العمل الخيري في الإسلام خص في فضله على وصول أثره وفائدته للمجتمع والفئات المستحقة، ولعل الوقف من أهم الأعمال المباركة والخيرة التي لها عند الله أجر عظيم، وهي ليست فقط تعبيراً فردياً عن صحو في الضمير، أو يقظة في العقل والنفس، وإنما هي - إلى جانب ذلك - روح اجتماعية سارية في أوصال الجماعة المؤمنة، وهي كذلك من لبنات البناء الاجتماعي الفاضل، ومن ثم فقد أوجد ديننا الإسلامي الأطر المناسبة للعمل الخيري، وذلك كي يجد أهل الخير المجالات الملائمة لنفقاتهم وعطاءاتهم الخيرية، ويطمئنوا على أن بذلهم إنما هو ضمن السبيل المشروع وتغطية حاجة المجالات المستحقة للنفقات، كترجمة عملية حية لروح التضامن والتكافل، التي ينبغي أن تسود المجتمع الإسلامي في كلّ زمان ومكان.
فالأوقاف لها إسهامات تنموية كبيرة في مجال خدمة المجتمع، إذ إنها أحد أهم وأبرز الجوانب التي قامت من أجلها، وهي الإسهام في تنمية المجتمع ودعم العمل الخيري، وهذا الهدف من الأهداف السامية والمهمة التي يكرسها الإسلام في تخصيص الأوقاف لخدمة شرائح عريضة في المجتمع، تجد العون والدعم بفضل ريع هذه الأوقاف، فما بالك إذا ما كان هذا الوقف بحجم أوقاف الشيخ محمد الراجحي التي وصل دعمها وخيرها القاصي والداني بفضل العمل المتقن والمخطط له كما يجب، والصدق والإخلاص والحنكة الإدارية في عمل المنظومة الوقفية التي عملت على تقديم نموذج مشرف وفاعل في هذا المجال من خلال تبني مشاريع وبرامج خيرية مع عدد من الجهات الخيرية من مختلف أنحاء المملكة، من أجل العمل على تعزيز مكانة القطاع الثابت وخدمة الإنسانية والإسهام في خدمة المستفيدين من مشاريع تنموية ذات أبعاد إستراتيجية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.
وقد رأينا ذلك العمل المثمر والخير ماثلاً للعيان حينما كنا بمعية معالي وزير الزراعة السابق م. وليد بن عبد الكريم الخريجي الذي تفضل بزيارة لمزارع أوقاف الشيخ محمد بن عبد العزيز الراجحي في الخرج ومركز أوقاف الراجحي لأبحاث النخيل، وذلك للاطلاع على ما تقوم به المزارع من أعمال تسهم في توفير الأمن الغذائي وتنمية المجتمع بحضور رئيس مجلس نظار أوقاف الشيخ محمد بن عبد العزيز الراجحي أ. بدر بن محمد الراجحي وعضو مجلس النظار أ. ماجد بن صالح الراجحي حيث تم تقديم نبذة تعريفية عن المزارع ومركز الأبحاث، والتأكيد أن المزارع كانت تحتل جانباً كبيراً من اهتمام الشيخ محمد بن عبد العزيز الراجحي، وكان يوليها عناية كبيرة في حياته، وأوقفها -رحمه الله- وقفاً منجزاً، إضافة للأعيان الأخرى التي أوقفها والمتمثلة في العقارات والأسهم والفنادق وغيرها، وكانت هذه الأوقاف من أحب ما يملك -رحمه الله- إذ يبلغ عدد النخيل بالأوقاف ما يربو عن 250 ألف نخلة تشمل أجود أنواع النخيل، وتنتج أكثر من 3500 طن حالياً من هذه الأوقاف، تعمل وفق إستراتيجيات محدودة ووفق عمل مؤسسي محكم أسهم في تحقيق نتائج كبيرة على مستوى الاستثمار والعمل التنموي من خلال منظومة مشاريع كان لها أثر كبير في تحقيق هذه الإنجازات بدعم من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- وسمو ولي عهده الأمين وولي ولي العهد -حفظهما الله.
