تُوفِّي غفر الله له وقد جعل شعار اليوم الوطني صورة رمزية في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، الوطن الذي طالما خدمه الراحل على مدى أكثر من نصف قرن، وهو ما يؤكِّد أنه شاهدٌ على مراحل كثيرة مر بها وطننا (المملكة العربية السعودية).
إنه الراحل الأديب والمؤرخ والإعلامي سليمان الأفنس، ذلك الباحث الفذّ الذي يدفعه إصراره إلى البحث والتقصي في سبيل التأليف.
كنت في السنة العاشرة من عمري حينما شاهدته لأول مرة في حياتي؛ إذ كان صحفياً زائراً لقريتي الصغيرة «صبيحاء»، وقد رافقه والدي؛ ليكتب عن معالم هذه القرية التي «يزيد عمرها على ألف سنة» كما عنونها هو في صحيفة (الجزيرة) آنذاك.
تعلَّق قلبي بالقراءة ومطالعة الصحف، وقد يكون هو سبباً في ذلك.. لا أعلم!
ولكن ما أعلمه أن الأديب الراحل كافح واجتهد - لا أبالغ لو أقول يومياً - طوال تلك السنين، فتجده قد لا يخلو يوماً من نشاط إعلامي أو ثقافي أو بحث معلومة تاريخية أو قراءة كتاب.
لستُ بصدد الكتابة الآن عن إنجازات سليمان الأفنس الأدبية والتاريخية؛ لأن إصداراته هي التي تحدثت عنه، وستتحدث وتخلد اسمه، ولكن ما دعاني لذكره هو شيءٌ في نفسي لمحاولة رد ولو جزء بسيط من فضائله التي قد لا يعلم عنها هو، وأقلها أننا تعلمنا منه منذ الصغر أنه من غير المستحيل أن ترى اسمك وقد نشرته صحيفة رسمية من خلال كتابة مقال أو نقل حدث ما! تعلمنا منه كذلك أن بالإمكان أن تؤلف كتاباً، أو تُعد دراسة، أو تتحدث عبر الإذاعة، أو تظهر في الفضائيات.
لله درك أبا إبراهيم، وقد شققت بقلمك طريقك بنجاح في مجال الإعلام والأدب بتحدٍّ كبير، فمن كان يكتب في منطقة الجوف في زمن الورقة والقلم فقط؟ ومن كان يبحث في وقت لم يصل فيه العم «قوقل» ليريح الناس من عناء البحث؟ من كان يوصِّل ما كتبه في حقبة لم يتوافر فيها الفيس بوك والتويتر، وغيرها من ثورة التقنية؟
أجزم بأنهم لا يتعدون عدد أصابع اليد.
زرتُ مكتبة الأفنس ذات مرة، وانبهرت بما تحويه من كتب وبحوث ووثائق نادرة.. أبهرني طريقة أرشيف المكتبة؛ فقد عُمل بأسلوب تقني حديث، يشبه تماماً المكتبات الجامعية، ناهيك عن آلاف الصور التي التقطها بعدسته، وبعضها يرجع لقبل خمسين سنة. فمكتبة الراحل تعد بحق مرجعاً بحثياً للمؤلفين والمهتمين بالثقافة والموروث الشعبي.
إنها مدرسة سليمان الأفنس التي سنتعلم منها ويتعلم منها أجيالنا القادمة.
- مساعد حمدان الشراري