا تهدى والمزيد من هذا التوجه هدفها المصلحة الشخصية. كفى وكفى هذا التخبط والبعد عن مبادئ الإسلام الوسطي الذي يضمن حقوق البشر كما هي. لقد جاءت الشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
وفي الختام فإلى متى لا نستسيغ الخضوع لأهواء البعض المنتفع على حساب المصلحة الشخصية، لماذا لا نرفض المصلحة الشخصية التي قد تؤثر على مصالح الآخرين. العلاقات الإنسانية على الجميع احترامها وعدم تحويرها وتحويلها إلى مصالح شخصية. أقتبس (تسقط الأقنعة عندما تنتهي المصالح ولكن الدنيا تدور والوجوه تتقابل من جديد في ظروف مختلفة وعندها لن يكون هناك وقت لارتداء أقنعه جديدة).