ما تقوم به الأوقاف في مجال ترشيد استهلاك المياه يعد خطوة رائدة في المزارع بالمملكة من خلال تركيب عدادات تقوم بحساب كمية المياه التي تستهلكها النخلة بإتباع أحدث التقنيات مع الاستعانة بالخبرات العالمية في هذا المجال وعلى نتائج أبحاث المركز ومن أبرزها تجارب الحد من انفصال القشرة عن اللحم والتي تحد من جودة التمور وتدني أسعارها، بالإضافة إلى مجموعة من التجارب والأبحاث التي استمرت لأكثر من أربع سنوات وخلصت لبروتوكولات سوف يتم تطبيقها بدءاً من هذا العام، تهدف جميعها على تحسين جودة التمور من حيث الحجم والوزن واللون وعرض على أنواع التمور التي تنتجها مزارع أوقاف الشيخ محمد بن عبد العزيز الراجحي وعلى عمليات التحسين الحاصلة على نوعية وجودة التمور كنتيجة مباشرة لنتائج أبحاث المركز، وأبدى الجميع إعجابهم بتميزها وأثنوا على الجهود المبذولة في هذا الصدد وضرورة تركيز الأبحاث الجارية في المركز وأهميتها في تحسين جودة ونوعية التمور، علماً بأن مركز الأبحاث لديه تعاون مع عدد من المراكز البحثية على مستوى العالم ومن أبرزها مركز الأبحاث في جامعة أريزونا وكرسي أبحاث النخيل في جامعة الملك سعود مركز أبحاث النخيل والتمور في محافظة الأحساء التابع لوزارة الزراعة، ومركز أبحاث النخيل والتمور في جامعة الملك فيصل، هذا المركز له أهمية للتعاون في مجال الأبحاث مع الوزارة لخدمة هذا القطاع المهم من القطاعات التي تسهم بشكل فعال في الأمن الغذائي للمملكة وتنمية المجتمع.
بعد ذلك أطلعنا عبر جولة للمعرض المصاحب على نتائج الأبحاث وتطبيقاتها وما تنتجه مزارع أوقاف الشيخ محمد بن عبدالعزيز الراجحي من تمور ذات جودة عالية، كما زرنا معرض مشروع الأسر المنتجة الذي تتبناه أوقاف الشيخ محمد عبدالعزيز الراجحي والذي يقوم بدور كبير في توظيف الأسر ذات الحاجة بالتنسيق مع الجمعيات الخيرية لترشيح بنات هذه الأسر ومن ثم تدريبهن وتأهيلهن على تعبئة وتغليف التمور، إذ يقوم هذا المشروع بإنتاج أنواع كثيرة من التمور ومنتجاتها من معمول وغيره من المنتجات، ثم بعدها الجولة الميدانية على المزارع وعرض نظام الباركود الذي يحدد جميع المعلومات الخاصة بالنخلة ونظام التحكم بالري عن عدادات تتحكم في كمية المياه التي تصل لكل نخلة وأثر التجارب والأبحاث التي قام بها المركز على تطوير المزارع والتي تعد من أكبر المزارع على مستوى العالم، وزيارة مركز أوقاف محمد الراجحي لأبحاث النخيل والذي يعد الأول من نوعه على مستوى القطاع الخاص.
هذا المشروع الوقفي العملاق الذي تبلغ قيمة الاستثمار فيه مبالغ طايلة يعد بحق مفخرة يجب الإشادة بها ودعمها ومحاكاتها في المشاريع الوقفية الأخرى. وقد أخبرني بدر الراجحي والشخص الضليع الخبير في مجال الوقف بأن والده كان حريصاً على استمرارية العمل الخيري وإعطائه العناية والحرص حتى أثمر هذا المشروع العملاق في الزراعة وإنتاج التمور التي يعود ريعها إلى الجمعيات الخيرية ودعم مشاريع الخير في المجالات كافة، وجزء من إنتاج الوقف يهدى للفقراء والمحتاجين في المملكة والعالم الإسلامي. ويؤكد الراجحي أن قمة السعادة والبركة بالنسبة له شخصياً حينما يكون العمل في الأوقاف حيث يكون لها أثر نفسي كبير وينعش النفس ويدخل الراحة ويكون أثره إيجابياً لأن عمل الخير له قيمته.
الوقف يظل بمواصفاته وخصائصه مورداً مميزاً، نظراً لما ينطوي عليه من أساليب غاية في الإبداع ، وللحرية المتاحة في مصارف الوقف، إذ إن أي مطلب شريف قد يطاله خير الوقف ونفحاته وبركاته .. فهل تحيي المؤسسات الوقفية القائمة الآن ما تلاشى مع الزمن من تقاليد اجتماعية وإنسانية نبيلة.